المحال العمومية المصرية بين الاشتراطات الفنية والموافقة الأمنية

رغم صدور قانون المحال العامة المصري في بداية أكتوبر/ تشرين أول 2019، وصدور لائحته التنفيذية في أوائل مارس/ آذار 2020، وهي اللائحة التي حددت موعد نفاذه باليوم التالي لتحديد الاشتراطات الفنية، والتي تصدر عن وزير التنمية المحلية باعتباره رئيس اللجنة العليا للتراخيص للمحلات، إلا أن تلك الاشتراطات لم تصدر سوى في السابع من الشهر الحالي أي بعد 33 شهراً من صدور اللائحة…
مما أثار التساؤل حول توقيت صدور تلك الاشتراطات، في وقت يعاني فيه السوق من ركود ونقص بالعملة الأجنبية وتكدس البضائع المستوردة بالموانئ، وإفراط حكومي في فرض الرسوم، كان مثار شكوى رجال الأعمال خلال جلسات المؤتمر الاقتصادي الذي عُقد قبل شهرين، إلا أن نصوص القرارات التنفيذية لقانون المحال العامة تكشف عن الأسباب بأنها تتعلق بدوافع جبائية وأمنية مغلفة حسب رأي رجال أعمال بتبريرات صحية وبيئية وهندسية.
ونظرا لتعلق مجال قانون المحلات العام بنحو 316 نشاطا تجارياً وحرفيًا وخدميًا، تبدأ من كشك سجائر صغير وحتى مول تجاري مكون من عدة طوابق، فإن مجال تأثيره المجتمعي كبير في ضوء كبر عدد المحلات العاملة أو التي تدخل السوق تباعا، مع عدم وجود إحصاءات رسمية بعدد المحلات العامة القائمة بمصر، أو عدد المرخص منها وغير المرخص، رغم وجود تعداد للمنشآت الاقتصادية يقوم به الجهاز المركزي للإحصاء دوريا، ورغم وجود إدارات للإحصاء بالغرف التجارية.
إعفاء محلات الجيش من التراخيص
ويتضمن قانون المحال العامة مكونين إداريين رئيسيين، أولهما: لجنة عليا للتراخيص يرأسها وزير التنمية المحلية، وتضم ممثلين عن ست وزارات هي: القوى العاملة والداخلية والصحة والبيئة والإسكان والتنمية المحلية، وتضع تلك اللجنة شروط التراخيص للمحال وفئات الرسوم لتلك التراخيص، وشروط مديري المحال والترخيص لمكاتب الاعتماد، وهي مكاتب خاصة تتولى تجهيز المحال قبل التقدم لإصدار الرخص بالتأكد من استيفائها للاشتراطات المطلوبة.
المكون الثاني: هو مراكز إصدار التراخيص المنتشرة بالمدن والمحافظات، وهي التي ستتعامل مع أصحاب المحلات وتُصدر الرخص على المستويات الجغرافية المختلفة، بداية بالنجوع والقرى إلى الأحياء بالمدن وعواصم المحافظات والمدن الجديدة وانتهاء بالأماكن المتميزة بالمحافظات، مما يعني أن عملها يتصل بكافة أنحاء البلاد بلا استثناء جغرافي، فيما عدا المحال التابعة للقوات المسلحة فلا سلطان لمراكز التراخيص عليها.
وتتكون لجان إصدار التراخيص من رئيس وخمسة أعضاء يمثلون جهات: الأمن والصحة والأمن الصناعي والبيئة وهيئة سلامة الغذاء، وسوف تتعامل المحلات مع تلك اللجنة من خلال 14 خدمة تقدمها، تتمثل في طلب الترخيص للمحال غير المرخصة، أو توفيق أوضاع المحال المرخصة مسبقا، وتعديل النشاط أو إضافة أو حذف نشاط، أو تغيير مدير المحل إلى غير ذلك من استخراج بدل فاقد أو تالف من الرخصة، أو الحصول على رخصة مؤقتة كحالات المعارض الموسمية، أو الترخيص بتحصيل حد أدنى سعري لتقديم الخدمة أو ترخيص لتقديم (الشيشة).
وبالطبع فإن تلك الخدمات ستكون مقابل رسوم تم تحديد قيمتها، تتفاوت قيمتها من 50 جنيها وحتى مائة ألف جنيه، حسب نوع الخدمة والمكان الجغرافي للمحل ومساحة المحل وعدد الرواد الذين يتسع لهم المحل، ومدى الخطورة التي يمكن أن تحدث خلال ممارسة النشاط، ونوع الرخصة ما بين دائمة ومؤقتة، ويختلف الحد الأدنى والأقصى الذي تم تحديده بالرسوم الستة التي تم الإعلان عنها.
زيارات فحص للمحال بخلاف التفتيش المفاجئ
والتي تبدأ برسم معاينة المحل للتأكد من توافر الاشتراطات ورسومها من خمسين جنيها إلى ألف جنيه، أما رسوم التراخيص فتبدأ من ألف جنيه حتى مائة ألف جنيه، ورسوم تعديل الرخصة من ألف إلى سبعة آلاف جنيه، ورسوم التنازل عن الرخصة من 400 جنيه إلى عشرة آلاف جنيه، ورسوم الحد الأدنى السعري لتقديم الطلبات من ثمانمائة جنيه وحتى عشرين ألف جنيه، ورسوم تقديم الشيشة من ستمئة جنيه وحتى عشرة آلاف جنيه.
ويتطلب الأمر عدداً من الخطوات العملية للحصول على الرخصة من تقديم الأوراق والمستندات المطلوبة لكل نوع من الخدمة، ثم قيام لجنة من مركز التراخيص بمعاينة المحل، وقد تتكرر المعاينة إذا لم يتم استيفاء الاشتراطات مع دفع نفس رسوم المعاينة كل مرة.
وكمثال عملي لرسوم محل مساحته خمسين مترا بإحدى المدن، فإنه مطلوبا منه 450 جنيها رسم معاينة وتسعة آلاف جنيه رسم للترخيص، فإذا أراد إضافة نشاط لما يقوم به فعليه دفع رسم 1500 جنيه، وإذا أراد التنازل عن الرخصة فعليه دفع رسم ثلاثة آلاف جنيه، وهكذا في حالة طلبه لخدمات أخرى فعليه دفع الرسم الخاص بها، بخلاف تركيب كاميرات مراقبة داخلية وخارجية.
ولهذا ذكرنا بالبداية أن استهداف الحصيلة يعد أحد أهم أسباب تفعيل القانون الصادر عام 2019، وليس صحيحا ما يذكره برلمانيون ومسؤولون من أنه ليس مطلوبا من المحل سوى دفع رسم المعاينة والرخصة فقط، حيث تظل الصلة بين المحل ولجنة التراخيص مستمرة طوال حياة المنشأة…
سواء بالتقدم إليها لاستصدار التصاريح المتنوعة، أو بقدوم لجنة من مركز التراخيص بالحضور إلى المحل للفحص والمعاينة والمتابعة مع إخطاره قبل موعد الفحص، وكذلك قيام مأموري الضبط القضائي بالحضور إليه بالمحل في شكل تفتيش مفاجئ والاطلاع على أوراقه.
كذلك ما نص عليه القانون من قيام مركز إصدار التراخيص بإبلاغ كل من مأمورية الضرائب ومكتب التأمينات المختصين، بالمحال المرخص بها خلال مدة لا تزيد عن شهر من تاريخ الترخيص، إلى جانب عقوبات الغرامات للمخالفين لنصوص القانون والتي تتراوح ما بين عشرة آلاف جنيه وحتى مائة ألف جنيه، ودفع تعويضات ودفع ضعف الحد الأدنى للغرامة عند التصالح.
19 بندا اشتراطات لترخيص كشك السجائر
الأمر الأهم هو تعدد الاشتراطات المطلوبة من المحلات، والتي توزعت ما بين اشتراطات عامة مطلوبة من كل المحلات بلغ عدد صفحاتها 80 صفحة، بخلاف اشتراطات خاصة بكل نوعية من المحال والتي بلغ عدد صفحاتها 284 صفحة، والعبرة هنا ليست بعدد الصفحات للاشتراطات، فقد يكون المطلوب في سطر واحد أمرا مكلفا من النواحي الفنية والهندسية والبيئة والزمنية.
وكمثال على ذلك نذكر في الاشتراطات الخاصة بأكشاك بيع الحلويات والمشروبات والعصائر سابقة التعبئة، والتي لا تتطلب شروطا خاصة بالتداول للسلع، حيث يوجد 19 نوعا من الاشتراطات لها، منها أن يتم تصميم أنظمة التهوية والتكييف وتركيبها على النحو الذي لا يؤدي إلى تلوث الغذاء، وأن يتم تغطية مصابيح الإضاءة بالكشك أو تكون مقاومة للكسر، بالأماكن التي بها تداول غذائي حتى لا يتعرض المنتج فيها إلى تلوث فيزيائي!
أيضا يجب الحفاظ على المعدات في حالة جيدة، وفي ظروف تتوافق مع الاشتراطات الخاصة بالمواد والتشغيل والتركيب والتصميم، وتوفير جميع الأدوات والتجهيزات اللازمة للمحافظة علي سلامة المنتج وفقا لطبيعة النشاط مثل ثلاجات العرض وماكينات التقطيع.
