من “شيرين” إلى “رئيس نادي الزمالك” إلى “السحر السفلي”.. يا قلبي لا تحزن!

شاع على شاشات فضائيات مصرية منذ سنوات قليلة، خاصة في برامج التوك شو المسائية، استخدام أساليب السب والشتم والتلفظ بالقبيح والبذيء من الإيماءات، والخوض في الأعراض، مع الترويج للسحر والشعوذة واستضافة مُنجّمين والاحتفاء بهم، دون أي وازع أو رادع من قانون أو معايير ومواثيق إعلامية، بما يمثل خطرا على قيم المجتمع وأخلاقيات أفراده.
فقد قرر المجلس المصري الأعلى للإعلام، قبل يومين، فتح تحقيق عاجل بشأن تجاوزات قناة “نادي الزمالك الرياضي” الشهير، بعدما تلقت لجان الشكاوى والرصد، شكاوى عديدة من أطراف مختلفة حول مخالفة القناة للأكواد الإعلامية المقررة للوسط الرياضي. جاء القرار على خلفية قيام رئيس مجلس إدارة النادي مرتضى منصور-كما هي عادته- بالهجوم عبر البث المباشر للقناة، على العديد من نجوم الفن والرياضة ومعارضيه بألفاظ وإيماءات خارجة.
وسائل جاذبة للمشاهد وجدانيا وسلوكيا.. واعتياد تداول الألفاظ الخارجة
أثارت هذه الممارسات غضب قطاع من جمهور الكرة بمن فيهم مشجعون لفريق النادي، رفضا لمثل هذه الألفاظ والإيماءات التي تتنافي مع أبسط قواعد الأخلاق، وطالب بعضهم بإغلاق القناة حلا وحيدا لهذه المشكلة المستعصية، وإن كنا ضد إغلاق أي وسيلة إعلامية، فهو ليس حلا رشيدا. معلوم من الدراسات والأبحاث أن شبابا وأطفالا كُثرا من مشاهدي التلفزيون، يتأثرون في سلوكياتهم إن سلبا أو إيجابا، بما يرونه على الشاشات، كون المحتوى المرئي يخاطب العديد من حواس الإنسان، فهو يعتمد على الصوت والصورة واللون والحركة والإيقاع الجسدي، والمستحدَث من جرافيكس وما شابه، وكلها وسائل جاذبة مؤثرة على المتلقي أو المشاهد وجدانيا وسلوكيا. المتوقع نتاجا لهذه الممارسات دون التصدي لها ونبذها وردعها قانونيا واجتماعيا، هو اعتياد تداول السب والشتم والألفاظ الخارجة على نطاق واسع بين قطاعات عريضة من الناس، خصوصا الشباب والأطفال منهم، الذين يمثلون المكون الرئيسي لمجتمع المستقبل. وأخذا في الاعتبار صدور هذه الممارسات عن أشخاص يُفترض أنهم قادة رياضيا أو إعلاميا أو غيرهما، فإنه لن يمر سوى وقت قصير تكون بعده هذه الممارسات والألفاظ الخارجة مباحة ومندمجة في قاموس مفردات الناس، ويصير تداولها واستخدامها أمرا طبيعيا غير مُستنكَر أو منبوذ.
المغنية شيرين عبد الوهاب.. والترويج للدجل والشعوذة والتنجيم
لا تتوقف كوارث الفضائيات المصرية المعنية عند السب والشتم، بل إنها تروّج للسحر والشعوذة باعتبارهما أعمالا مقبولة وعادية وليست مرفوضة، مثلما تستضيف “مُنجّمين” يتحدثون بكل ثقة عما سيحدث في قادم الأيام دون سند علمي، سوى ادعاء معرفة الغيب، وهذا كله مصحوب بانبهار المذيع وترحيبه، وليس الاستنكار من خلال الحوار، لبيان فساد هذا النوع من المزاعم. وتكون النتيجة لمثل هذه السلوكيات الإعلامية، تسطيح العقول، وتمجيد الجهل والتخلف، وإقصاء التفكير العلمي كأسلوب صحيح للتفكير، يجب تربية أطفالنا عليه في المدارس، والتأكيد على أهمية ممارسته كأسلوب حياة من خلال المؤسسات الثقافية والإعلامية.. ذلك أن العكس، وهو التفكير الخرافي، يؤدي إلى مزيد من التخلف والتراجع للأمم التي تتبنى هذا النوع من التفكير الرديء.
