ماذا لو كان مطلق النار في باريس مسلما؟!
لو كان مسلمًا ذاك الذي ارتكب جريمة قتل الأكراد في باريس هذا الأسبوع لقامت قيامة الفرنسيين ضد المسلمين، ولتكررت الحملات التي رأيناها سابقًا في حوادث غامضة ومفتعلة لتمرير قوانين وإجراءات ظالمة، لتقييد حرية الاعتقاد ومنع الأقلية المسلمة من ممارسة شعائرها الدينية.
في جريمة إرهابية جديدة تشهدها باريس أطلق رجل فرنسي مسيحي النار على مجموعة من الأكراد في قلب العاصمة فقتل ثلاثة وأصاب ثلاثة، مما أثار غضب الجالية الكردية في فرنسا، وقد رأينا الاحتجاجات والتظاهرات التي انتهت بأحداث شغب واشتباكات مع الشرطة.
لو هرب الجاني لنصب الساسة والإعلام الفرنسي المشانق للمسلمين، لكن الأكراد أمسكوا بالقاتل وسلموه للشرطة التي أعلنت أنه ارتكب جريمته بدوافع عنصرية وليست إرهابية، وقيل إنه سبق له الاعتداء على مهاجرين صوماليين بسلاح حاد، وهذا التوصيف للجريمة رفضه الأكراد.
كثرة الجرائم الإرهابية التي تشهدها فرنسا يثير التساؤل حول أسباب هذا العنف المميت، وكم الكراهية الذي نراه في هذه الدولة دونًا عن باقي دول أوربا؟ التي صارت رمزًا للعنصرية وتمزق نسيجها المجتمعي رغم ما تدعيه من تحضر وما تمارسه من استعلاء ضد الآخرين.
الجريمة البشعة ارتكبها مواطن فرنسي بكامل قواه العقلية وليس مريضًا نفسيًا أو مجنونًا كما يدعي الإعلام الفرنسي لتبرئته، والقاتل متأثر بحالة الشحن المتواصل ضد المهاجرين والمسلمين، من السياسيين المتطرفين الذي يدفعهم التنافس الانتخابي لتعميق روح الكراهية ضد الآخرين خاصة من أصول أفريقية وعربية وتحديدًا المسلمين.
الأكراد يحظون بالرعاية
الجريمة هذه المرة ارتكبت ضد الأكراد، وهم جالية مميزة في فرنسا، مدعومة من السلطة والمعارضة، حيث ترعاهم الحكومة لدورهم في محاربة تركيا التي تناصبها فرنسا العداء، وتوفر السلطات الفرنسية الغطاء لحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب الكردية لقيادة الجالية واستمرار توظيفهم ضد الأتراك.
ورغم أن الغضب الكردي في مجمله يأتي ردًا على الشعور بالتمييز وهو سياق عام تعاني منه الأقليات والجاليات العرقية والدينية في فرنسا، فإن الكرد المتعاونين مع الحكومة الفرنسية حاولوا توجيه الاتهام إلى تركيا، بل وإلى الرئيس التركي أردوغان، لكن هذه الكذبة لم تكن مقنعة وفشلت في تحويل الأنظار بعيدًا عن العنصرية الفرنسية.
كان واضحًا أن الشرطة الفرنسية تعاملت مع الشغب الكردي في قلب باريس بمنتهى اللين والرحمة غير المعهودين في مثل هذه التصرفات، وأبرز القادة الفرنسيون مثل ماكرون وزعماء الأحزاب المعارضة تفهمهم لغضب الأكراد وإدانتهم للجريمة، وهو سلوك لا يقارن بالتعامل مع أي احتجاجات أخرى حتى أصحاب السترات الصفراء.
الإسلاموفوبيا
لا يمكن النظر إلى جريمة قتل الكرد في باريس على أنها حالة فردية، وإنما هي مرتبطة بظاهرة التخويف من الإسلام (الإسلاموفوبيا) التي يتبناها اليمين المتطرف في الغرب، فالمجرم الفرنسي المتعصب أطلق الرصاص على الكرد لكونهم مهاجرين مسلمين، وهو شخص عادي لا يفهم الفرق بين الحلفاء والأعداء، ولا يعرف ما إذا كانوا أعضاء في حزب يخدم فرنسا أم لا؟
هذه الجريمة لن تكون الأخيرة، لأن روح التحريض والعنصرية صارت متغلغلة في مستويات المجتمع الفرنسي كله حتى النخاع، وقد ظهر هذا في بطولة كأس العالم التي انتهت منذ أيام عندما تعرض لاعبو المنتخب الفرنسي -معظمه من أصل أفريقي- لحملات عنصرية على مواقع التواصل الاجتماعي بسبب هزيمته في المباراة النهائية أمام الأرجنتين.
وقد اضطر اتحاد كرة القدم الفرنسي للاعتذار عن حملة العنصريين الفرنسيين على لاعبي الفريق، وأصدر بيانًا استنكر فيه حملة الكراهية ضد لاعبين فرنسيين بسبب لون بشرتهم، لكن الهجوم لم يكن فقط من مشجعين متعصبين، فالمدرب الفرنسي في مباراة الختام كان أشد عنصرية في التعامل مع اللاعبين اللذين أضاعا ركلتي الجزاء، وتلفظ بألفاظ عنصرية بغيضة.
ختامًا
جريمة باريس ضد الكرد تؤكد أن التحريض المتواصل والتخويف من الأقليات والمهاجرين غير مضمون العواقب، وغير معروف الاتجاهات، وأننا أمام صناعة إرهاب حقيقي تصنعه دوائر السلطة العليا، وعلى فرنسا أن تتعافى وتتعلم من دول أوربية أخرى كيف يكون التعايش واحترام الأقليات، فلتتعلم احترام التنوع من جارتها بريطانيا، التي عمدة عاصمتها مسلم ورئيس وزرائها من أصل هندي.