أزمة أوكرانيا.. لا ناقة لنا فيها ولا جَمل!

مناهضون للحرب في برلين يرتدون زي الرؤساء الثلاثة: الأمريكي والروسي والأوكراني

أستغرب من تعاطف بعض المغيّبين العرب مع روسيا في أزمتها مع أوكرانيا وحلف الناتو، وكأن روسيا هي العضو الثالث والعشرون في جامعة الدول العربية، أو كأنها نصيرة الحق العربي!! الأمر نفسه ينطبق على من يتعاطفون مع الولايات المتحدة وحلف الناتو نكاية في روسيا وكأن الولايات المتحدة هي العضو الثامن والخمسون في منظمة التعاون الإسلامي التي تخوض تلك الحرب انتقامًا للعرب أو المسلمين الذين ذبحتهم روسيا.

الحروب مدمرة للجميع، ويدفع ثمنها المدنيون المسالمون، وهذا ما يأباه كل صاحب قلب أو عقل سليم، والحرب بين روسيا والناتو ستكون أكثر دمارًا حال وقوعها، وسيتطاير شررها إلى أماكن كثيرة، وستؤثر بالتأكيد على الاقتصاد العالمي خاصة في ارتفاع أسعار النفط، وحدوث أزمة في واردات القمح الروسي والأوكراني للعديد من الدول، وانهيار أسواق المال عمومًا، لكن المتضرر الأكبر من هذه التداعيات سيكون الغرب وروسيا.

هذه حرب تجري بعيدًا عن منطقتنا للمرة الأولى منذ مدة طويلة، ولا يكون أي قطر عربي أو إسلامي طرفًا فيها، كما كان حال حروبنا وأزماتنا من قبل (العراق والكويت- السعودية واليمن- مصر والسودان- مصر وليبيا- الجزائر والمغرب- باكستان وبنجلادش- إيران والعراق) وغيرها، ولذلك فإننا نجلس في مقاعد المتفرجين أو هكذا ينبغي، بدلًا من الانحياز غير المجدي لهذا الطرف أو ذاك في حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل!!

حرب نفوذ

هذه حرب نفوذ بين قوى لطالما تنافست على ذبحنا، فعلتها روسيا في أفغانستان وسوريا وليبيا والشيشان وداغستان وغيرها، وفعلتها الولايات المتحدة أيضًا في أفغانستان والعراق، ومن قبلهما فلسطين. هي حرب تسعى فيها روسيا لاستعادة نفوذها، وتبديد الصورة التي رسمها لها الغرب بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وفي الوقت نفسه تحاول الولايات المتحدة تعويض هزيمتها في أفغانستان واستعادة قيادتها للعالم، وتوسيع نفوذ حلف الناتو تحت هذه القيادة، وبين هذا وذاك تبقى أوكرانيا هي مسرح العمليات لاختبار نفوذ تلك القوى.

أوكرانيا هي التي وقعت بجهالة في الفخ بتحركاتها الغشومة للانضمام إلى حلف الناتو متحدية روسيا، التي رأت ذلك خطرًا على أمنها القومي، حيث ستصبح قوات الناتو على حدودها مباشرة وقد تمارس بعض عملياتها في العمق الروسي إذا أرادت، ومن الواضح أن الولايات المتحدة هي التي حاكت هذا الفخ لكل من أوكرانيا وروسيا لتوريطهما في حرب تستثمرها واشنطن في تهذيب وتشذيب روسيا الساعية إلى دور أكبر عالميًّا وتعيدها إلى دورها الإقليمي السابق، ولتجعلها عبرة للصين الخطر الأكبر أمام واشنطن حاليًّا، الذي تؤجل المواجهة معه حتى حين.

لم تنس الولايات المتحدة والغرب لروسيا غزوها السابق لجورجيا 2008، ولأوكرانيا نفسها عام 2014، وهما الجولتان اللتان انتهتا بمكاسب لموسكو، وربما أغرتاها بتكرار ذلك في هذه الجولة الجديدة، لكن من الواضح هذه المرة أن الرجل العجوز العائد إلى سدة الحكم في البيت الأبيض يريد أن يضع نهاية لهذا التمدد الروسي، وأن يثبت أنه السيد المطاع عالميًّا من الجميع.

لا حرب ولا سلم

الأزمة لا تزال تراوح مكانها في حالة لا حرب ولا سلم، دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لحل سياسي، ووافق نظيره الأمريكي جو بايدن بعد اتصالات ووساطات، لكن القادة العسكريين على الطرفين لا يزالان يحشدان الجيوش والمعدات العسكرية على الحدود في ما يُعرف بسياسة حافة الهاوية، التي يمارس فيها كل طرف أقصى ضغوطه، لكنها قد لا تصل إلى الحرب الفعلية، وقد تقبل أطراف الأزمة في النهاية وساطة طرف آخر سواء كانت الأمم المتحدة أو فرنسا أو ألمانيا أو حتى تركيا، لتنتهي الأزمة بتسويات ترسم واقعًا سياسيًّا جديدًا حسب قوة كل طرف وما يمتلكه من أوراق.

أزمة روسيا المعلنة هي الضمانات الأمنية من الولايات المتحدة والناتو على حدودها، وترى أن ذلك يتحقق بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، وقد توافق واشنطن على تأجيل هذا الضم تفاديًا للحرب، لكنها قد تحصل على مقابل من روسيا بوقف دعمها للانفصاليين في أوكرانيا، بينما تهدد موسكو بالاعتراف رسميًّا باستقلال مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك إذا لم تحصل على الضمانات، وهناك مشروع قانون جاهز في البرلمان الروسي (الدوما) لذلك ينتظر الإشارة.

لا أنكر أن بعض الضرر سيصيب منطقتنا من هذه الحرب حال وقوعها واستمرارها بعض الوقت -وهو احتمال ضئيل كما ذكرنا- لكنه ضرر قليل وسهل الهضم، ومن ذلك تأثر الدول العربية والإسلامية المستهلكة للطاقة بارتفاع أسعار النفط (وإن أسعد ذلك الدول المنتجة له)، كما أن ضررًا سيقع في واردات القمح، وكان ينبغي على حكوماتنا الاستعداد لذلك خاصة أن نذر الأزمة بدأت قبل أشهر، وهناك آلاف الطلاب العرب في أوكرانيا أيضًا والمقترض أن هؤلاء غادروا البلاد مع تصاعد الأزمة، وعلينا أن نكون حذرين من مساعي المخابرات الأمريكية لتوريط المسلمين في هذه الأزمة بدعوى أن أوكرانيا كانت دولة مسلمة، ولكن روسيا بوجهيها القيصري والشيوعي قضت على الإسلام فيها، فليست الولايات المتحدة حامية حمى الإسلام، وليست أقل إجرامًا بحق المسلمين من روسيا، وتشهد على ذلك أفغانستان والعراق وفلسطين.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان