يوسف شعبان.. الفنان الذي تمرد على نفسه

القدرات الفنية والموهبة وثقافة الممثل هي أدوات التشخيص التي تجعل الفنان قادرا على تخطي مراحل حياته وهو ممسك بمكونات الأعمال الفنية التي يؤديها.
خبرات الأعمال التي قدمها على مدار حياته تزيده قدرة على الأداء والإقناع لجمهور لا يغفل عن خطأ بسيط لنجمه، ورغم أن مشوار يوسف شعبان الفني طويل جدا إذ إنه استمر أكثر من نصف قرن قدم فيه أعمال تمثيلية للسينما والمسرح والتلفزيون والإذاعة، فإن الجمهور لا يحسبه من نجوم الصف الأول.
أليس غريبا أننا لا نضع ممثلا في قدرات شعبان في المكان الذي يستحقه، ولا أخفيكم سرًّا إذا قلت إنني شعرت بتأنيب ضمير تجاهه أثناء إعادة مشاهدة مسلسل “الشهد والدموع” للكاتب أسامة أنور عكاشة والمخرج إسماعيل عبد الحافظ عندما اكتشفت أن يوسف شعبان رغم كونه البطل الدرامي الحقيقي للمسلسل لم يأخذ حقه النقدي ولا الجماهيري.
يوسف شعبان يقنعك بالأداء لدرجة تجعلك تنسى أنه ممثل، وكأنه ليس هو بل الشخصية، فكيف جعلك تشعر بذلك رغم أنك أمام مشهد تمثيلي، ولم يكن دور حافظ رضوان في “الشهد والدموع” هو العمل الوحيد في ذلك الإحساس لدى المشاهد.
مثال آخر ليوسف شعبان في مسلسل “المال والبنون”، سلامة فراويلة البطل الموازي لعباس الضو الذي لعبه الممثل المصري القدير عبد الله غيث، ورغم أن دور يوسف شعبان هو الدور الأكثر حضورا في المسلسل فإنه كعادته لا يشعرك بأنه يشخص في العمل وكأنما ولد سلامة فراويلة وليس الممثل يوسف شعبان، ومع ذلك لا يتذكر الجمهور سوى عبد الله غيث وجملته الشهيرة “عباس الضو بيقول لاء”.
المتمرد القدير
لم يكن تمرّد يوسف شعبان على عائلته حينما انضم إلى فريق التمثيل بكلية الحقوق ثم ذهب إلى معهد الفنون المسرحية والتقى كرم مطاوع في مسرح كلية الحقوق واكتشف موهبته -رغم أن والده والعائلة رفضوا التحاقه بكلية الفنون الجميلة بعد الثانوية العامة- تمرّده الوحيد، بل إن شعبان ذهب من الحقوق إلى معهد الفنون المسرحية، لقد استمر يوسف في التمرد على التمثيل ذاته، فانتقل بسلاسة بين الأدوار التمثيلية لكافة أنواعها الدرامية.
رغم ظهور شعبان المبكر عام 1961 في فيلم “في بيتنا رجل” مع عمر الشريف الذي يعتبر أول أدواره السينمائية في دور أحد أبطال المقاومة الشعبية وهو دور صغير، ثم بعد ذلك ظهوره مع عبد الحليم حافظ في فيلم “معبودة الجماهير”، فإننا لابد أن نتوقف مع فيلمين من أهم أدوار يوسف شعبان في هذه الفترة، والفيلمان عن روايات لأديب مصر العالمي نجيب محفوظ.
الفيلم الأول هو “زقاق المدق” والبطولة لشادية وصلاح قابيل وحسن يوسف، سيناريو وحوار سعد الدين وهبة، إخراج حسن الإمام. يعتبر هذا الفيلم من أهم أفلام السينما المصرية المنتجة عام 1963، وقد قدم شعبان فيه دور فرج الذي يقوم بإغواء البطلة حميدة ويخرج بها من الزقاق إلى عالم الليل والضياع.
كانت هذه البداية لشعبان تضعه في دور الشاب الشرير الوسيم، وبلا شك فإن شعبان يتمتع بمواصفات جسمانية وملامح شكلية مقبولة جدا، جعلت المخرج كمال الشيخ يرشحه في فيلم آخر عن قصة لنجيب محفوظ هو فيلم “ميرامار”، وللمصادفة تكون شادية هي بطلة الفيلم ويكون هذا هو الفيلم السادس الذي يشارك فيه شعبان مع شادية بعد “معبودة الجماهير” و”مراتي مدير عام” و”زقاق المدق”، و”صابرين”، و”المعجزة” الذي شاركت فيه أيضا سيدة الشاشة فاتن حمامة.
