كيف فعلتها قطر.. سؤال الـ 12 عامًا!

أخيراً تحقق الحلم القطري وانطلق كأس العالم 2022 من الدوحة إلى العالم.
إلى ما قبل الافتتاح بأيام قلائل كان لا يزال هناك من يظن أن المونديال لن يكون في قطر بعد كل هذا الجهد العظيم الذي بذله هذا البلد الصلب لأجل إبهار العالم بالمونديال.
ماذا يقول الآن كل (واهم) بعد أيام من متابعة المليارات حول العالم للبطولة واستمتاعهم بالمباريات على ملاعب الدوحة وكان يزعم أن الكأس العالمية لن تضيء سماء قطر ولن تملاً أرضها لعباً وفرحاً وتمازجاً بشرياً من كل الأجناس والألوان والألسن والعقائد والتوجهات؟
منذ 2 ديسمبر 2010 لحظة الإعلان التاريخي بفوز قطر بشرف تنظيم مونديال 2022، وحتى 20 نوفمبر 2022 لحظة الافتتاح التاريخي للبطولة الذهبية العالمية، وكان في تقديري موضوعان مرتبطان بالحدث الضخم الأول يتعلق بسؤال يطرحه الخيريون من الناس: كيف فعلتها قطر ونجحت في اقتناص التنظيم من فم الأسود الكبار في هذا العالم الشرس؟
والموضوع الثاني هو الغيرة القاتلة والحسد المدمر الذي سيطر على عقول وقلوب دول كبيرة وأخرى صغيرة، دول متطورة لها نصيب في صنع الحضارة الحديثة، ودول تسعى للتطور الشكلي ونصيبها وافر في حياكة دسائس خفية ضد من لا يصادف هواه هواها ولا طريقته طريقتها ولا سياسته سياستها.
الإرادة الحديدية
سؤال كيف فعلتها قطر، ليس الغرض منه البحث والتنقيب فيه اليوم، رغم أن هذا الأمر يستحق عناء الكتابة والتسطير لتعظيم قيمة الإرادة الحديدية والعزيمة التي لا تلين في تحقيق الهدف، إنما السؤال هنا بغرض مواصلة الإعجاب بأداء دولة وشعب طوال 12 عاماً في الاستعداد للبطولة دون النظر للخلف أو الإصغاء إلى من يتقولون ويدعون ويخدعون ويضللون لأن في الاستسلام إلى الأقاويل والأراجيف واستهلاك الوقت في الالتفات إلى ما وراء الظهر كان تعطيلاً، ولم يكن ليقود إلى اللحظة التي عانقت فيها الكأس أرض قطر إيذاناً بإعلان صيحات الفرح والتهليل والتصفيق بالافتتاح الرائع وانطلاق صافرة البداية للمباريات وبدء تسجيل نقاط الفوز والخسارة وتوالي التنافس الممتع المبهج بلعبة كرة القدم أكثر الألعاب الرياضية تجميعاً لشعوب العالم وأنسهم ومؤانستهم، وهم الآن في قطر وأمام الشاشات يرون البلد وملاعبه ومدنه وشوارعه وبهجته بالعالم وبهجة العالم به.
الصمود بوجه العواصف
ربما يكون: كيف فعلتها قطر؟، هو سؤالي الخاص، هو اهتمامي وسر إعجابي بهذا البلد وبقدرته الهائلة على الصمود في وجه عواصف عاتية، طوال 12 عاماً كاملة، فقد واجهت الدوحة حملات منظمة ومخططة ضد استضافتها للمونديال مما قد لا تتحمله دول كثيرة أكبر منها مساحة وسكاناً وقدرات وإمكانيات، والمدهش أن تلك الحملات ما إن تهدأ قليلاً حتى تشتعل طويلاً وكثيراً، والمدهش أكثر أنه ما إن اقترب الوعد وحان الموعد حتى تم اختراع قضايا فرعية هامشية غير ذات قيمة مثل: حقوق المثليين في حضور المباريات والبكاء والنواح على هذه الشرذمة من البشر وكأن قطر تنصب المشانق على باب مطارها لهم، وكأن هذه الفئة هى كل المشاهدين، كأنها جمهور الكرة الوحيد، كأنها العالم، كأن الكأس ستفتقد النكهة والطعم والسرور ما لم يكن المثليون في الدرجة الأولى من مدرجات الملاعب.
