مدى تأثر مصر بأحداث أوكرانيا

حصاد القمح في أوكرانيا

في العام الزراعي 2021/ 2022 بلغ إنتاج القمح في أوكرانيا 33 مليون طن متري، لتجيء في المركز السادس عالميا بإنتاج القمح، وبلغت صادرات القمح الأوكرانية 23.5 مليون طن متري، محتلة المركز الخامس دوليا بتصدير القمح، بعد الاتحاد الأوربي وروسيا والولايات المتحدة وأستراليا، بنسبة 12% من مجمل الصادرات العالمية.

وقد تميزت أوكرانيا ببلوغ نسبة الصادرات إلى الإنتاج من القمح 71%، مقتربة من معدل أستراليا البالغ 75%، حيث كانت أوكرانيا أفضل من الولايات المتحدة التي بلغت نسبة صادراتها إلى إنتاجها 53%، ومن روسيا التي بلغ معدلها 48% ومن الاتحاد الأوربي الذي بلغ معدله 26%.

وفي إنتاج الذرة بالعام نفسه بلغ إنتاجها 38 مليون طن صدرت منه 31.5 مليون طن، محتلة المركز الرابع دوليا بالصادرات، بعد الولايات المتحدة والبرازيل والأرجنتين، لتصل نسبة التصدير إلى الإنتاج 83%، أي تجاوزت كبار المصدرين حيث بلغت النسبة 72% بالأرجنتين، و36% بالبرازيل و30% بروسيا و17% بالولايات المتحدة و6% بالاتحاد الأوربي.

كما تصدر أوكرانيا زيت عباد الشمس وفول الصويا والحديد والصلب ومصنوعاته، حيث بلغ إنتاجها من خام الحديد عام 2019 نحو 63 مليون طن لتحتل المركز السابع عالميا بالإنتاج، كما أنتجت 21 مليون طن من الصلب الخام.

وفي المقابل نجد أن مصر قد احتلت المركز الأول بواردات القمح بكمية 13 مليون طن، مع بلوغ نسبة الاكتفاء الذاتي منه 40% عام 2019، كما احتلت مصر المركز السادس بواردات الذرة عالميا، وتبلغ نسبة الاكتفاء من الذرة الشامية 51%. وتقلّ نسبة الاكتفاء الذاتي لتصل إلى 1% من فول الصويا، و17% من بذور عباد الشمس، وأقل من 15% من زيوت الطعام.

   صادرات محدودة وواردات ضخمة

ومن هنا فقد تزايدت وارادت مصر من أوكرانيا خلال السنوات العشرين الأخيرة، خاصة من الحبوب وزيوت الطعام ومكونات الأعلاف والحديد، ليسفر الميزان التجاري بين البلدين عن عجز مصري كبير دائم، نتيجة قلّة قيمة الصادرات المصرية، فخلال العشرين عاما الماضية كان أعلى رقم سنوي للصادرات المصرية إلى أوكرانيا 113.5 مليون دولار عام 2011.

ثم تدنت القيمة عن ذلك حتى بلغت 26 مليون دولار قبل سبع سنوات، و27 مليون دولار بالعام التالي، في حين كان أقل رقم للواردات من أوكرانيا خلال السنوات العشر الأخيرة 1.9 مليار دولار، وأعلى رقم 3.9 مليارات دولار خلال عام 2012.

لتتدنى نسبة تغطية الصادرات المصرية للواردات من أوكرانيا إلى ما بين 1% في الحد الأدنى، و5.8% في الحد الأعلى بين عامي 2000 و2020، وفي العام الماضي وحسب بيانات الشهور الأحد عشر الأولى منه، فقد تحسنت الصادرات المصرية لتصل إلى 117 مليون دولار، مقابل 1.67 مليار دولار من الواردات، لتستمر قيمة الواردات في التراجع للعام الثاني، مما حسن نسبة تغطية الصادرات المصرية إلى الواردات من أوكرانيا جزئيا لتصل إلى 7%!

وتشكل تجارة أوكرانيا مع مصر الجانب الأكبر في تجارتها مع الدول العربية، ففي عام 2020 وحسب البيانات الأوكرانية، كانت قيمة تجارتها مع مصر 1.7 مليار دولار وبالمركز الثاني مع السعودية بقيمة 812 مليون دولار، ومع العراق 600 مليون دولار ومع المغرب 465 مليون دولار، لتحقق فائضا تجاريا مع كل الدول العربية ما عدا عجز محدود مع سوريا.