أحدث الأمثلة على الترويج للسحر والدجل، قبل يومين، حين استضافت إحدى الفضائيات المغنية شيرين عبد الوهاب في مداخلة هاتفية، لتعلن أنها عادت إلى عصمة طليقها حسام حبيب، بعد خروجها من المصحة التي دخلتها للتعافي من إدمان المخدرات. شيرين قالت إن المأذون “عقد قرانهما مُجدّدا يوم الجمعة الماضي”، وكان الطلاق قد دام ثلاثة أو أربعة أشهر، لم ينقطع خلالها تبادل الإساءات الثلاثية بينها وبين شقيقها محمد، وحبيب. وفي تبريرها للعودة، قالت “كان معمول لنا أنا وحسام عمل كبير أوي وربنا فكّه”.
عرّاف سوداني والسحر سفلي وربط الحبيب
ليس مهمّا أن تقول شيرين مثل هذا “الكلام الفارغ”، المشكلة في نقله تلفزيونيا، دون تحفّظ أو رفض من المذيع لهذا العبث، وإن كان يُحسَب له من باب الإنصاف، أنه لم يسألها عن الشيخ البارع الذي اكتشف هذا العمل، وقام بفكّه، والكيفية التي تم بها هذا؟ الكارثة أن هذا الكلام عن العمل والسحر لشيرين، أصبح يُتداول على صفحات التواصل الاجتماعي، و”المواقع الصحفية” التي بدورها أدلت بدلوها، إذ أجرى موقع صحفي حوارا مع “عرّاف سوداني” استغرق في شرح وتفسير الأمر، بأنه معمول لشيرين سحر سفلي اسمه “ربط الحبيب”، يستحيل التخلص منه، مسترسلا في أدوات هذا النوع من السحر، وكيفية عمله، وتفاصيل أخرى ربما يُراد بها الترويج للعراف نفسه، وحصد للمشاهدات و”ركوب التريند”. ما دمنا على سيرة شيرين، فقد سبق لها القول، إنها لا يمكن أن تعود إليه ثانية، حتى لو تزوجت فيلا بزلومة طويلة، أو قردا من حديقة الحيوانات، بعد كل ما فعله معها من حلاقة شعرها وغيره.
حرمات الحياة الشخصية للأفراد والخوض في الأعراض
هذا كله لا يعنينا، فهي أمور شخصية وليس ميدانها الشاشات التلفزيونية، لكن ماذا نفعل وإعلامنا المرئي يهتم بسفاسف الأمور ويحتفي بالتافه منها، هبوطا إلى القاع باهتمامات الجمهور وأذواقه وقيمه وأخلاقه؟! ما يعنينا هو التصدي من المجلس الأعلى للإعلام والنقابات المعنية لتداول وسائل الإعلام -وخاصة التلفزيون- لممارسات العبث والدجل والشعوذة، وللسباب والخوض في الأعراض، وإلزامها بالوقوف عند حرمات الحياة الشخصية للأفراد وعدم تجاوزها، فهي مصونة بحكم الدستور.
هذه الممارسات التي نتحدث عنها أبعد ما تكون عن رسالة الإعلام ووظائفه وأدواره التي هي نقل الأخبار الصحيحة، والبث المباشر للأحداث، والتثقيف والتنوير، والرقابة على المؤسسات نيابة عن الشعب، أو هذا ما ينبغي أن يكون. ولا يسعنا إلا القول “من شيرين عبد الوهاب إلى رئيس نادي الزمالك.. يا قلبي لا تحزن”!
نسأل الله السلامة لمصر المحروسة.