وإذا كانت تلك بعض من الاشتراطات لكشك سجائر فما بالنا بالاشتراطات في مطعم، حيث سنجد اشتراطات تتعلق بالتهوية والإضاءة والمورد المائي والأرضيات والحوائط والارتفاعات، والتجهيزات الصحية والمصادر البديلة لإمدادات المياه وأعمال الصرف، وأنظمة مكافحة الحريق ومتطلبات مسالك الخروج عند الحوادث الفجائية، وتأمين المطبخ وتأمين المداخن وتأمين المخازن وغير ذلك من اشتراطات تختلف باختلاف النشاط.
وهذا القانون للمحلات العمومية هو الخامس تاريخيا، حيث صدر أول قانون عام 1904 أي منذ 118 عاما، والثاني عام 1941 والثالث عام 1954 والذي جمع بين المحال الصناعية والتجارية، ليقتصر الأمر على المجال التجارية وحدها بالقرار الجمهوري الصادر عام 1956، والغريب أن نصوص بعض تلك القوانين كانت أيسر من بعض نصوص القانون الجديد.
الترخيص يتطلب شهرين مقابل شهر عام 1941
فقد تم العمل بنظام الإخطار وحده بقانون عام 1941 لكل الأنشطة، بينما يقتصر العمل بنظام الإخطار بالقانون الجديد على 65 نشاطا فقط من بين 316 نشاطا، وكانت مدة الرد على الإخطار عام 1941 بالموافقة أو الرفض شهرا واحدا، بينما هي شهران بالقانون الجديد، كما تكررت نصوص قانونية قديمة بنفس المضمون بالقانون الجديد مثل التصريح المؤقت في حالات الموالد والأعياد، والإخطار عند تغير مدير المحل والموجودة منذ عام 1941.
وفي قانون 1954 كانت المعاينة الثانية بنصف الرسوم بينما هي حاليا بنفس الرسوم، كما سمح القانون بالتظلم من قرار رفض الترخيص، واحتوي على اشتراطات عامة وخاصة مثل القانون الحالي، ومنع قانون 1956 تقديم الخمور لمن يقل سنهم عن 21 عاما، كما سمح بالطعن على قرار إغلاق المحل.
والأمر الذي أثار دهشة مجتمع الأعمال هو القرار 37 لوزارة التنمية المحلية من بين 12 قرارا صدرت لتنفيذ القانون، حيث أخضع القرار 83 نشاطا للموافقة الأمنية، نظرا لأنه لم يوجد شيء من ذلك لا في نصوص القانون الذي صدر عن رئيس الجمهورية ولا في اللائحة التنفيذية التي صدرت عن رئيس الوزراء، الأمر الثاني: أن هناك مندوب لمديرية الأمن موجود كعضو بلجنة منح التراخيص، وستعرض عليه طلبات الترخيص.
أيضا نصت اللائحة التنفيذية على إخطار مركز إصدار التراخيص لمديرية الأمن بالطلبات التي قد يترتب على قبولها وجود تجمعات أو إيواء للجمهور -البنسيونات- كذلك حظرت اللائحة على مركز إصدار التراخيص الذي يعمل بنظام الشباك الواحد، تكليف ذوي الشأن بالحصول على موافقات من الجهات المختصة وبما يشير لخلل تشريعي.
وزادت الدهشة عند معرفة الأنشطة المطلوب لها موافقة أمنية أن غالبيتها لأنشطة لا تتطلب ذلك، ومنها محلات بيع المشروبات الغازية غير الكحولية ومحلات البقالة ومحلات تقديم المشروبات الباردة والساخنة، ومحلات بيع الكمبيوتر واكسسواراته وصيانتها ومكاتب تصميم ديكورات الأفراح، ومكتبات بيع الأدوات المدرسية، ومحلات الخردوات، ومحلات تصليح الأحذية والمصنوعات الجلدية ومسح الأحذية، ومحلات تصفيف الشعر للرجال والنساء، ومحلات بيع الفحم وصالات الألعاب الرياضية ومحلات ألعاب البلايستيشن ومراكز التجميل.
والنتيجة لما سبق حاجة غالبية المحلات حتى أكشاك السجائر للجوء إلى مكاتب الاعتماد لتجهيز الاشتراطات المطلوبة بما في ذلك من تكلفة، وتطفيش جانب ممن كانوا يرغبون في افتتاح محلات لممارسة النشاط التجاري، وازدهرت ظاهرة الباعة السريحة الذين يتجولون بالشوارع والباعة الجائلين، واتجاه البعض للمضاربة بالبورصة والذين تتجه وزارة المالية لمنحهم إعفاءات ضريبية قريبا، وفرص أكبر للثراء للفاسدين بأجهزة المحليات نتيجة فرض الإتاوات على المحال المخالفة للقانون.