ماذا يفعل حميدتي في موسكو؟!

هل تعمل فاغنر الروسية على تعزيز سيطرة قائد الدعم السريع على السودان؟!

حميدتي لدى وصوله إلى موسكو

على الرغم من أن روسيا لا تعترف رسميًا بأنشطة (فاغنر) في السودان، إلا أن الشركة العسكرية الخاصة موجودة بالفعل، وتعمل تحت أسماء وهياكل وتعاقدات مختلفة، وتندرج أنشطتها ضمن الرؤية الجيواستراتيجية لروسيا في القارة الأفريقية.

فاغنر والدعم السريع

فاغنر وهى شركة روسية خاصة شبه عسكرية، أسها رجل الأعمال الروسي يفغيني بريغوجين، أو ما يعرف بطباخ بوتين، تقوم بالعديد من المهام في أفريقيا والشرق الأوسط، وتنظر إليها فرنسا بوصفها الجيش السري المناوئ لقواتها في أفريقيا، حيث يتعهدها بوتين شخصياً بالرعاية ويعهد لها بالمهام الخاصة التي لا يريد أن يتورط فيها بشكل مباشر. كما نشط فاغنر في عدة دول أفريقية، بينها السودان بالطبع، وتتحرك في فضاءات واسعة، من خلال علاقات روسيا بقوات الدعم السريع بزعامة نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان حميدتي، والذي يقوم هذه الأيام بزيارة إلى موسكو في توقيت حرج جداً، وبين يدي أزمة أوكرانيا المتصاعدة، ما يعني أن حميدتي حسم خياره بالانحياز إلى روسيا في حروبها التوسعية، وتأييد مغامرات فلاديمير بوتين، أو على الأقل رمى بثقله السوداني في مضمار الاصطفاف العالمي، وكلاهما، أي بوتين وحميدتي مفتونان بالنفوذ العسكري وأوهام العظمة، فالثاني يريد أن يحكم السودان بأي ثمن، ومشغول على الدوام ببناء قوة عسكرية ضاربة، تخضع له شخصيًا كما كان الجيش الفرنسي يخضع لنابليون الذي حين دخل روما قال له المستشارون إن البابا غاضب، فرد عليهم بسؤاله الشهير: “كم مدفعًا يملك هذا البابا”؟!

أما بوتين فيسعى حتف أنفه للسيطرة على العالم، أو على الأقل إنهاء الهيمنة الأمريكية على العالم، ويتطلَّع بشراهة لإيجاد موطئ قدم في الدول الأفريقية المجاورة للسودان: ليبيا، تشاد، مالي وأفريقيا الوسطى، وهو الحزام الفرانكفوني الذي تنشط فيه قوات الدعم السريع أيضاً. ولعل ظهور موجة انقلابات عسكرية في تلك الدول، يعني أن الأصابع الخارجية باتت تتحرك بالفعل داخل القصور الرئاسية، ما يفتح المجال لمواجهات خطيرة، حد تغيير أنظمة تلك الدول، وصناعة حلفاء جدد،
لا بد أن حميدتي أحدهم.

النشاط الاقتصادي

أطلقت شركة فاغنر بحثها عن الذهب في السودان عام 2017 من خلال شركتي “مروي جولد” و “إم إنفست”، بينما قوات الدعم السريع لديها شركة الجنيد التي تعمل في مجالات التنقيب أيضاً، ولديها إمكانيات هائلة وحقول ممتدة تعمل في مختلف مناطق السودان، كما أن نشاط فاغنر ووجودها في دارفور وجنوب كردفان، يعود إلى أن تلك المناطق غنية بالذهب واليورانيوم والمعادن الأخرى الثمينة، وهى بعيدة عن الرقابة الحكومية، وتنتشر فيها الحركات المسلحة ومعسكرات النزوح والمنظمات الدولية، فضلاً عن أنها مناطق واسعة تعاني من سيولة أمنية، ومفتوحة على دول غرب أفريقيا، ما يُمكّن فاغنر من التخفي في أزياء وسيارات تعينها على الحركة ونقل معداتها بسهولة.

