قمة المناخ والاحتباس السياسي!

من الطبيعي أن تناقش قمة المناخ التي ستستضيفها مدينة شرم الشيخ المصرية من 6-18 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري -كغيرها من قمم المناخ السابقة- ظاهرة الاحتباس الحراري، لكن الجديد أن هذه القمم بدأت مؤخرا مناقشة ظاهرة الاحتباس السياسي العالمي أيضا، وتأثيرات الحروب والسياسات العامة على البيئة، وربطت بين حقوق الإنسان والمناخ.
وإذا كانت ظاهرة الاحتباس الحراري باتت مؤرقة العالم، حيث تسبب ارتفاع درجات الحرارة عالميا مع زيادة نسبة ثاني أكسيد الكربون في تغيرات مناخية كبيرة مثل ارتفاع منسوب سطح البحر، وتغيّر كميات هطول الأمطار ونمطها، وتوسّع مساحات الصحاري المدارية، والانحسارت الجليدية، وانكماش الغابات، وانقراض بعض أنواع الحيوانات والطيور، والتغيرات في المحاصيل الزراعية، فإن ظاهرة الاحتباس السياسي (الاستبداد السياسي) أكثر ضررا على السلم والأمن الدوليين، وحتى على البيئة والمناخ أيضا.
الأزمات السياسية على الطاولة
من المؤكد أن الأزمات العالمية الكبرى -وعلى رأسها الحرب الأوكرانية والخلاف الأمريكي الصيني وانتهاكات حقوق الإنسان- ستكون حاضرة بقوة على طاولات قمة المناخ في شرم الشيخ، مع حضور قادة الدول وناشطي المجتمع المدني أيضا، ولن تكون البلد المضيفة للقمة بمنأى عن هذا الحضور، وهذه الاهتمامات بالاحتباس السياسي، فهي من أكثر الدول في العالم معاناة من هذا الاحتباس، الذي يهدد باندلاع انفجارات شعبية قد تصل إلى حالة الفوضى العامة التي لا تقتصر تداعياتها على الداخل المصري بل تتجاوزه إلى الإقليم والعالم.
ليس خافيا على المشاركين في القمة من القادة السياسيين مستوى الاحتباس السياسي في مصر، الذي استجلب دعوات سياسية إلى التظاهر في القاهرة والمحافظات يوم 11 نوفمبر، بالتزامن مع القمة نفسها، بهدف إيصال رسالة جديدة عن حجم هذا الاحتباس، الذي يهدد بالانفجار.
الاحتباس السياسي
لعل المظهر الأبرز للاحتباس السياسي في مصر هو تصاعد الديكتاتورية المانعة لأي تداول سلمي للسلطة، والمانعة لمرور نسيم الحرية والديمقراطية، مما تسبب في “تجميد” الحياة السياسية، وسيادة إعلام الصوت الواحد، وقمع أي تحرك للتعبير السلمي، وامتلاء السجون بآلاف الناشطين السياسيين، واستمرار تدفق آلاف غيرهم للهجرة بحثا عن ملاذات آمنة، وقد تبارى العديد من المنظمات الحقوقية المصرية والعالمية في رصد مظاهر الاحتباس الحقوقي الذي هو جزء أساسي من الاحتباس السياسي.
أحد مظاهر الاحتباس السياسي المرتبطة بالقمة ذاتها هو حرمان المجتمع المدني المصري -سواء أحزاب او منظمات أو جمعيات مهتمة بالمناخ أو بحقوق الإنسان بصفة عامة- من المشاركة في القمة خشية عرضها لهذه الانتهاكات أمام باقي المشاركين، الأمر الذي دفع إحدى الناشطات المصريات (سناء سيف شقيقة الناشط علاء عبد الفتاح المعتقل والمُضرب عن الطعام منذ أكثر من 7 أشهر) للمشاركة في القمة ضمن وفد بريطاني، قادمة من لندن، حيث تنظم اعتصاما مفتوحا أمام مبنى وزارة الخارجية للمطالبة بإطلاق سراح شقيقها الذي يحمل أيضا الجنسية البريطانية، وليس مستبعدا أن تمنعها السلطات المصرية من المشاركة كما فعلت مع الناشط البيئي الهندي أجيت راجاجوبال، ومحاميه مكاريوس لحظي قبل ان تطلق سراحهما لاحقا.
لقد اضطرت السلطات المصرية إلى الموافقة على تخصيص منطقة تظاهر مغلقة في مدينة شرم الشيخ لناشطي المجتمع المدني الدولي الذين تمكنوا من الحصول على تأشيرات دخول، ولكنها في الوقت نفسه تواصل حشد إمكانياتها الأمنية والإعلامية لمنع مظاهرات داخل القاهرة والمحافظات دعا إليها ناشطون سياسيون مصريون، يأملون أن يوفر عقد القمة على الأرض المصرية نافذة جديدة لفهم حالة الاحتباس السياسي في مصر، وربما صدور مواقف علنية من بعض القادة المشاركين في القمة ضد هذا الاحتباس، وربما أيضا صدور بعض التوصيات عن القمة ذاتها مثل المطالبة بالإفراج عن سجناء الرأي، وفتح المجال العام، وإيقاف أحكام الإعدامات السياسية، وإطلاق حرية المجتمع المدني، بدلا من تحوّل القمة لتبييض وجه النظام المصري، ومنحه المزيد من المساعدات التي يستخدمها لتحقيق المزيد من الاحتباس.