قدم شعبان في الفيلم شخصية سرحان البحيري، وهي شخصية انتهازية فاسدة لرجل من كل العصور، فهو رأسمالي قبل ثورة 1952، وعضو اتحاد اشتراكي بعدها، وتنظيم طليعي، وممثل الاتحاد في المؤسسة التي يعمل بها، وفي ذات الوقت يقوم بسرقتها، يخدع زهرة (شادية) بطلة الفيلم بكلامه المعسول عن الاشتراكية والفروق الطبقية واتحاد القوى العاملة.
يستخدم كل شعارات المرحلة للإيقاع بها، نموذج متكرر عبر كل مراحل التاريخ، استطاع شعبان أن يستخدم كل مواهبه في تقديم الدور بإجادة متفردة، وقد قدم أيضا دورا مماثلا في فيلم “الرصاصة لا تزال في جيبي” عن قصة إحسان عبد القدوس وإخراج حسام الدين مصطفى، وهو فيلم من أفلام حرب أكتوبر/تشرين الأول، وقدم شعبان شخصية عباس رئيس الجمعية التعاونية، عضو الاتحاد الاشتراكي الذي يعتبر المتحكم في القرية، ويحاول الاعتداء على فاطمة البطلة في غياب خطيبها الذي يحارب على الجبهة.
مشوار طويل في التمثيل
قدم يوسف شعبان على مدار تاريخه السينمائي أكثر من 130عملا سينمائيا، وطوال هذا المشوار الذي امتد أكثر من 63 عاما كانت هناك محطات هامة في حياته، وكان فيلم “المذنبون” من إخراج سعيد مرزوق أحد هذه المحطات، وقد أثار الفيلم ضجة جماهيرية ونقدية كبيرة، ومُنِع من العرض الجماهيري.
هذا ما حدث في فيلمين شارك فيهما شعبان قبل هذا الفيلم بعامين هما “زائر الفجر” لممدوح شكري، وهو الفيلم الذي مُنع من العرض، ويقال إنه كان سببا في وفاة مخرجه، بطولة ماجدة الخطيب وشكري سرحان. ويتعرض الفيلم لممارسات البوليس السياسي في الستينيات، أما الفيلم الثاني فهو فيلم صلاح أبو سيف حمام الملاطيلي، عن قصة للسيناريست القدير محسن زايد، وهو الفيلم الذي تجرأ فيه شعبان على تقديم دور الشاذ جنسيا الذي لم يجرؤ أحد على تقديمه في السينما المصرية.
قدم يوسف شعبان فيلمين مع المخرج المبدع عاطف الطيب الذي رحل مبكرا جدا بعد أن قدم 21 فيلما في عمره القصير (44 عاما) قدم شعبان منها “كشف المستور”، وفيه يقدم دور رجل المخابرات المسؤول عن تجنيد فتيات للعمل بالتجسس، ويكتشف خداعه فيعزل نفسه عن الناس، ويعيش وحيدا، وفيلم “الدنيا على جناح يمامة”، وفيه يقدم شخصية حسن الذي يحلم بعمل مساكن للفقراء ولكنه يقع تحت سطوة المقاولين فيلفقون له قضية، ثم يضعونه في مستشفى المجانين.
للدراما التلفزيونية قدم شعبان أكثر من 150 عملا تلفزيونيا، منها ليلة القبض على فاطمة، الوتد، المال والبنون، الشهد والدموع، ليالي الحلمية، الأفعى، الغول، ألف ليلة وليلة، ضمير أبلة حكمت، فتى الأندلس، أبو زيد الهلالي، رابعة تعود.
لا ينسى الجمهور العربي لشعبان دوره في مسلسل “رأفت الهجان” عن قصة صالح مرسي وإخراج يحيى العلمي، دور محسن ممتاز ضابط المخابرات المؤسس الذي زرع رأفت الهجان في الكيان الصهيوني، من مرحلة بدايته حتى استقراره هناك، وهو الدور الذي وضع يوسف شعبان في منزلة كبيرة لدى الجمهور، رغم أن الدور لم يكن أهم أدواره السينمائية أو التلفزيونية.
قدم شعبان أيضا الكثير من الأدوار في الدراما الإذاعية وست أعمال مسرحية، قدم بطولة مسرحية كوميدية مطار الحب وعروسة تجنن، وهي مسرحية كوميدية أيضا، ومن أهم أعماله في المسرح رجل في القلعة، دماء على أستار الكعبة، وباب الفتوح. ورغم هذا التاريخ الطويل لشعبان والأدوار المتنوعة فيه في أشكالها وسماتها، فإن السؤال لا يزال يتردد: لماذا لم يصبح شعبان نجم شباك أو لا نذكره عندما نذكر النجوم رغم تميزه الدائم.