“عواجيز يناير”.. بين أبناء مبارك ونخبة المصالح
الينارجية، النكسجية، المرتزقة، العملاء، وغيرها من المصطلحات، تم إطلاقها على شباب ميدان التحرير، أو شباب يناير 2011، سواء كانت ثورة، أم حركة، أم انتفاضة، وغيرها من المصطلحات الشائعة أيضا، جميعها لم تُغضب الشباب كما أغضبهم في الأيام الأخيرة تعبير “عواجيز يناير”، ولا أدري لماذا، على الرغم من الفشل الذريع الذي حاق بالحسابات الختامية للحالة الثورية كلها، نتيجة عوامل عديدة.
ربما كان أهم هذه العوامل، تلك النخبة السياسية والثقافية التي منحت نفسها آنذاك الحق في تصدر المشهد على اعتبار أنها الأكثر خبرة في التعامل مع مثل هذه المواقف، وتناسى الشباب وقتها أن هؤلاء كانوا الأكثر استفادة وانتهازية لكل الأزمات السابقة خارجيًّا وداخليَّا، بدءًا من العدوان على العراق وكوبونات نفط صدام حسين، مرورًا بحصار ليبيا وشيكات معمر القذافي، وحتى أزمات الداخل السياسية والاجتماعية، التي كانت تتوج دائمًا بمناصب ومزايا مادية وعينية.
لا يستطيع أحد أن ينكر، أن هناك من بين شباب يناير، الكثير ممن تميزوا بطهارة اليد، وطيبة القلب، ونقاء السريرة، وشفافية الفكر، وحسن القصد، إلا أن هناك من “العواجيز” الكثير أيضا ممن كانوا غير ذلك دائمًا، وهو الأمر الذي كان يوجب على الشباب، محاولة الفصل في مثل هذه الحالة، حتى لا يضعوا أنفسهم طوال الوقت تحت طائلة اتهامات لا حصر لها ولا صلة لهم بها، وفي الوقت نفسه يقعون في فخ الدفاع عن غيرهم، ممن كانوا انتهازيين طمعًا في تحقيق مكاسب شخصية، أو أغبياء ينطلقون من أيديولوجيات نفعية، حتى وإن تعارضت هذه وتلك مع مصلحة الوطن.
أبناء مبارك
الملاحظ أن من يطلقون على أنفسهم “أبناء مبارك” أو أنصار الرئيس السابق حسني مبارك، هم الذين أطلقوا مثل هذه المسميات أو الألقاب على من خرجوا إلى الشارع في 2011، ذلك لأن أنصار النظام الحالي ما زالوا مترددين في موقفهم من تلك الأحداث، على غرار الموقف الرسمي تمامًا، تارة نرى الإشادة بـ”ثورة يناير” على اعتبار أنها كانت عملًا بطوليًّا نصت عليه ديباجة الدستور، وتارة أخرى يحمّلونها تبعات كل الأزمات والمصائب، ويرون أنه لن يُسمح أبدًا بتكرارها.
الأمر المؤسف والمحزن في كل هذه الأحداث، هو هؤلاء الشباب الذين لقوا حتفهم، إما عمدًا على يد قناصة ومتآمرين أفلتوا من العقاب في الحياة الدنيا حتى الآن، وإما عن غير قصد بحكم مواجهات وتداعيات طبيعية في مثل هذه الأحداث، وهو الأمر الذي كان يجب أن يضاف إلى مسؤولية الشباب والشيب على حد سواء، ذلك لأن الجميع نسى أو تناسى حق هؤلاء الذين كانوا ضحايا الإيمان بشعارات رفعتها نخبة لم تؤمن بها في أي يوم، في ظل سياسات وسلوكيات نفعية، وإلا لما وصلت الأوضاع إلى ما وصلت إليه الآن، من خضوع بعضهم خوفًا ورعبًا، وتكالب بعض آخر إلى حد القيام بأدوار “الكومبارس” في الانتخابات الرئاسية أو الحوارات الوطنية.
يجب أن نعترف بأن النتيجة التي وصلت إليها البلاد الآن، أو فيما بعد 2011، من قمع غير مسبوق، والنتيجة التي وصل إليها العباد من خوف ورعب، إضافة إلى العديد من عوامل التردي الأخرى الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، كانت جميعها كفيلة بإطلاق مثل هذه المصطلحات وكثير غيرها على شباب يناير، ذلك لأن الرأي العام تعنيه في نهاية الأمر النتيجة النهائية، أو ما تمخضت عنه هذه الأحداث، التي أصبحت الغالبية ترفض تكرارها، خشية مزيد من الانتكاسات والنكسات التي يرونها حولهم على كل الأصعدة.
هذا التردي الحاصل جعل أبناء أو أنصار مبارك تحديدًا يسخرون من الحاضر، ويتشدقون بالماضي، على اعتبار أنه ربما كان أكثر عدلًا وأمنًا، ويتسع الوطن فيه للجميع، ورفعوا معدلات إسهاماتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، بالتزامن مع أي حراك اجتماعي لنجلي الرئيس الأسبق، علاء وجمال مبارك، في حين وجد أنصار الإخوان المسلمين في الأوضاع المهترئة مادة دسمة للتعامل معها بالنقد طوال الوقت، من خلال “ميديا” إعلامية لا تخفي أهدافها، وتعي في الوقت نفسه أنها غير معنية بمصطلحات العواجيز وما شابهها.
الحق في الامتعاض
في الحالة المصرية أيها السادة، يجب أن يقر الجميع، شبابًا وشِيبًا، نخبة وعوامّ، إخوانًا وأخوات، بأن معظمهم لم يكن على مستوى الحدث آنذاك، وأنهم كانوا أقل من حجم الدولة المصرية، بل كانوا في حقيقة الأمر ألعوبة، كل على قدره، تم استخدام الجميع لحساب فريق واحد سيطر على مجريات اللعب منذ اللحظة الأولى لانطلاق المباراة وحتى نهايتها، فكانت له الصدارة والغلبة، ذلك لأنه أجاد اللعبة بالتخصص على مدى ستين عامًا مضت، كان خلالها الفاعل الأساسي بل الوحيد في كل التغيرات والتحولات، حتى وإن أبدى غير ذلك، ثم تطور الأداء بمزيد من السيطرة عشر سنوات أخرى وحتى الآن.
كل ذلك وغيره، لا يعطي الحق للشباب في الامتعاض حين توجه إليهم الاتهامات بانعدام الخبرة، أو وصفهم بالعجزة، وذلك لأنهم ما زالوا يسيرون خلف من تبقى من العجزة الأصليين، رجال كل العصور، لم يعتبروا بالماضي، الأيديولوجيات تهيمن على العقول لدى هؤلاء وأولئك، الإقصاء عامل مشترك، نادرًا ما نرى متجردين من الهواجس، أصفياء للجميع، منفتحين على الآخر أيًّا كان.
الآن نرى قوائم تطالب بالإفراج عن بضع من المعتقلين بأسماء مؤدلجة ومحددة، على الرغم من وجود عشرات الآلاف خلف الأسوار، نسمع نداءات تجهر بالعزل والحظر والتجنيب، نشاهد حوارات انتقائية يخيم عليها الفشل منذ لحظة انطلاقها، لا الشباب اعتبروا، ولا الشِّيب عادوا إلى رشدهم، لذا كان حقًّا على أبناء مبارك أن يستمروا في سخريتهم بمزيد من الأوصاف، ومن الطبيعي -استغلالًا للحالة- أن يمعن أصحاب الخبرة والسيطرة في غيهم بمزيد من التنكيل، ولله الأمر من قبل ومن بعد.