بالاستثمارات الأجنبية بمصر: الإمارات في الصدارة والقطرية تتفوق على السعودية

كشفت بيانات البنك المركزي المصري الصادرة الثلاثاء الماضي والخاصة بالاستثمار الاجنبي المباشر الداخل لمصر، خلال العام المالي الاخير 2021/2022 والمنتهي آخر يونيو/حزيران الماضي، عن تصدر دولة الإمارات العربية بقيمة 5 مليارات و656 مليون دولار بنسبة 25.5% من الإجمالي، تليها هولندا بنسبة 10%، وكل من إيطاليا وإنجلترا بنسبة 9%، والولايات المتحدة الامريكية 7% لتستحوذ الدول الخمسة على 60% من مجمل الاستثمار الاجنبي الوارد.
وجاءت الكويت بالمركز السادس بقيمة 669 مليون دولار تليها سويسرا وألمانيا والصين وفرنسا، ليبلغ نصيب الدول العشر الأوائل 74 %، واحتلت بلجيكا المركز الحادي عشر تليها قطر بقيمة 518 مليون دولار والسعودية بقيمة 492 مليون دولار، والبحرين بقيمة 458 مليون دولار.
وبالمركز الخامس عشر سنغافورة تليها كوريا الجنوبية ولكسمبورغ، وتركيا بقيمة 180 مليون دولار، وكندا وأيرلندا، ليبلغ نصيب الدول العشرين الأوائل 90% من الإجمالي، لتتبقى نسبة 10% لباقي دول العالم، وبما يشير للتركز الشديد لتلك الاستثمارات.
وكانت الدعوة المصرية لدول الخليج لتحويل ودائعها بمصر إلى استثمارات والتي تم الإعلان عنها أوائل العام الحالي، وسبقها مشاورات بين الرئاسة المصرية وقيادات الدول الخليجية لنفس الغرض، السبب الرئيسي في استحواذ العرب علي نسبة 37% من مجمل الاستثمارات الواصلة لمصر، تليها دول الاتحاد الأوربي السبع والعشرين بنسبة 30%، وإنجلترا 9% والولايات المتحدة 7% وباقي مناطق العالم أقل من 17%.
رقم تاريخي للاستثمار الداخل والخارج أيضا
وكان المعتاد بالسنوات المالية السابقة تصدر نصيب دول الاتحاد الأوربي، كما كانت إنجلترا تحتل المركز الأول غالبا بسبب استثماراتها البترولية بمصر، وهو نفس السبب الذي دفع بإيطاليا وهولندا لاحتلال أماكن متقدمة، حيث تمثل الاستثمارات البترولية والغازية أكثر من ثلثي الاستثمارات الاجنبية المباشرة الواردة لمصر بالسنوات الأخيرة.
وتسببت مشتريات الدول الخليجية لحصص بشركات مصرية في زيادة النصيب العربي، وهو نصيب يتوقع استمرار زيادته خلال العام المالي الحالي، والذي ستظهر خلاله مشتريات السعودية لحصص من شركات مصرية بشهر أغسطس/آب أو ما بعدها، واستمرار الصفقات الكويتية الاقل ضجيجا من الإماراتية، وتوقع بدء تنفيذ الصفقات القطرية التي يجري التفاوض حولها منذ شهور، فيما بعد انتهاء بطولة كأس العالم لكرة القدم المقامة حاليا بالدوحة.
أما سلطنة عمان فكانت الدولة الخليجية الوحيدة التي كانت استثماراتها بمصر سلبية خلال العام المالي الأخير، وربما تتغير الصورة خلال العام المالي الحالي خاصة مع استمرار الأسعار المرتفعة لكل من النفط والغاز.
وهكذا ساهم السعي المصري لاستبدال القروض بحصص من الشركات، في تحقيق الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل رقما غير مسبوق تاريخيا بلغ 22.2 مليار دولار، مقابل 13.9 مليار دولار بالعام المالي السابق بنمو 60 %، وكان أعلي رقم سابق بتاريخ الاستثمار الاجنبي المباشر الداخل قد بلغ 17.8 مليار دولار، بالعام المالي 2007/2008 مع موجة الاستحواذات الأجنبية علي الشركات المصرية حينذاك أيضا.
وهو ما تكرر بالعام المالي الأخير، ويؤكد ذلك أن هذا القدر الكبير من الاستثمار الداخل لم يكن متجها لضخ استثمارات جديدة تزيد من المعروض من السلع والخدمات، مما يقلل من زيادة الأسعار، بدليل استمرار صعود الأسعار بالأسواق، رغم ذلك الرقم غير المسبوق.