التنمر الغربي على قطر
لم نجد من قبل في أي مناسبة احتفالية عالمية مثل هذا التنمر الغربي تحت ستارة الشواذ من الناس، الأصل هم الناس الطبيعيون فهم البشرية كلها وهم الناس في كل مكان ومن هم عكس الفطرة التي خلق الله الناس عليها لا يجب أن يقام لهم كل هذا الوزن والاهتمام وكأننا نعيش زمن الشذوذ أو هكذا يريدون فرضه علينا فرضاً، وهم يقرنون المثلية بحقوق العمال في قطر..
ولم يكن هناك أفضل من الدرس البليغ الذي وجهه رجل غربي إلى بني جلدته من الغرب وهو رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم السويسري جيانو انفانتينو الذي وصف الغرب بأنه منافق وعاد إلى تاريخ أوروبا الأسود في انتهاك حقوق العمال والعصف بهم والتعسف معهم وفصول التاريخ في هذا المجال يندى لها الجبين..
هذا الإنسان المتحضر اليوم الذي يمسك الميزان لبقية البشر ويحاسبهم على تصرفاتهم وسلوكياتهم ونواياهم وكأنه وصي عليهم لم يسحق العمال في بلدانه فقط إنما ارتكب أبشع جرائم السحق والقهر والاستعباد والقتل والإبادة الجماعية في البلدان التي استعمرها في أفريقيا وآسيا، كما أباد السكان الأصليين في البلدان التي استوطنها في أمريكا واستراليا وكندا ونيوزيلندا وغيرها.
انتزاع المونديال من فم الأسد
كيف فعلتها قطر، وفازت بالتنظيم، هذا سؤال الإرادة والعزيمة والإصرار وتحدي الصعاب والمستحيلات، وهو امتحان أخفقت فيه دول كبيرة كانت ترغب في نيل هذا الشرف، وليس فقط المونديال الذي انتزعته قطر من بين أنياب الأسود (الأمريكي والياباني والكوري الجنوبي والأسترالي) بجدارة وقوة ملفها التنظيمي، إنما في مختلف تحديات التنمية والبناء حيث انتقلت البلد من حالة متواضعة داخلياً وخليجياً وشرق أوسطياً إلى بلد متطور يقفز للأمام في مختلف محاور التنمية وإلى بلد صار يمثل رقماً في الساحة العالمية ومقصداً مهماً للراغبين في الوساطات وحلول الأزمات واليوم هو حديث العالم وشاغل الناس بالمونديال والمنشآت الجديدة والبنية التحتية والتقدم والسلوك المتحضر لشعبه والتسامح والانفتاح من غير انفلات، والأصالة والمعاصرة المنضبطة والقيم الإيجابية والتفاهم والدبلوماسية الوقائية.
لم يفز من قبل بتنظيم المونديال واحد من الـ 17 بلداً وأثير الجدل بشأن استضافته كما حدث مع قطر، والمشكلة عند الذين يصطنعون هذا الجدل وليس عند قطر، هم يستكثرون على قطر الاستضافة وهي التي قدمت درساً بليغاً بأن الأعمال الضخمة والإنجازات العظمى يمكن أن يخطط لها وينفذها بجدارة أصحاب الهمم الكبرى دون النظر لمساحة الجغرافيا وتعداد السكان.
قطر قالت للعالم، لا شيء مستحيل طالما الإرادة موجودة.