وفعلها بوتين.. تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا

وقد فعلها بوتين وبدأ الروس الحرب على أوكرانيا، فإن العالم بذلك سيشهد تحولات ملموسة في النظام الدولي تنذر بولادة مشهد جديد للنظام مستقبلا على المدى القريب أو الأبعد، فالتحولات الحاصلة في موازين القوى إقليميا ودوليا مؤشر قوي على ما ستؤول إليه المرحلة القادمة من تغييرات. وذلك من حيث صعود دول جديدة في المجالات الاقتصادية ووصولها إلى منافسة أكبر، ومن جهة أخرى دخول دول جديدة ميدان التسلح النووي والتسابق فيه، هذا فضلا عن محاولات دول أخرى بلورة وصياغة دور إقليمي جديد ومهم يسمح لها بفرض هيمنة أوسع على مساحات جديدة، ويؤمن لها مصادر أكثر وأسواقًا جديدة تلزمها في استمرارية تصاعدها وتقوية مكانتها إقليميا ودوليا.
“روسيا وبكين، ونظام عالمي جديد”
في البيان الأخير الذي وقع عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الصيني شي جينبينغ على هامش الدورة الأولمبية للألعاب الشتوية، ما يؤكد على عمق التحول في النظام العالمي.
كانت لغة البيان الروسي الصيني توحي بكل وضوح بأن كلًّا من الصين وروسيا يؤسس بشكل حقيقي لنظام عالمي جديد، خصوصًا أن البيان بدأ بالحديث عن الديمقراطيات وانتقاد الرؤية الغربية في هذا الشأن، وصولًا إلى حروب وعسكرة الفضاء، ودق أجراس إنذار لضرورة إحياء منظومة الأمم المتحدة وعدم التلاعب بها. ودعا الطرفان خلال لقائهما في بيجين إلى “حقبة جديدة” في العلاقات الدولية ووضع حد للهيمنة الأمريكية، معلنين شراكة “بلا حدود” بين الجانبين، وجاء في البيان المشترك أن موسكو وبكين “تعارضان أي توسيع للحلف الأطلسي مستقبلًا”، وقد دعمت بكين مطلب روسيا بضرورة عدم ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، وأبدت روسيا دعمها لموقف بيجين بأن تايوان جزء لا ينفصل من الصين.
ورغم دعم بيجين الصريح للموقف الروسي، فإن الرئيس شي يحتاط بعناية في رهاناته، خصوصًا أن عدوانية بوتين في الأزمة الراهنة تخدم المصالح الصينية بشكل كبير، على الأقل في الوقت الحالي، إذ إن أي تحرك عسكري روسي فوق الأراضي الأوكرانية من شأنه أن يحول التركيز الاستراتيجي للولايات المتحدة عن الصين، وهو الأمر الذي ستفضله بكين بكل تأكيد.
لقد خالفت بيجين كل حسابات واشنطن، وأسقطت تقديراتها حول حياد الصين في هذه الأزمة بعد أن سعت إلى ذلك، وأصبحت الصين مؤيّدة لروسيا في هذا الموقف الخطير، الذي تبناه بوتين في أوكرانيا. الأمر الذي تبدي فيه الصين وروسيا تحديهما لميزان القوة في النظام العالمي منذ نهاية الحرب الباردة.
إن الشعور بالتاريخ يوحّد البلدين أكثر في لحظة يتصرفان فيها كلاهما على أساس أن النظام العالمي يعاد تشكيله بسبب الضعف الأمريكي، مما يوجد فرصًا لموسكو وبكين لاختبار وتقسيم الغرب. وإذا كان البلدان يخططان لتحركات عسكرية استراتيجية من شأنها أن تعيد رسم الخرائط وتستنفر معارضة غربية، فإنه يتعين عليهما توزيع الأدوار، ووضع الخطط والموارد في وجه خصمهما المشترك، وهو الولايات المتحدة.
ويبدو أن الصين وروسيا تريان مصلحة مشتركة في غزو روسي مسلح لأوكرانيا يختبر مدى قوة الرئيس الأمريكي جو بايدن. الأمر الذي يشجع الصين على غزو تايوان.
تحرك بوتين من أجل السيطرة على أوكرانيا، كان واضحًا جليًّا في خطابه الأخير للشعب الروسي، وقد أخذ في حسابه الانسحاب الأمريكي المهين من أفغانستان، وهو يعتقد أن هذه هي اللحظة المناسبة كي يفرض نفوذه على أوكرانيا وجورجيا وتهديد بلدان أوروبا الشرقية، ويستغل بذلك ضعف أوروبا والخلافات بين بعض الأوربيين وواشنطن، ويبتز أمريكا للحصول على أكبر قدر من التنازلات، خصوصًا في ما يتعلق بدورها هي وحلف شمال الأطلسي في الأمن الأوربي.
