حقيقة حزب العمال الكردستاني!
لا شك أن العمل الإرهابي الغاشم الذي وقع في شارع الاستقلال يوم الأحد الثالث عشر من شهر نوفمبر/ تشرين الثاني، قد كشف للجميع كيف أن حزب العمال الكردستاني ليست لديه أي نية أو مبادرة داخلية لإعادة النظر في أهدافه وأفعاله في الواقع.
ولنكن واضحين وصريحين مع أنفسنا. كيف يمكن منظمةً قدَّمت نفسها للمجتمع سنوات على أنها حركة قائمة لنصرة القضية الكردية، أن تفكر في إفادة الأكراد وقضيتهم من خلال مثل تلك التصرفات الغاشمة نحو أهداف مدنية وقصد قتل أشخاص لا ذنب لهم؟
نحن لا نتكلم هنا عن الأكراد بصفة عامة، بل المسألة تخصّ حزب العمال الكردستاني الذي فقد بوصلته تمامًا وأفلت لجامه، ولذلك لن يكون قادرًا على الوصول إلى أي شيء ذي قيمة، سوى وضع نفسه في كثير من المشاكل والمواقف الصعبة بمثل تلك الأفعال التي تنم عن ضياع الهدف وضبابية الطريق. حقًّا إنهم يقومون بأعمال دون حساب للنتائج أو وعي بالمسئولية، إنهم أفراد أعمتهم الرغبة في الانتقام وأفقدتهم القدرة على التفكير بعقلانية. ولا يخفى على أحد أن التنظيم الإرهابي كان يسعى للانتقام من الضربات الشديدة التي تلقاها نتيجة ما قامت به الدولة من إصلاحات في نضالها الناجح والمؤثر في مواجهة الإرهاب على كافة الأصعدة في السنوات الأخيرة. ولكن هل يصل به الغباء إلى أن يرتكب مثل تلك الحماقات والأعمال التخريبية التي جعلت السحر ينقلب على الساحر؟! ألن تتساقط عليهم لعنة دماء أولئك الأطفال الصغار الأبرياء الذين فقدوا حياتهم في هذا الانفجار الغادر؟ ألا يرفض الأكراد بصفة خاصة هذا العمل المنكر ويلعنونه باسم كل الآباء الذين احترقت قلوبهم حين فقدوا أطفالهم في الانفجار؟
إلى ماذا يرمي حزب العمال الكردستاني؟
في أحد البرامج التي شاركت فيها على شاشة قناة تلفزيون أجنبية، طُرِح سؤال مفاده أن حزب العمال الكردستاني ليس لديه أي مبرر للإقدام على مثل هذه الأعمال رغم أنه تم التأكد من تنفيذه لها. فكان جوابي للسائل بسؤال آخر هو “هل ما زلت تعتقد أن حزب العمال الكردستاني منظمة تهتم بقضية الأكراد؟!” هذا من جانب. كما أن حزب العمال الكردستاني نفسه لا يملك إرادة ذاتية ورفاهية من الإمكانات لتنفيذ هذه الأعمال انطلاقا من اقتناعات ذاتية.
دعنا نر معا هذا المشهد في سوريا. لقد قدمت الولايات المتحدة الأمريكية هناك أمام العالم بأسره 10000 حاوية أسلحة بكل مستلزماتها من الدعم الاستخباري واللوجستي، ولا ينتظر أحدٌ منها أن تقدِّم كل هذا الدعم مساعدات إنسانية، وأنها ستترك حزب العمال الكردستاني منظمة يمكنها اتخاذ القرارات والإقدام على تنفيذ ما تريد وحدها. فلا شك أن من يدفع هو الذي يقرر، فالطرف الذي يوفر السلاح والنفقة هو الذي يملك زمام تحديد خريطة الطريق بكل تفاصيلها. وخلاف ذلك لا يمكن تصوره ولا يقبله العقل والمنطق السليم. ويمكننا القول بأنه ليس من الطبيعي تحميل الولايات المتحدة أو القوى الأخرى التي تدعم حزب العمال الكردستاني علنًا مسؤولية كل عمل يقوم به حزب العمال الكردستاني، إلا أنه من السخف أيضا في هذه المرحلة الحرجة، أن نسأل عما يحاول حزب العمال الكردستاني الوصول إليه بمثل تلك الأفعال. السؤال الصحيح في هذا السياق هو ما الذي يحاول أولياء أمر حزب العمال الكردستاني والمسيطرون على قيده، أن يقولوه بتنفيذهم هذا العمل المخالف لكل القيم الإنسانية، وأيَّ رسالة يريدون إيصالها؟!
القضية الكردية والحزب
في الآونة الأخيرة كشف الواقع حقيقة القضية الكردية التي لا تمثل أي أهمية لدى حزب العمال الكردستاني، وقد ثبت ذلك أيضا على الجانبين الداخلي والخارجي مع استمرار التمرد الذي تزعمه الحزب، رغم أن الدولة التي يقودها أردوغان في تركيا قد أنهت سياسة الإنكار للوجود الكردي، وقدمت إصلاحات كثيرة في هذا الصدد، بعد أن قال زعيمهم عبد الله أوجلان نفسه “إذا انتهى الإنكار، انتهى التمرد”، حيث استخدم أوجلان فكرة إنكار الدولة التركية للهوية الكردية، ذريعةً لإرهاب حزب العمال الكردستاني لسنوات. ومن العدالة في هذا المقام، الاعتراف بأن هذا الإنكار كان موجودا بالفعل في عقول البعض وسلوكياتهم، رغم أنه لا ينسجم من قريب أو بعيد مع التقاليد التاريخية والمعنوية والثقافية التي تأسست عليها تركيا.