بدأت فاغنر أنشطتها بتدريب الجيوش المحلية وحماية الشخصيات رفيعة المستوى ومحاربة الجماعات المتمردة والإرهابية بالإضافة إلى حماية موارد الماس والذهب واليورانيوم في دول الجوار الأفريقي، ومقابل تلك الخدمات توسعت حركتها في منطقة غرب أفريقيا وفي السودان بالمرة، من خلال علاقتها بقوات الدعم السريع تحديدًا، ومُنحت امتيازات وتراخيص حصرية لشراء الأسلحة والتكنولوجيا والخدمة العسكرية واستخدام المعادن والموارد الطبيعية، إلى جانب انتشار أفرادها بين الحدود الليبية التشادية، بشكل يُوحى أنها تُعد المعارضة  التشادية لقلب نظام حُكم محمد ديبي، وإنهاء السيطرة الفرنسية على إنجمينا.

حماية البشير في البدء

في العام 2017 قام الرئيس المعزول عمر البشير بزيارة إلى روسيا وطلب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحماية من التصرفات الأمريكية العدوانية، بعد أقل من عام بدأت طلائع فاغنر الدخول إلى السودان، وقد رصدت وسائل إعلام محلية صورًا لمجموعة من الجنود الروس أثناء التظاهرات التي انطلقت في ديمسبر/ كانون الأول 2019، وقالت تقارير صحفية حينها إن الشاحنات كانت تنقل جنود فاغنر للتعامل مع التظاهرات، لكنها لم تتدخل بشكل مباشر، ما يعني احتمالية تقديم العون الفني والتدريب للقوات المشاركة في مكافحة الشغب والاحتجاجات آنذاك.

النشاط السيبراني

لا توجد إحصائية رسمية عن عدد أفراد مجموعة فاغنر في السودان وأماكن وجودهم، ولكن البعض يُقدّر عددهم بثلاثمائة فرد، وربما أكثر من ذلك بعد انخراطهم في أنشطة مشتركة مع قوات الدعم السريع في برامج التدريب والقرصنة الإلكترونية، بشكل يعزز فرضية الوجود، إذ اختفت العديد من صفحات الناشطين الداعمة للثورة مؤخراً. وقد ذكرت شركة «فيسبوك» في العام السابق أنها أغلقت شبكة تضم ما يقرب من 1000 حساب وصفحة، لديها 1.1 مليون متابع ويديرها أشخاص قالت إنهم على صلة بقوات الدعم السريع، ونشطت تلك الحسابات في التشويش على أخبار التظاهرات في الشارع السوداني..
ويُرجح أن ذلك النشاط تقوم به مجموعة فاغنر رغم أنه لم تظهر صور لمجموعة فاغنر تقوم بدور التأمين والحراسة المباشرة لنائب رئيس مجلس السيادة وقائد قوات الدعم السريع، إلا أنه يُرجح وجود تلك القوات في دوائر الحماية الخفية، وتقديم الدعم الفني والتدريب، خصوصاً لنائب قائد الدعم السريع الفريق عبد الرحيم دقلو، شقيق حميدتي، الذي يتحرك ضمن إجراءات أمنية مشددة، وبصورة سرية في كثير من الأحيان، خاصة رحلاته الخارجية.

سيناريو النفوذ الروسي

ولعل نشاط مجموعة فاغنر في جمهورية أفريقيا الوسطى مدعومًا بدورها في السودان استهدف نقل موارد الشركة بين البلدين، بصورة باتت تشكل مثلث النفوذ الروسي في المنطقة، الممتد بين السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وليبيا، علاوة على أن نشاطها في دارفور يعود إلى نفوذ قوات الدعم السريع في تلك المنطقة باعتبارها العمق الاستراتيجي لقوات حميدتي.

لا أعرف كيف يتعامل الجيش السوداني مع تحركات فاغنر في المحيط الجغرافي، وسعيها الدؤوب لتوطيد دعائمها بالتواصل مع قوات الدعم السريع تحديداً، لدرجة التنسيق الكامل؟ إذ إن رفع كفاءة قوات ذات طبيعة إثنية، أو تعزيز استثماراتها لتصبح قوة اقتصادية ضاربة، يُضعف بشكل مباشر مركزية الدولة، ويُغلّب كفة طرف ضد الآخر، في أي معركة محتملة، أو بالأحرى ينفخ في نار حلف الكارتيل العابر للحدود، وهنا بالضرورة تلعب فاغنر لصالح شخص واحد هو حميدتي، على حساب الوطن، الخاسر بالطبع.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان