“المنتخب الألماني” وخروجه المهين من المونديال وشماتة العرب.. هل هي لعنة التسيس؟
خروج منتخب ألمانيا الاتحادية الشهير مبكرا من مونديال قطر (كأس العالم 2022)، جاء مُهينا، مُخجلا، مصحوبا بسخرية وشماتة الجمهور العربي. من طبائع الجمهور العربي لكرة القدم تشجيع المنتحب الوطني لدولته إن كان مشاركا في البطولة، مع تشجيع فريق أجنبي أو أكثر، وخاصة الفرق المتميزة، وربما يتنقل المواطن العربي تشجيعا من فريق إلى آخر حسب السباق، وتطور مبارياته.
لم يسبق أن حاز فريق أجنبي على كل هذه السخرية إلى درجة الشماتة- على غير العادة- من المشجع العربي، لخروجه من كأس العالم أو أي بطولة دولية مثلما حظي بها المنتخب الألماني، الذي خرج من دور المجموعات (الدور الأول)، بينما يمكن أن تجد ذات الجمهور حزينا غاضبا لهزيمة أو خروج فريق أجنبي آخر محبوب لديه، من هذه البطولة أو غيرها.
الشماتة العربية.. والهزيمة الألمانية
السؤال لماذا هذه الشماتة العربية غير المسبوقة للجمهور الكروي، وضمنه قطاع عريض لم تكن هذه اللعبة من اهتماماته أساسا؟ وكيف امتدت هذه السخرية والشماتة على اتساع الدنيا، كأن قائدا واحدا يقود كل هذه الجماهير، مُحرضًّا على السخرية والشماتة في مظاهرة واقعية، وليست مجرد مظاهرة إلكترونية افتراضية عابرة للحدود والقارات؟ ولماذا هذه الهزيمة النكراء للمنتخب الألماني صاحب البطولات الكثيرة سابقا؟
الفترة السابقة مباشرة لانطلاق نسخة المونديال القطرية، شهدت هجوما عنيفا، مكثفا، من وسائل الإعلام الغربية (الأوربية والأمريكية)، بمشاركة مسؤولين حكوميين (وزيرة الداخلية الألمانية، وغيرها)، رفضا لتنظيم المونديال في دولة قطر، مصحوبة بإجراءات منها الامتناع عن نشر إعلانات قطرية عن المونديال على وسائل النقل اللندنية البريطانية.
استعلاء وتميز عرقي وعنصرية ونغمة مُضللة
هذا الهجوم الغربي، بدا كما لو كان حملة إعلامية تديرها مؤسسة خفية، تحركها دوافع سياسية وعنصرية واستعمارية بغيضة، استعلاءً، وشعورا بالتفوق العرقي والتميز، والأحقية في فرض ثقافته الرديئة وقيمه وتوجهاته على الآخر، رفضا لقبوله، وسحقا، لقيمه ومُثله وديانته. هذه الحملة المسمومة التي شغلت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فيزر، موقع الصدارة فيها، عزفا على نغمة مُضللة، تحت شعار حماية “حقوق الإنسان” تضليلا.. ثم اختزالها إلى حق الشواذ، في الترويج لشذوذهم، وفرضه على المجتمع العربي الإسلامي من خلال المونديال القطري، فجاءت نتائجها عكسية لصالح قطر التي تمكنت من احتواء هذه الحملة بإدارة رشيدة.
شارة “حب واحد” لعشرة منتخبات أوربية
تزامنا، في سبتمبر الماضي اتفق قادة عشرة منتخبات أوربية مشاركة في المونديال على ارتداء اللاعبين في مبارياتهم، لشارة المثليين حب واحد (one love)، وهي منتخبات إنجلترا، وبلجيكا، والدانمارك، وويلز، وفرنسا وألمانيا والنرويج والسويد وسويسرا وهولندا.
هذا الاتفاق، فشل، وكأنه لم يكن، بإعلان قطر، في حسم وإرادة حديدية، أنها وإن كانت لا تتدخل في اختيارات أي إنسان، فلن تسمح بتوظيف المونديال في غير غرضه الرياضي، بالترويج للمثلية، احتراما لثقافة المجتمع العربي وقيمه الروحية، وهو ما دفع منظمة “الفيفا” إلى تحذير اللاعبين بالكارت الأصفر، حال ارتدائهم شارات المثلية في الملاعب، فكان هذا رادعا.
بطولات ألمانية وكأس الأمم الأوربية
للإنصاف، فإن خروج الفريق الألماني من المونديال القطري، مهزوما كسيرا من الدور الأول، جاء صادما لكونه فريق يتمتع بوفرة في اللاعبين المتميزين والتدريب والإمكانيات، لا سيما وأنه سبق له الخروج من مونديال روسيا 2018، من الدور الأول، رغم فوزه بـ “كأس العالم” عام 2014، ما يعني بالبداهة، أنه لا بد استفاد من هذا الدرس، بالاستعداد للمونديال القطري. الفريق الألماني، ومنذ انطلاق النسخة الأولى لـ “كأس العالم” في الأوروغواي عام 1930، يأتي بعد البرازيل التي فازت خمس مرات بكأس العالم (أعوام 1958، 1962، و1970، و1994، و2002).. إذ فاز الألماني أربع مرات أعوام 1954، 1974، و1990، و2014.. كما أنه فاز بكأس الأمم الأوربية منذ انطلاقه عام 1960، ثلاث مرات، أعوام 1972، 1980، 1996م.
لعنة التسيس والهزيمة رغم تميز الألمان
عودة للسؤال.. لماذا هذه السخرية والشماتة العربية الواسعة للخروج الألماني؟ ولماذا فشل الفريق الألماني أصلا رغم تميز لاعبيه وتدريبه؟ من سياق الأحداث، واللقطة التي حرص عليها الفريق، بالصورة التي أظهرت أعضاءه واضعين أياديهم على أفواههم، بقصد الإساءة إلى قطر، بأنها تُكَمِم الأفواه، لمجرد رفضها الترويج للمثلية في الملاعب، فقد بدا واضحا أن المنتخب الألماني، جاء بصحبة وزيرة الداخلية مشحونا ذهنيا ووجدانيا بحمولات عنصرية وسياسية وشعور بالتفوق والاستعلاء والسيادة على الآخرين والأحقية في سحقهم. بدلا من التفرغ لمهمته ودوره ووظيفته بإجادة التدريب واللعب والإبداع في المباريات الكروية، لانتزاع كأس العالم تعويضا لهزيمته السابقة، فإن فريق “الماكينات” سقط في الفخ السياسي الذي نصبته له وزيرتهم للداخلية، حماقة منها، دون وعي بالنتائج الوخيمة لمسلكها على فريقها. كان لابد للسياسة بكل ما تحويه من مساوئ، ولعنة التسيس أن تحل على الفريق، وتفسد على اللاعبين مهاراتهم وتميزهم وتتوه منهم المهمة التي جاؤوا من أجلها، فكان لابد لهم من تكرار السقوط والهزيمة.. من المفارقات أن “الفيفا”، نصحت بالتركيز على الرياضة والابتعاد عن السياسة.. لكنها الحماقة أعيت من يداويها.
وصاية المواطن العربي على المواطن في الغرب
معلوم أنه لا يمكن لمواطن عربي مسلم في الغرب كله، محاولة فرض الوصاية أو الترويج للصلاة مثلا أو غيرها، مخالفة للقوانين السارية، فلماذا يحاولون فرض وصايتهم القيمية علينا؟ لقد ساهمت وسائل التواصل الاجتماعي في تأجيج مشاعر “الجمهور العربي”، على خلفية كل هذه العنصرية والحملات الإعلامية الظالمة ولقطة الفريق الألماني بتكميم الافواه، وتبجح وزيرة داخليتهم في تسللها للملعب حاملة شارة المثلية بعد خلع الجاكت الذي ترتديه، فكانت السخرية والشماتة لسقوط الماكينات الألمانية مهزوما مدحورا غير مأسوف عليه.