محمود عبد العزيز.. الفنان الذي حبس المشاهدين!

حاول قطاع الإنتاج في التليفزيون المصري أن يقدم لمشاهديه في موسمه الدرامي الأهم بشهر رمضان الذي ينتظره المشاهد العربي في كل الأقطار وجبة درامية دسمة، فالموسم هو قمة الإنتاج والتسويق التليفزيوني، وجاء رمضان الموافق للعام الميلادي 1988، ليقدم ماسبيرو عملين من أهم الأعمال في تاريخه: رأفت الهجان: الجزء الأول، وليالي الحلمية في أول جزء له.
ورغم أن المنافسة كبيرة بين كاتبين في حجم وقامة: صالح مرسي كاتب الجاسوسية الأول في مصر، وأسامة أنور عكاشة كاتب الدراما الاجتماعية والسياسية الأول أيضا، إلا أنه كانت هناك مباراة في الإخراج بين مخرجين لهما تاريخهما التليفزيوني: يحيى العلمي وإسماعيل عبد الحافظ، وكان العبء ضخما على بطل الهجان في مواجهة أبطال الحلمية المسلسل الذي جمع كل النجوم في مصر تقريبا.
الهجان الذي ما إن تفتح الرواية الأصلية لصالح مرسي إلا وتجد نفسك بلا شعور بالزمن قد وصلت إلى غلافها الأخير هي الاختبار الصعب للنجم الوسيم محمود عبد العزيز، خاصة أن ترشيحه كان الثاني إذ رُشح عادل إمام بعد نجاحه في مسلسل دموع في عيون وقحة لنفس المؤلف.
استطاع عبد العزيز وفريق رأفت الهجان أن يحبس أنفاس المشاهدين خلال 15 حلقة تليفزيونية، كان المشاهد ينتظر رحلة الرجل الذي أعدته المخابرات المصرية ليكون في قلب الكيان الصهيوني، وتابع هذا الصراع في أدق تفاصيله.
ورغم ثقتي الشخصية في كتابة صالح مرسي، وما تعرض له المسلسل من انتقادات إلا أن محمود عبد العزيز استطاع أن يحبس جمهور مشاهديه عبر العمل الفني، وقيل حينها إن الشوارع العربية كانت تخلو من المارة أثناء عرض رأفت الهجان وليالي الحلمية، فحبس عبد العزيز جمهوره أمام شاشات التليفزيون.
من الفتى الوسيم للشيخ حسني
كسر عبد العزيز الذي توفي منذ ست سنوات في 12 نوفمبر 2016 نظرية الفتي الوسيم التي بدأ بها مشوار الممتد من عام 1972 حتى وفاته، قدم خلالها ما يقارب ال 90 فيلما سينمائيا، لا تنسى منها الكيت كات مع داوُد عبد السيد، وشخصية الشيخ حسني الرجل الذي لا يؤمن أنه كفيف ويتعامل كأنه يعرف كل شيء. هذا الفيلم الذي كسر معايير البطولة السينمائية وحصل عبد العزيز بدوره على جائزة أحسن ممثل في عام 1991.
ومن أفلامه: البريء، الكيف، أبو كرتونة، طائر الليل الحزين، شفيقة ومتولي، درب الهوى، إعدام ميت، الجوع، جري الوحوش، سوق المتعة، الساحر، وليلة البيبي دول، كما قدم للتليفزيون 15 عملا تلفزيونيا، وللإذاعة أربعة أعمال إذاعية.
يمتد مشوار عبد العزيز السينمائي من فيلم الحفيد عام 1974 حتى آخر أعماله: إبراهيم الأبيض في عام 2009، استطاع خلال هذه السنوات أن يتقمص أدوارا متعددة يكسر بها الانطباع الأول عنه كفتى وسيم، ورغم أن عبد العزيز جاء مع جيل السينما الجديدة الذي قدمه المخرجون: محمد خان وخيري بشارة وعاطف الطيب والكاتب: بشير الديك، إلا أن عبد العزيز ومعه نور الشريف استطاعا أن يغيرا من ملامحهما ليتوافقا مع سينما جديدة لا تعتمد على الشكل.