والسؤال الآن هو ماذا سيحدث إذا غزت روسيا أوكرانيا وقد بدأت شرارة ذلك فعلًا؟
- العالم سيعاني من آثار اقتصادية خطيرة، قد لا يتحملها أي نظام، بدءا من تأثير الحرب على أسواق الطاقة، والحبوب، وسندات الدولار وأسواق الأسهم.
- ستندلع مواجهات حادة بين الشرق روسيا والصين من جهة وبين الغرب الولايات المتحدة الأمريكية وأوربا من جهة أخرى، وستؤدي إلى جر دول أخرى إلى الحرب، وربما إلى الاحتلال لا سيما دول الجبهة التي تدور في فلك الغرب.
- عجز الغرب وانعدام ثقته على أكمل نطاق، قد يدفع روسيا إلى تنفيذ خريطة انتشار جديدة.
- الحرب في أوكرانيا تعني الحرب في البحر الأسود، وهذا يعني تحويل البحر الأسود إلى وضع شبيه بشرق البحر الأبيض المتوسط، تستقر فيه الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وتبسطان هيمنتهما بشكل كامل، ولن يخرجا أبدًا من هناك مرة أخرى، ومثل هذا الوضع في البحر الأسود سيكون خطيرًا جدًّا على تركيا.
- ستؤثر هذه الحرب على جميع البلدان المحيطة بالبحر الأسود، من مولدوفا إلى رومانيا، ومن بلغاريا إلى جورجيا، ويتعين على كل بلد أن يكون طرفًا في الحرب بين الشرق والغرب بطريقة أو بأخرى.
- سيتدفق طوفان من اللاجئين الاوكرانيين نحو رومانيا ودول شرق أوربا.
- إذا سيطرت روسيا على أوكرانيا، فإن مطالبها غير المقبولة وغير المعقولة لن تتوقف.
- العالم سيكون مختلفا تماما بعد الغزو الروسي الثالث والحاسم لأوكرانيا، وبعد هذه الحرب، سيكون هناك وجود عسكري روسي دائم في بيلاروسيا على جبهات جديدة ضد بولندا وليتوانيا.
- بعد غزو أوكرانيا ستتوجه روسيا نحو جورجيا.
- سيكون للغزو الروسي لأوكرانيا تداعياته على منطقة الشرق الأوسط حيث توجد القاعدة الروسية فى سوريا قبالة القواعد الأمريكية والأوربية المنشورة في المنطقة لا سيما فى شرق المتوسط.
- التوغل الروسي العميق في أوكرانيا والعقوبات الغربية التي تحد من الصادرات الروسية ستمثل أسوأ سيناريو عالمي، وستهدد بأزمة خبز في الشرق الأوسط ودول أفريقيا، الأمر الذي قد يؤدى إلى موجات من الاحتجاجات الشعبية، قد تغير من المعادلة السياسية في تلك البلدان.
- قد يُعطي أي تقدم روسي في أوكرانيا دفعًا لجهود موسكو للعب دور أكبر أو تحقيق تقدم في ساحات أخرى مكشوفة بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا.
- ستكون المواجهة في عُقر أوروبا، تهديدًا لها ولمنظومتها، وستدور في حضنها وتهدد أمنها
- بدون شك ستتغير الخارطة السياسية الغربية، وسلم الأولويات والعلاقات الدولية.
- ستكون الحرب أكبر اختبار يهزأ بالهيمنة الأمريكية على القيادة الغربية، وستكون أكبر اختبار يظهر عجزها عن تطبيق “النظام العالمي الجديد” الذي وعدت به.
- مع تقدم الحرب ستبلغ شظاياها تركيا، التي تسعى جاهدة لإخماد الفتيل.
- الحرب مع استمرارها ستغير من طبيعة العلاقات بين الدول الغربية، والمجموعات الحضارية التي ليست غربية.
- سيبلغ مداها العالم العربي أيضا، الذي يتوزع الولاء فيه بين الولايات المتحدة والغرب من جهة، وانتعاش العلاقات لبعض الأطراف مع روسيا من جهة أخرى، بل سيبلغ مداها إفريقيا.
الخلاصة:
الحرب بدأت، وستكون شرارة حرب عالمية، حرب عالمية لقوى نووية.. يقول الدكتور مصطفى شاهين إن روسيا بدأت بالهجوم على أوكرانيا وهذه هي البداية والناتو يبحث في فرض عقوبات اقتصادية لا يأبه بها بوتين.. بوتين يجر أمريكا وأوروبا إلى أرضه وملعبه مع هذا البرد القاسي والشديد.. أسعار الذهب سترتفع وستنخفض أسهم البورصات العالمية، وترتفع أسعار البترول وتزداد تكلفة أسعار الغذاء خاصة الحبوب، القمح والذرة والزيوت وغيرها، بسبب الحرب بين دولتين من أكبر مصدري الحبوب والبترول والغاز في العالم.