معرض فرانكفورت الدولي للكتاب ومحنة الناشر العربي!

الرئيس الألماني يفتتح معرض فرانكفورت للكتاب

وعاد ملتقى دولي للكتاب للانعقاد مرة أخرى بعد غياب سنتين بسبب أزمة الكورونا، وفي المدة من 19 إلى 23 أكتوبر تجمع محبو القراءة من أنحاء العالم كله للالتقاء مجددًا في معرض فرانكفورت الدولي للكتاب أكبر، وأهم، وأقدم، تجمع عالمي ثقافي في العالم كله.

ونظرًا لأهمية الحدث فقد افتتح الرئيس الألماني فرانك شتاينماير فعاليات المعرض برفقة ملك إسبانيا الذي حلت بلاده ضيف شرف هذا العام على المعرض، وقد شكر الملك ألمانيا على إتاحة الفرصة لبلاده لنشر ثقافتها والتعريف بها.

أكثر من 4 آلاف ناشر من 95 دولة جاؤوا لنشر ثقافة بلادهم والتعريف بها من كل حدب وصوب، فماذا عن الوجود العربي ومشاركته؟

لا وجود للكتاب السياسي العربي!

اختفى الوجود العربي في معرض هذا العام، وخاب أمل الجاليات الناطقة بالعربية في العثور على ما يرضيهم من كتب لغة الضاد، وبرزت في الأجنحة العربية الكتب الدينية والروايات، واختفت الكتب السياسية رغم أن واحدًا من أهم مظاهر هذا المعرض هو الكتاب السياسي.

إذًا اختفاء الكتاب السياسي، والكتب الجادة العربية في أهم معرض عالمي، يرجع بالتأكيد إلى مناخ إصدار في تلك الدول، فمصر ولبنان أهم دولتين عربيتين في النشر، تراجع دورهما بشكل حاد نتيجة ارتفاع الضرائب والرسوم وعدم دعم الدولة للكتاب، في حين أن الكتاب العربي بشكل عام يخضع لمراقبة الأنظمة الحاكمة، والدولة ترعى وتدعم الكتب السياسية فقط التي تتبنى وجهة نظرها، أو التي تسعى إلى تمجيد أنظمتها الحاكمة دون الاهتمام بإبداعات الآخرين.

على سبيل المثال مجلة إيكونوميست في تقرير لها سنة 2016 عن القراءة بالعربية ذكرت أن العرب لا يهتمون بالقراءة، ولا يهتمون بشراء الكتاب، ثم ظهرت دراسة لاتحاد الناشرين العرب سنة 2021 أشارت فيها إلى أن 20 دولة عربية أنتجت فقط 315 ألف كتاب في 5 سنوات، كان أقلها عام 2015 حيث طبعت 54 ألف نسخة فقط، وأكثرها في 2019 عندما أصدرت الدول العربية مجتمعة قرابة 70 ألف كتاب.

أسباب التدهور

إن حرية الإبداع والفكر في العالم العربي ليست بعيدة عن المصادرة والتنكيل، وفي مصر واجهة العالم العربي في الثقافة والفن، تعرضت فيها مجموعة من دور النشر للتحفظ والإغلاق قبل سنوات قليلة مما أثار المخاوف حول مستقبل صناعة النشر في هذا البلد، فهناك عدد كبير من المكتبات تم إغلاقها، ومن ثم أغلقت كل فروع مكتبات الكرامة التابعة لجمال عيد مدير الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وسجن خالد عيد مؤسس دار نشر “تنمية” 5 سنوات بتهمة إفشاء أسرار عسكرية لتوزيعه النسخة العربية من كتاب “الملاك” أشرف مروان.

الكتب المسموعة تحقق أرباحًا كبيرة

إذا كان معرض فرانكفورت قد فتح المجال واسعًا أمام الكتب المدمجة في أقراص مضغوطة وغيرها من وسائط المعرفة لا سيما الكتاب المسموع، والذي صار هو الجزء الوحيد من قطاع النشر الآن الذي يحقق نموًا وعائدات مادية كبيرة، بدأت تجذب جمهورًا كبيرًا حديث العهد بالقراءة لم يعتد قراءة الكتب التقليدية من قبل، فإننا نجد أن الناشرين العرب ما زالوا متمسكين بشكل كبير بالكتاب الورقي التقليدي، وهو بالتأكيد ما يجعل المنافسة ليست في صالحهم في هذا المجال، رغم أن الكتلة العربية الكبيرة يتم تمثيلها كوحدة جغرافية وثقافية واحدة.

الجالية تبحث عن الكتاب العربي

لكن ما وضع الكتاب العربي في ألمانيا صاحبة هذا الملتقى الكبير؟ في سنة 2004 ظهرت في المعرض دور النشر الخليجية بشكل مميز، وكانت مهتمة بالترجمة، ونقلت وقتها الكثير من الكتب المختارة إلى اللغة الألمانية، وكان لإمارة الشارقة دور كبير في محاولة إحياء الكتاب العربي عالميًا من خلال معرضها السنوي الذي أرادت له أن يكون معرضًا دوليًا منافسًا، ونجحت من خلال الإشراف على حركة الترجمة أن تقدم 1400 كتاب عربي مترجم إلى مختلف لغات العالم.

للأسف ليس هناك الآن اهتمام بتصدير الثقافة العربية إلى أوربا، رغم الدور البارز لتلك الثقافة في الحضارة الأوربية أوائل القرن العاشر الميلادي، فقد اهتم ملوك وأمراء ونبلاء أوربا باللغة العربية اهتمامًا كبيرًا، فحرصوا على نقل المخطوطات العربية من بلاد الشرق سواء إبان الحروب الصليبية أو عن طريق وسطاء لهم لجمع ما ندر من المخطوطات، وشاعت اللغة العربية في القرون الوسطى لكثرة المتكلمين بها، ولشهرة فلاسفة الإسلام آنذاك، ولم يقف هذا الاهتمام عند حد جمع الكتب فقط، بل حرص ملوك وقساوسة وعلماء أوربا على إنشاء المكتبات العربية في قلب أوربا، وعينوا لها مديرون عرب لتنظيم شؤونها، وكان ملوك فرنسا وإنجلترا يتنافسون في جمع المخطوطات العربية من مكتبات الشام، في شتى العلوم والمعارف الإنسانية.

أسعار الكتب مرتفعة جدًا

أما الآن فالوضع مختلف تمامًا، ولم يعد لهذه النهضة أي أثر في أرض الواقع، ووفقًا لاستبيان اتحاد الناشرين العرب في سنة 2020، الذي شارك فيه 292 ناشرًا من 16 دولة عربية، فقد أظهر أن صناعة النشر في الوطن العربي “مهددة بالانهيار”.! فالناس لا تستطيع القراءة في ظل أسعار الكتب المرتفعة بشكل جنوني، وإذا سألت عن السبب؟ تكون الإجابة ارتفاع أسعار الورق، فتكلفة الكتاب صارت عالية جدًا، في ظل مبيعات غير مضمونة، وحتى لو كان الفرد قادرًا على الشراء فلن يشتري أكثر من كتاب أو كتابين!!

المصدر : الجزيرة مباشر