لماذا يتحيّز الفنانون والنقاد لفيلم “أصحاب ولا أعز”؟!

منى زكي

منذ أشهر قليلة، قالت الممثلة المصرية إلهام شاهين على فيلم (ريش) الذي عُرض في مهرجان الجونة السينمائي، إنها لم تتحمل مستوى القذارة في الصورة التي قدّمها، ولم يعجبها مستوى الفيلم.

وأثارت وقتها -هي وكثير من الفنانين والفنانات وبعض الإعلاميين- لغطًا كبيرًا وضجة حول الفيلم، واتهموا صنّاعه بأنهم يحاولون الإساءة إلى مصر عن طريق إبراز مظاهر الفقر من خلال قصة الفيلم والصور والمشاهد التي عُرضت فيه، وشنوا هجومًا شديدًا وطالبوا بمنع عرضه.

محتوى جريء

ولكن في الأيام الماضية عرضت منصة نتفليكس العالمية فيلم (أصحاب ولا أعز) الذي شاركت فيه الممثلة المصرية منى زكي وممثلون من لبنان، ومن إنتاج مصري عالمي، وأثار الفيلم هو الآخر ضجة كبرى على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب جرأة الحوار، وتضمّنه بعض الإيحاءات التي تتنافى مع قيم المجتمع، ولكن هذه المرّة من منظور أخلاقي، بسبب قصة الفيلم وبعض المشاهد فيه، إذ تدور أحداثه حول سبعة أصدقاء يجتمعون على العشاء، ويقررون أن يلعبوا لعبة، بأن يضع الجميع هواتفهم المحمولة على طاولة العشاء، بشرط أن تكون جميع الرسائل أو المكالمات الجديدة على مرأى ومسمع من الجميع، ولكن تتحول اللعبة (التي كانت في البداية ممتعة وشيقة) إلى سيل من الفضائح، وتنكشف أسرار لم يكن أحد يعرف عنها أي شيء بمن فيهم أقرب الأصدقاء.

وتظهر فضائح الجنس والشذوذ والعلاقات المحرّمة في قصة الفيلم، مما جعل كثيرًا من رواد مواقع التواصل -ممن شاهدوه أو سمعوا عنه أو قرأوا قصته- يرفضونه، لأنه ضد قيم مجتمعنا الإسلامي والشرقي، ويؤسس لعلاقات وأخلاق غريبة عنا.

فمثلًا، الصديق الشاذ الذي يعلنها للجميع بقوله “أنا مِثلي”، ويستقبل الجميع الخبر بشكل طبيعي، وتحضنه نساء أصدقائه، الفيلم عمّق هذا الخط وركز عليه، وجعل المشاهد يتعاطف مع المِثلي ويحبه!

الزوج يكتشف أن زوجته تخونه مع صديقه، ولم يستطع مواجهتها، والغريب والعجيب أنه بعد كل هذه المصائب والكوارث عاد الجميع إلى منازلهم، واستمروا في رذائلهم، وكأنّ المطلوب من المتلقي أن يشعر بأن ما حدث شيء عادي!

الازدواجية

وبعيدًا عن الفيلم، ورأينا ورأي الجمهور فيه، نجد أنه من الغريب أن الممثلة إلهام شاهين التي رفضت فيلم (ريش) بسبب الفقر، قالت عن (أصحاب ولا أعز) إنه فيلم رائع، ووجّهت التحية لصنّاعه بالكامل، بل إنها زادت وهاجمت مجلس النواب، وقالت إنه ليس وصيًّا على الجمهور ليمنع عرض الفيلم بعد رفع دعاوى قضائية تطالب بذلك، وأضافت “البرلمان ماله ومال نتفليكس”.

وفى دفاعها عن المحور الأخلاقي للفيلم، قالت إن معظم أحداث (أصحاب ولا أعز) تحدث في المجتمعات العربية، وإنه توجد على منصة نتفليكس أفلام بها كثير من العُري، مضيفة أنه لا توجد سينما نظيفة، لأنه مصطلح غير علمي، وإن السينما أنواع “كوميديا أو رومانسية”.

وتداعى معها غالبية الفنانين والنقاد، يغرّدون مثلها ويتكلمون في البرامج والمواقع الإخبارية يدافعون عن منى زكي والفيلم، بأن هذا فن وإبداع وحرية، وكادوا يشهرون أسلحة وسيوفًا ليحاربوا مَن يعترض على كلامهم، من أجل إجبار الناس على وجهة نظرهم.

وفي محاولة للمزايدة، قام الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى -في برنامجه “حديث القاهرة” عبر قناة القاهرة والناس- بالوقوف احترامًا لمنى زكي بطلة فيلم (أصحاب ولا أعز)، مؤكدًا دعمه لها ضد الانتقادات الموجّهة إليها بسبب مشاركتها في الفيلم.

وقال لها “لا تغضبي ولا تحزني، هذه الهجمة مخططة وعدوانية وكنتِ مقصودة بها، لأنك منصة للفن المصري”. وكأنه يتحدث عن مصر الدولة في فيلم (ريش) السابق، متهمًا القوى الرجعية والظلامية بأنها السبب في ذلك، ولم ينس وضع جماعة الإخوان في جملة مفيدة، مؤكدًا أنها تنظيم أفكاره منتشرة بين الناس.

“سيداو”

وهكذا ظهر كثيرون يدافعون عن فيلم قبيح لا يليق بالمجتمع الشرقي، مقتبَس من فيلم إيطالي ومجتمع ليس بمجتمعنا، ومن المؤكد أن صناع الفيلم لهم وجهة نظر يريدون الترويج لها، ونشر تلك الأفكار الشاذة.

ومن الواضح كذلك أن الفيلم يروّج أيضًا لاتفاقية “سيداو” التي تدعو إلى القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، وهي معاهدة دولية اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، وطرحتها للتوقيع والتصديق والانضمام بالقرار (34/180) في 18 ديسمبر/كانون الأول 1979.

وتوصف بأنها وثيقة حقوق دولية للنساء، ودخلت حيز التنفيذ في 3 سبتمبر/أيلول 1981.‎

وتتكون الاتفاقية من خمسة أجزاء تحوي في مجملها 30 بندًا، وتعرّف مصطلح التمييز ضد المرأة بأنه أي تفرقة أو استبعاد أو تقييد يتم على أساس الجنس، والاعتراف للمرأة بحقوق الإنسان، والحريات الأساسية في الميادين السياسية، وتمتّعها بهذه الحقوق أو ممارستها لها، بصرف النظر عن حالتها الزوجية، وعلى أساس المساواة بينها وبين الرجل. كما أن الدول المُصدّقة على الاتفاقية مطالبة بتكريس مفهوم المساواة بين الجنسين في تشريعاتها المحلية، وإلغاء جميع الأحكام التمييزية في قوانينها، والقيام بسن أحكام جديدة للحماية من أشكال التمييز ضد المرأة كما يدّعون.

هذه الأعمال موجهة إلى الأسرة العربية، والقادم أسوأ إن لم يتنبه المجتمع وخاصة رجال الدين والعلماء، ويتخذوا موقفًا حازمًا وحاسمًا ضدها، إذ تحاول نزع هُويته الدينية والاجتماعية، لأن الفيلم يهدف فعلًا إلى التطبيع مع موضوعات بعينها، هي المثلية والخيانة وممارسة الجنس قبل الزواج.

ورغم ضَعف الفيلم فنيًّا، لكنه سينتشر نظرًا لما يحويه من عوامل الصدمة والإثارة.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان