“من ذكر وأنثى”.. رسائل مونديال قطر
لا تحتاج قطر إلى الانتظار حتى نهاية المونديال لتأكيد انتصارها في المعركة العلنية والمستترة التي قادها ضدها العديد من الأطراف الدولية والإقليمية، لحرمانها من تنظيم هذا المونديال، لقد حدث الانتصار بالفعل بمجرد الانطلاق، وحفله الافتتاحي الضخم الذي شارك فيه عدد من الرؤساء والقادة، أما الباقي فهو تفاصيل.
أخذت الحرب على قطر أشكالا عديدة، مستكثرة عليها تنظيم هذا المونديال الذي ارتبط بالكبار من ذوي البشرة البيضاء، فجرى اتهام قطر بالتخلف والبداوة وإزهاق أرواح مئات العمال، وهو ما تكفل بالرد القوي عليه رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) جياني إنفانتينو الذي وجّه سهامه أيضا إلى بني جلدته من الأوربيين الناقدين، مطالبا إياهم بالاعتذار عن قرون من المظالم التي ارتكبوها بحق غيرهم، مؤكدا أن نسخة قطر ستكون الأفضل في التاريخ.
رفض شارة المثليين
إحدى المعارك الكبرى التي فُرضت على قطر وخرجت منها منتصرة، ولم يكن انتصارها ذاتيا لها بل للعالم الإسلامي كله، هي معركة حمل شارة المثليين أثناء المباريات كنوع من التضامن معهم، وهو ما أصبح ظاهرة في البطولات الأوربية مؤخرا. لقد أعلنت قطر أنها ترحب بالجميع على أرضها، ولكنها رفضت المظاهر المنافية للأخلاق من المثليين أو غيرهم، كما رفضت رفع شارة المثليين في الملاعب، وقد انحاز الاتحاد الدولي إلى الموقف القطري مستندا إلى قانونه (قانون الفيفا) لمنع وتجريم ارتداء تلك الشارة، وتعريض من يخالف ذلك لعقوبات صارمة، وهو ما أجبر المنتخبات الأوربية -التي كانت تعتزم فعل ذلك- على إعلان احترامها للقرار حتى تجنب لاعبيها تلك العقوبات.
خاضت قطر على مدار الأشهر الأخيرة معارك كلامية مع العديد من الأطراف الدولية، هيئات، منظمات، مجتمع المثليين عموما المتغلغل في الكثير من مراكز صنع القرار الدولي، وختمت تلك السجالات بتثبيت موقفها المبدئي في حفل انطلاق المونديال عبر تلاوة الآية القرآنية {يا أيُّها الناسُ إنّا خلقناكم مِن ذكرٍ وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائلَ لِتعارَفوا، إنَّ أكرمَكم عندَ اللهِ أتقاكم، إنَّ اللهَ عليمٌ خبيرٌ}. لقد حملت تلك الآية رسالتين واضحتين، أولاهما أن الله خلق البشر من ذكر وأنثى، وهي رد كافٍ على كل من يحاول إقحام جنس ثالث أو أجناس أخرى في البشرية، وثانيتهما هي رسالة سلام إنساني عالمي، حيث خلق الله البشر شعوبا وقبائل ليتعارفوا لا ليتنافروا أو يتقاتلوا، فكان اختيار تلك الآية لافتتاح المونديال ذكيّا لمحفل دولي، الأصل فيه أنه ينشر السلام بين الشعوب، وأنه يفتح بابا واسعا للتعارف والتفاهم في ما بينها.
الإكراه المثلي
غريب جدّا أن التيار الانحلالي في الغرب يسعى بكل قوة لفرض قيمه المشوَّهة علينا وعلى غيرنا من الشعوب، لقد نجح ذلك التيار في جعل قضية المثليين إحدى القضايا المركزية على أجندات المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة، وأصبح الالتزام بها معيارا لتمويل منظمات حقوق الإنسان، ومعيارا للترقي في الجامعات، والفوز بالجوائز والسباقات الدولية، ولم نشهد حتى الآن موقفا جماعيا موحدا تجاه هذا الانحراف الغربي، فلم تعقد منظمة التعاون الإسلامي قمة خاصة لرفض هذا العدوان على قيمنا الدينية، ولم تتحرك المنظمات المسيحية أيضا، لكننا نلحظ في الوقت نفسه تنامي التيار الرافض لهذا الإكراه المثلي، الذي بلغ حد العنف (وهو مرفوض) كما حدث في الاعتداء على ملهى ليلي للمثليين في أورلاندو الأمريكية، وأدى إلى مقتل 49 شخصا وإصابة 50 آخرين في العام 2016، أو الاعتداء الذي وقع قبل أيام على ملهى للمثليين في مدينة كولورادو سبرينغز الأمريكية، وأودى بحياة 5 أشخاص وجرح 18 آخرين.
وعلى مستوى المؤسسات الدينية، فقد اعتبر شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب تقنين الشذوذ وزواج المثليين بمثابة غزو ثقافي غربي مرفوض، وتتخذ الكنيسة المصرية موقفا رافضا أيضا، كما أن كنيسة روما ورغم موقفها الملتبس من قبل فإنها حسمت رفضها لمباركة زواج المثليين. الأهم الآن هو بروز مواقف لبعض الدول المؤثرة، ومنها روسيا وتركيا وأحدثها قطر التي قدّمت إسهامها المميز في هذه المعركة، بينما تستعد تركيا لإصدار تشريع جديد يقصر تعريف الأسرة على الأسرة الطبيعية من ذكر وأنثى، كما تستعد روسيا لإصدار قانون جديد يجرّم العلاقات المثلية، وقد حصل المشروع على أغلبية كاسحة في مجلس الدوما، وذكرت المنظمة الدولية للمثليين ومقرها سويسرا أن هناك 69 دولة في العالم لديها تشريعات أو إجراءات مشددة ضدهم.
حرب على الأسرة
خاض الغرب ضد دولنا وشعوبنا حروبا استعمارية، وظل مستعمرا لأوطاننا عقودا طويلة قبل أن تجبره الشعوب المحتلة على الرحيل، ثم خاض ضدنا حروبا اقتصادية ولا يزال، ويخوض حروبا ثقافية لفرض أنماط من الفكر والثقافة علينا بدعاوى الحداثة والتطوير، لكن شعوبنا ظلت صامدة في مواجهة تلك الحروب جميعها، والآن يفرض علينا حربا جديدة لتدمير النواة الصلبة للمجتمعات وهي الأسرة الطبيعية (ذكر وأنثى)، ومع تنامي الرفض الشعبي الدولي لهذا “الإكراه المثلي”، فإن الأمر يتطلب تنظيما وتنسيقا بين أصحاب القيم الدينية والمحافظة لمواجهة هذه الهجمة التي تستهدف تدمير المجتمعات، وفرض أنماط غريبة عليها، تمهيدا لحرمانها من مناعتها الطبيعية مما يسهل انقيادها إلى السادة المثليين الجدد.