ويبدو أن أوكرانيا اعتمدت على الأسواق العربية لتخفيف أثر العجز التجاري المستمر بها، منذ عام 2005 وحتى العام الماضي ما عدا عام 2015 فقط، حيث بلغ فائضها التجاري مع العرب عام 2020 نحو 5.9 مليارات دولار، في حين كانت قيمة عجزها التجاري مع دول العالم في العام نفسه 4.709 مليارات دولار، ثم زادت قليلا في العام الماضي إلى 4.728 مليارات دولار.

  نصيب جيد للسياحة الأوكرانية

وظلت التجارة السلعية تشكل المكوّن الأكبر بالعلاقات الاقتصادية بين مصر وأوكرانيا، إلا أن التبادل السياحي بين البلدين كان في صالح مصر دائما، حيث ظلت أوكرانيا منذ عام 2007 وحتى الآن ضمن الدول العشر الأوائل الأكثر سياحًا في مصر، وظل مركزها يتقدم من الثامن عام 2010 إلى الخامس عام 2015 ثم إلى المركز الثالث عام 2016 ثم إلى المركز الثاني عامي 2017 و2018، وذكرت مصادر أن بعض السياح الروس حضروا إلى مصر عبر أوكرانيا، خلال السنوات الست التي حظرت خلالها روسيا رحلات طيرانها إلى المنتجعات المصرية على سواحل البحر الأحمر قبل استئنافها أواخر العام الماضي.

وبالنظر إلى موارد النقد الأجنبي المتحققة لمصر من العلاقات الاقتصادية مع أوكرانيا، نجد أن الدخل السياحي كان أعلى من حصيلة الصادرات إليها، في مشهد غير مألوف في علاقة مصر بدول العالم.

ففي العام المالي 2019/ 2020 بلغت حصيلة السياحة الأوكرانية بمصر 81 مليون دولار، يليها الاستثمار الأجنبي الأوكراني المباشر بـ38 مليون دولار، وفي المركز الثالث جاءت الصادرات السلعية بـ24 مليون دولار، ثم خدمات النقل بما فيها مرور السفن الأوكرانية بقناة السويس وقيمته 20 مليون دولار، وحصيلة تحويلات العاملين المصريين هناك التي يلغت مليونَي دولار، لتصل حصيلة كافة معاملات مصر مع أوكرانيا إلى 166 مليون دولار، بينما بلغت قيمة المدفوعات 1.909 مليار دولار في العام نفسه.

وكان النصيب الأكبر بالمدفوعات للواردات السلعية بنصيب 1.4 مليار دولار، يليه سداد أقساط بـ461 مليون دولار وتحويلات من العمالة الأوكرانية بمصر وتحويلات للطلاب المصريين الدارسين هناك بقيمة 13 مليون دولار، وخدمات نقل بقيمة 9 ملايين دولار.

ويظل السؤال عن مدى تأثر مصر بأحداث أوكرانيا والتخوف من نشوب حرب تؤثر في زراعة المحاصيل الموسمية، وترتبط الإجابة بمدى طول فترة الصراع لأن كل الدول لديها مخزون من الحبوب يكفي استهلاكها عدة أشهر، كما أن كل الدول تنوّع مصادر وارداتها تحسّبًا لأي تقلبات بمناطق جغرافية معينة، والأمر نفسه يقع في شأن الطاقة التي شهدت ارتفاعا بالفعل حيث تخطى سعر برميل النفط تسعين دولارا.

لذا فإن تأثير هذه الأزمة في مصر سيكون تأثيرا عاما مثل باقي الدول، التي تأثرت بارتفاع سعر القمح والذرة والنفط وخام الحديد خلال شهر يناير الماضي، باعتبار مصر دولة مستوردة لتلك السلع، وهو ما حدث بالفعل، إلى جانب إمكانية تأثر السياحة الواردة إليها من أوكرانيا وروسيا اللتين تحتلان مكانة مميزة بعدد السياح الواصلين إلى مصر.

لكن احتمالات الحرب يستبعدها كثير من الخبراء لوجود مصالح مشتركة بين الدول سوف تتضرر نتيجة الحرب، ومن أول المتضررين روسيا نفسها التي ما زالت تتعرض لعقوبات منذ احتلالها لمنطقة القرم عام 2014، ولهذا فستسعى لتحقيق أهدافها عبر وسائل أخرى بدل دخول أراضي أوكرانيا.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان