عندما يصبح اللمبي منهج حياة

اللمبي

غاص المؤلف السينمائي أحمد عبد الله في حواري مصر ليخرج لنا بشخصية كاريكاتورية تعبيرًا عن واقع صار فيه العقل محجوبًا ومرفوعًا مؤقتًا من الخدمة، هي شخصية اللمبي التي قدمها في ثلاثة أفلام سينمائية ومسلسل تليفزيوني.

أنا على يقين أن عبد الله الذي أعرفه من سنوات الجامعة لم يظن للحظة واحدة وهو يكتب الشخصية وحكاياتها سوف تصبح أسلوب حياة سواء في التعامل مع الواقع أو في السخرية منه.

أحمد عبد الله خريج كلية الحقوق وابن حي بين السرايات، ونجم مسرح كلية الحقوق في عصر كان للمسرح الجامعي قيمته ونجومه، عاش أكثر من 10 سنوات يكتب أعمالًا جادة يخزنها في غرفة على سطوح منزل العائلة في بين السرايات حتى عام 1998 حينما التقى المخرج وائل إحسان ليقدما معًا سهرة بعنوان وراء الجريمة من إنتاج التليفزيون المصري.

في عام 2000 تظهر شخصية اللمبي في فيلم الناظر صلاح الدين من إخراج شريف عرفه بطولة الراحل علاء ولي الدين وأحمد حلمي، وشخصية اللمبي غير رئيسة في الفيلم، وأعتقد أن أحمد عبد الله التقط الشخصية من حارات بين السرايات والأماكن الشعبية التي عاش فيها وتنقل فيها في شبابه ربما في الحسين أو السيدة زينب.

شخصية اللمبي لشاب يعيش في منطقة شعبية يعاني من إعاقة ذهنية خفيفة تجعله شخصية غير متزنة، كلامه غير مفهوم، غير قادر على التعبير بشكل جيد، لا يستطيع إكمال الموضوع الذي يتحدث فيه، يحتاج لجهد للوصول إلى ما يريد إيصاله، وتتخلق الكوميديا الهزلية من مواقف لا يستوعبها اللمبي نفسه ولا الجمهور، ومع تعبيرات الوجه غير المتزنة تصبح الكوميديا المقدمة غير تقليدية.

صارت شخصية اللمبي التي قدمت لأول مرة في دور ثانوي في فيلم الناظر صلاح الدين رئيسة في فيلمين قدمها المؤلف مع المخرج وائل إحسان وهي اللمبي في عام 2002، و55 إسعاف 2001، ثم قام الممثل محمد سعد بالتعاون مع المؤلف نادر صلاح بتقديم الشخصية في فيلمين آخرين هما اللي بالي بالك واللمبي 8 جيجا.

الكوميديا السينمائية من كشكش بيه إلى اللمبي

الشخصية السينمائية تطورت عبر تاريخ السينما المصرية والمسرح على يد كبار الممثلين الكوميديان بداية من نجيب الريحاني وعلي الكسار في شخصيتي كشكش بيه للريحاني وعثمان عبد الباسط لعلي الكسار اللتين قدمتا على مسرحهما وانتقلت معهما إلى السينما.

إن كان الكسار نقل شخصية عثمان عبد الباسط للسينما بكل أفلامه مستغلًا سذاجة الشخصية وطيبتها في نجاحه، إلا أن الريحاني تمرد على شخصية كشكش بيه وقدم تنويعة كوميديا ناسبت العصر وتطوره، وقدم نقدًا اجتماعيًا رائعًا استمر عبر السنوات ولا يزال يحظى بقبول واسع لدى أجيال لم تعاصره.

المرحلة الثانية في تطور الكوميديا المعتمدة على الشخصية الواحدة ذات الملامح الشكلية ومساحة الذكاء بدأت مع إسماعيل يس ومجموعته التي شاركته مسرحه وأفلامه السينمائية مثل حسن فايق وعبد الفتاح القصري وزينات صدقي.

ظهر عادل خيري على طريق الريحاني في معادلة اجتماعية تعبيرًا عن بدايات الخمسينيات، فبعد رحيل الريحاني في 1949، حاول بديع خيري المؤلف الرئيس لمعظم أعمال فرقة الريحاني إحلال عادل خيري مكانه في أعماله، لكن الموت اختطف خيري مبكرًا جدًا، ولم يستمر سوى 8 سنوات ورحل، واستمر إسماعيل يس ممثلًا عن كوميديا الملامح والذكاء الشخصي، حتى أفلامه التي قدمها عن الجيش والأسطول والبحرية والبوليس كانت تعتمد على ملامح الشخصية وذكائها المحدود.

مسرح التليفزيون وفؤاد المهندس والمدبوليزم

بدأت مرحلة جديدة في الكوميديا المصرية مع بداية مسرح التليفزيون الذي كان نجمه الأول في بدايات الستينيات فؤاد المهندس ومعه عبد المنعم مدبولي الذي قدم مدرسة خاصة به كممثل ومخرج حتى عرف مسرحه باسم المدبوليزم، وبجوار الثنائي ظهر نجوم فرقة ساعة لقلبك، ومحمد عوض وبدايات نجوم السبعينيات والثمانينيات عادل إمام وسعيد صالح.

بدأت مرحلة السبعينيات بمدرسة المشاغبين التي قدمت شخصية قريبة من شخصية اللمبي وهي شخصية (منصور ابن الناظر) التي قدمها يونس شلبي، شخصية غير القادر على استكمال جملة مفيدة ويعجز على بقية الشخصيات فهم ما تقوله، وقد استغل شلبي الشخصية اللمبية كثيرًا، وظهرت شخصيات قريبة من التركيبة الفنية لشخصية اللمبي في أعمال محمد عوض ومحمد نجم وسيد زيان.

قاد عادل إمام وسعيد صالح مدرسة الكوميديا في السينما والمسرح، وإن اختلفا مسرحيًا، فقد اتجه صالح بعد تجارب محدودة في المسرح الكوميدي مثل هاللو شلبي إلى المسرح السياسي، بينما ظل عادل في الكوميديا الاجتماعية مستغلًا طول فترات عرض مسرحياته بعد المشاغبين حتى أنه لم يقدم سوى أربع مسرحيات طوال حياته المسرحية بعد المشاغبين وهي: شاهد ما شفش حاجة، والزعيم، والواد سيد الشغال ثم آخر مسرحياته بودي جارد، وفي المقابل كان محمد صبحي مع المؤلف لينين الرملي اللذين قدما مسرحًا مختلفًا عن صالح وإمام، ولهذا قصة أخرى.

على مدار التاريخ للدراما الكوميدية كانت الكوميديا حالة إنسانية عابرة في حياة المجتمع ممكن أن يطل عليك صديق أو زميل بجملة كوميدية شاهدها في فيلم أو مسرحية مثلما انتشرت بعض التعبيرات في مسرحية المشاغبين بين الشباب.

لكن حينما تصبح السخرية والكوميديا سلوكًا عامًا بطريقة اللمبي في الكوميديا هنا لا بد أن نستشعر الخطر كليًا، فلم تعد السخرية حتى نكتة سياسية أو اجتماعية عابرة بل صارت تعبيرًا يملأ الشوارع وحوائط التواصل الاجتماعي في الجد والهزل حتى صرنا في عرض كوميدي هزلي ممتد في الأحوال والأحداث كلها، فهذا يستوجب التوقف والنظر، وأمام مسيرة الكوميديا في السينما والمسرح -حتى أصبح اللمبي منهج حياة- لنا وقفة أخرى.

المصدر : الجزيرة مباشر