استثمار لا يضيف منتجات أو فرص عمل
وإذا كان الخبراء أطلقوا على موجة الاستثمارات الأجنبية المرتفعة، خلال فترة تولي الدكتور محمود محي الدين لوزارة الاستثمار، بأنها كانت استثمارات لا تضيف إنتاج ولا فرص تشغيل، أي مجرد تغيير للافتة الشركات من ملكية مصرية إلى ملكية أجنبية، فيمكن تكرار نفس الوصف حاليا، حيث تشتري الصناديق السيادية الخليجية حصصا من شركات مصرية، مع استمرار نفس معدلات الانتاج ونفس معدلات العمالة بها.
ولا نتوقع أن يتم ضخ قيمة الحصص الخليجية في توسيع نشاط تلك الشركات حاليا، لحاجة الحكومة لتلك الدولارات لتخفيف العجز الضخم بالعملات الأجنبية، والذي يتوقع استمراره لنصف عام على الأقل بعد توقيع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الشهر القادم، نظرا لصغر قيمة قرض صندوق وما يرافقه من قروض من دول وصناديق وبنوك إقليمية، والبالغ مجموعه من الصندوق ومن غيره معا 9 مليارات دولار، بالمقارنة لحجم الفجوة الدولارية التي تتخطى الأربعين مليار دولار.
وأكد البنك المركزي نفسه هذا الأمر حين ذكر أن قيمة تأسيس شركات جديدة، من مجمل تلك الاستثمارات البالغة 22.2 مليار دولار، بلغ 1.5 مليار دولار أي بنسبة أقل من 7% من الإجمالي، وباقي القيمة ما بين بيع أصول وأرباح مُرحلة، وزيادة رؤوس أموال شركات وشراء عقارات من قبل غير المقيمين..
وهو ما نتوقع استمراره خلال الفترة الحالية نظرا لاستمرار نفس ملامح المناخ الطارد للاستثمار، وأبرزها سيطرة الشركات التابعة للجيش على نسبة أكبر من القطاعات الاقتصادية، ورغم وعد رئيس الوزراء المصري في منتصف مايو/أيار الماضي بظهور وثيقة ملكية الدولة قبل نهاية الشهر..
فقد تأخر ظهورها والذي قيل إنه تأجل لتصدر مع انعقاد المؤتمر الاقتصادي الذي عقد الشهر الماضي، وحتى الآن لم تصدر الوثيقة ولم يتحدد موعد معين لصدورها، رغم أن الانطباع السائد لدى كثيرين من رجال الأعمال بأنه إذا كانت الدولة لم تحترم نصوص الدستور والقوانين فهل ستلتزم بتلك الوثيقة عند صدورها؟
وبالطبع فإن المستثمرين الأجانب سينتظرون حتى يروا تحسنا في أحوال المستثمرين المصرين قبل أن يقدموا على الدخول، ناهيك عن الظروف العالمية الحالية التي تقلل من خروج الاستثمار الاجنبي المباشر.
توقف مبادرة إقراض الصناعة بفائدة أقل
إلى جانب استمرار توسع شركات الجيش في النشاط، وقيام البنك المركزي بإيقاف مبادرة تمويل الصناعة التي كانت تقرض قطاع الصناعة بفائدة 8% فقط، رغم شكوى الصناع حينذاك أن تلك الفائدة المخفضة كانت أعلى كثيرا، من معدل الفائدة التي يحصل عليها المنافسون بالدول الأخرى..
مما يجعل تكلفة الصادرات المصرية مرتفعة من خلال تلك الفائدة المرتفعة، والتي أضيف إليها حاليا انخفاض سعر صرف الجنيه أمام الدولار، مما زاد من تكلفة الواردات والتي تمثل نسبة 60% من مكونات الصناعة المصرية، إلى جانب ارتفاع معدلات التضخم والركود وضعف القوي الشرائية، وتخبط السياسات الحكومية التي عادت إلى التسعير الجبري خلال العام الحالي.
وبنفس عام الطفرة لرقم الاستثمار المباشر الداخل، فقد حدثت طفرة أيضا في الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج من مصر، ليحقق أيضا رقما تاريخيا غير مسبوق بلغ 13.3 مليار دولار مليار دولار، مقابل 8.7 مليار دولار بالعام المالي السابق بنسبة نمو 53%.
وواكب ذلك خفض مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري إلى سالبة بشهر مايو/أيار الماضي، وهو ما نتوقع استمرار أثره خلال العام المالي الحالي، مع قيام وكالة فيتش للتصنيف الائتماني بخفض النظرة المستقبلية للاقتصاد المصري إلى سلبية بالشهر الحالي.
ومن المهم أن نذكر أن 7.3 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي المباشر الخارج من مصر، كان يخص حصة الشريك الأجنبي من إنتاج النفط والغاز الطبيعي، والذي يدور حول نسبة 50% من الإنتاج، ومن هنا فإن أية زيادة في إنتاج وصادرات النفط والغاز الطبيعي خلال العام المالي الحالي، سيرافقها زيادة في تحويل الشركات الأجنبية النفطية والغازية العاملة بمصر لنصيبها من الإنتاج إلى الخارج.