آمن عاطف الطيب بقدرات عبد العزيز فقدم معا فيلمين من أهم أفلام الطيب: البريء الذي قدم فيه شخصية قائد السجن الحربي الذي يتم فيه تعذيب السجناء السياسيين، وهذه القسوة التي يتمتع بها “توفيق شركس” في التعامل مع السجناء والتناقض الكبير بين الشخصية في منزله وداخل السجن، حتى أنك تشعر أنك أمام شخصيتين مختلفتين، ما إن يرتدي زيه العسكري حتى يصبح شخصا آخر. وفي فيلم أبناء وقتلة قدمه الطيب في شخصية شيخون تاجر السلاح، وهو دور أكد على قدرات عبد العزيز. وكان ثالث تعامل مع عاطف الطيب هو فيلم الدنيا على جناح يمامة، وقدم فيه عبد العزيز شخصيتين، ورغم أن إحداهما مشهدين إلا أن الجمهور لا ينسى شخصية بلحة في هذا الفيلم.
أفلام على الطريق
قدم محمود عبد العزيز فيلم ثلاثة على الطريق عام 1993، وفيه عاد إلى وسامته إلا أنه قدم في طريقه تجارب متميزة مع مخرجين لهم مدارسهم الإخراجية منها: ثلاثية العار والكيف وجري الوحوش مع الكاتب محمود أبو زيد والمخرج علي عبد الخالق. في الكيف قدم عبد العزيز شخصية تتمتع بخفة الظل والتي كانت إحدى سماته على مدار تاريخه الفني.
استطاع أبو زيد أن يكتب شخصية من المستقبل حين قدم صلاح ابن الطبقة المتوسطة الفاشل في الدراسة ويهوى الغناء رغم صوته الذي لا يتناسب مع الغناء، ويتورط صلاح مع تاجر مخدرات. وكما أن هناك مخدرات تذهب عقل الناس فهناك غناء يقوم بنفس المهمة ما دامت الساحة تسمح، ويتناول الفيلم الغش في تلك الثنائية المدمرة.
في فيلم جري الوحوش يقدم شخصية عبد القوي الجبار المنجد الفقير الذي لا يرضى بنصيبه من الدنيا، فيتطلع إلى المال فيفقد المال والصحة ويختل عقليا. وفي العار قدم ببراعة الطبيب الذي يعالج مرضى الإدمان ويضطر حفاظا على الثروة التي كونها والده عبر تجارة المخدرات أن يشارك في عملية تهريب آخر شحنة مخدرات اتفق عليه والده، ولسوء التخزين تفقد الأسرة المخدرات وتفقد أفرادها ليُصاب الطبيب بالجنون.
تجارب أخرى للفتى الوسيم
يدخل عبد العزيز تجارب متنوعة مع مخرجين عده، وكما قدم في مدرسة داود عبد السيد الكيت كات والساحر، دخل عالم رأفت الميهي بفيلمين فانتازيا هما: سمك لبن تمر هندي في عام 1988، فيه يأخذ الميهي عبد العزيز إلى عالم جديد تماما، حيث أحمد سبانخ الذي يطارده البوليس لعلاقته بحسن سبانخ بطل الميهي في فيلم الأفوكاتو.
تتحول المطاردة إلى مطاردة في الآخرة حيث يدخل أحمد سبانخ حسابه وزوجته معالي زايد، وما بين واقع الحياة وما يحدث في الحساب تدور أحداث الفيلم.
قدم الثلاثي الميهي وعبد العزيز ومعالي زايد بعدها بعام فيلم سيداتي آنساتي، وفيه يقدم محمود شخصية محمود عبد المعين الساعي في المؤسسة الحكومية الحاصل على أربع شهادات دكتوراه ولكن مدير المصلحة لا يوافق على تسوية حالته.
في هذه المؤسسة هناك أربع آنسات عوانس لم يتزوجن ويبحثن عن عريس، ووجدن في صفات محمود الساعي ما يبحث عنه، بعد أن كشفن عن كل بياناته، فيقررن الزواج منه، وهكذا ينقلنا الميهي وأبطاله إلى عالم من الكوميديا الخرافية.
لا تستطيع كتابة محدودة أن تقدم تقديرا أو تقييما حقيقيا لمشوار محمود عبد العزيز الطويل والمتنوع إلا بإشارات عابرة ولكن قبل النهاية لابد أن نشير إلى تجربة عبد العزيز في فيلم سوق المتعة في عام 2000 إخراج سمير سيف.
الفيلم يعالج قضية مسجون خرج من سجنه الطويل ولا يستطيع أن يتخلص منه، فيحول حياته رغم حريته إلى سجن فقد تأقلم السجن معه وتوحدا، حتى أنه يحول منزله إلى سجن ويستدعى مأمور السجن الذي خرج للمعاش وزملاء الزنزانة والعساكر ليجعلوه يعيش حالة السجن حتى تستمر حياته.
إنها أزمة إنسانية كبيرة أن يعيش إنسان عمره في حيز مترات معدودة خاصة إذا كان مظلوما.