وقد كان ذلك انحرافا عن جادة الطريق واعتمادا على ضيق أفق وسوء فهم للهوية القومية لتركيا. ولقد كان حزب العدالة والتنمية تحت قيادة أردوغان شاهدا على هذا الفهم الخاطئ منذ البداية. ولذلك وضع حدًّا لسياسات الإنكار هذه، دون أن يقدم أي تنازلات فيما يتعلق بإرهاب حزب العمال الكردستاني، بل فعل ذلك فقط انطلاقا من فهمه الصحيح لمعنى القومية ومصلحة أمته.
ورغم ذلك زاد حزب العمال الكردستاني من تصرفاته الإرهابية، وذلك ردًّا على فقده ما كان يتذرع به دائما، وهو إنكار الدولة للهوية الكردية. وقد كان ما فعله حزب العدالة والتنمية بعملية الحل والتسوية وسياسات الانفتاح الديمقراطي، في الواقع تجديدا للرؤية التي تأسست عليها الأمة. حيث أعطى الأكرادَ ما يستحقونه، ومن ناحية أخرى، أنهى أعذار حزب العمال الكردستاني وفوَّت الفرصة عليه. لكن ردّ حزب العمال الكردستاني الذي زاد من جرعة التمرد على الرغم من انتهاء الإنكار، قد أثبت أنه لم يعد يفعل ذلك باسم الأكراد، علاوة على أنه لا يفعل ذلك أصالة عن نفسه وانطلاقا من رؤيته الخاصة.
لا شك أن حزب العمال الكردستاني له وجوده الاستثنائي الشاذ، فهو ليس منظمة مستقلة بنفسها، ولذلك لا جدوى من تفسير أفعاله وإعطائه صفة الاستقلالية، فهو حين نفذ هجومه في شارع الاستقلال لم يفعل ذلك من نفسه، بل نفَّذه نيابة عن القوى التي تريد توجيه رسالة ما إلى تركيا.
كي لا يختلط الحابل بالنابل، عن أي أكراد نتكلم؟
إن الندوة التي نظمتها جمعية الديمقراطية والوحدة بالتعاون مع وقف الديمقراطية والوحدة في أنقرة في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني، تعد صورة جديدة لفهم المسألة الكردية، إلى جانب كونها مبادرة مثيرة للاهتمام حول الهوية الحقيقية للأكراد وتمثيلهم السياسي. وكذلك من غير الطبيعي ألا نشجع هذه المبادرة، كما ذكر صديقنا المحترم السيد “محمد متين أر” الذي ألقى خطاب افتتاح الندوة.
ومن أسباب أهمية هذه الندوة أن جميع المشاركين فيها هم من الأكراد، وقد حاولوا طرح آرائهم ومواقفهم بخصوص ادعاءات حزب العمال الكردستاني، أنه المتحدث باسم الأكراد، ورفض المشاركون هذا الادعاء. وهم في الوقت نفسه، لا يزعمون أن آراءهم تمثل جميع الأكراد، ولكن على الأقل تمثل اعتراضا مسجَّلا على اغتصاب أعضاء حزب العمال الكردستاني القائم على الأمر الواقع واحتكاره حق تمثيل جميع الأكراد والحديث نيابة عنهم. والواقع يثبت أن غالبية الأكراد قد دعموا حزب العدالة والتنمية منذ البداية، وأن التمثيل السياسي للأكراد داخل حزب العدالة والتنمية أكبر من مما هو واقع في حزب الشعوب الديمقراطي. ولا شك أن هذا بُعدا آخر بالطبع.
إن حزب العدالة والتنمية هو حركة سياسية استوعبت المشكلة الكردية وقبلتها حتى قبل الوصول إلى السلطة، وكان لديها حلّ مختلف تماما بعيدا عن الإنكار. وعندما وصل حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، نفذ برنامج الحلول الخاص به خطوة بخطوة، وأنهى ثمانين عاما غابرة من سياسات الإنكار. وبينما كان حزب العدالة والتنمية يعالج المشكلة الكردية ويعترف بها ويحلها، أظهر معارضة أقوى لحزب العمال الكردستاني وامتداداته السياسية، التي ترى في السياسة الكردية حقا مكتسبا.
من المعلوم من السياسة بالضرورة أن أصل المسألة الكردية ليس مجرد مصدر للكسب السياسي والاقتصادي لنخبة حزب العمال الكردستاني، ولكنها أيضا أداة مهمة في يد القوى الدولية التي تدعم الحزب نفسه؛ لذلك فإن أوجلان زعيم الحزب بعد أن وصل إلى اقتناع بأن مصدر المشكلة الكردية هو فكرة الإنكار، وأنَّ وقف التمرد مرتبط بإنهاء ذلك الإنكار الذي اعتقد أوجلان نفسه انتهاءه بالفعل، وعندما وصل إلى هذا الفهم لم يستمع إليه أحد من حزب العمال الكردستاني، وفقد منزلته ودوره المؤثر في قيادة الحزب الكردستاني.
واليوم، قد تبين لمن يروم الحق والخير للأمة كلها، أن علاقات حزب العمال الكردستاني مع الدول الإمبريالية في مناطق من العراق وسوريا، لا تفيد الأكراد من قريب أو بعيد، ولا يخفى أن السبب الوحيد وراء هذه الارتباطات هو محاولة بائسة للسيطرة على تركيا والحد من دورها وإضعافها داخليا وخارجيا. وأختم بما أشار إليه “ميتين أر” في بداية خطابه من أن “الأكراد الذين يعيشون في هذا البلد ويؤمنون بنفس الدين، وهم أحد أبناء أمة عظيمة قبلتها واحدة”، حينما يقومون بهذا الدور المخزي فإنهم يمثلون أكبر مستويات الخيانة للأمة بكل طوائفها وأولهم الأكراد أنفسهم.