بيانات البنك المركزي المصري تدقّ أجراس الخطر

البنك المركزي المصري

أعلن البنك المركزي المصري أمس نتائج ميزان المدفوعات للربع الثالث من العام الماضي، بتأخّر زمني بلغ أربعة أشهر من موعد انتهاء الفترة، بعد أن كان الفاصل الزمني للنشر -قبل سنوات- شهرين ونصف، لكنه أفضل حالا من بيانات الدين العام الداخلي التي لم يقم بإعلانها منذ يونيو 2020 حتى الآن، أي بفاصل زمني بلغ 19 شهرا.

وكعادة عرض البيانات الرسمية أشاد البنك المركزي بنتائج ميزان المدفوعات الخاصة بالربع الثالث من العام الماضي، التي تمثل الربع الأول من العام المالي الحالي 2021/2022، والتي أسفرت عن فائض بلغ 311 مليون دولار مقابل عجز بلغ 69 مليون دولار في الربع المقابل من العام الأسبق، واعتبر البنك المركزي أن ذلك الفائض إشارة إلى قدرة الاقتصاد المصري على تحمّل التداعيات السلبية لجائحة كورونا.

وعلى نفس المنوال سارت وسائل الإعلام التي أشادت نقلا عن البيان الصحفي للبنك المركزي، بزيادة غالب موارد العملات الأجنبية، نتيجة زيادة الصادرات والسياحة والاستثمار الأجنبي المباشر وتحويلات المصريين بالخارج ودخل قناة السويس.

ولم يكلف أحد من هؤلاء نفسه تحليل بيانات ميزان المدفوعات المُعلنة، التي تشير إلى موارد النقد الأجنبي من كافة القطاعات، وعلى الجانب الآخر المدفوعات المصرية بالنقد الأجنبي لدول العالم، التي ينتظرها المجتمع الاقتصادي لمحاولة التعرف على أوضاع الاقتصاد الحقيقي، في فترة ساد فيها الغموض وعاد الحديث عن الحاجة إلى تعويم جديد للجنيه المصري.

    عجز حقيقي بـ9.2 مليارات في ربع عام

وبالفعل كانت تلك البيانات مهمة للغاية، حيث كشفت عن مشاكل خطيرة يواجهها الاقتصاد المصري في الفترة الحالية، وأول تلك المشاكل أنه لا يوجد فائض حقيقي نتيجة زيادة الموارد عن المدفوعات كما قال البيان الصحفي للمركزي، حيث تضمنت الموارد البالغة 34.3 مليار دولار، قروضا جديدة من الخارج بقيمة 5.9 مليارات دولار، كما اشتملت على موارد من مبيعات أدوات دين حكومية بقيمة 3.56 مليارات دولار أخرى وهي تمثل اقتراضا أيضا.

ويعني ذلك أن القروض وما يسمى استثمارات الحافظة بلغا معًا 9.467 مليارات دولار، وهو ما يمثل نسبة 18% من مجمل الموارد، بينما يتحدث البنك المركزي عن فائض بلغ 311 مليون دولار، وهو ما يعني أن هناك عجزا حقيقيا بين الموارد والمدفوعات من النقد الأجنبي بلغ 9.156 مليارات دولار خلال ربع عام فقط، أي أنه في حالة استمراره المتوقع ستكون هناك حاجة إلى المزيد من الاقتراض خلال باقي فصول العام المالي الحالي لسد الفجوة.

كما كشفت بيانات البنك المركزي حين ذكرت أن استثمارات المحفظة للأجانب بمصر قد بلغت 3.561 مليارات دولار، أن مشتريات الأجانب من أدوات الدين الحكومية متدنية؛ فالمعروف أن مصر قد باعت سندات دولية بقيمة 3 مليارات دولار خلال شهر سبتمبر الماضي، مما يعني أن باقي نصيب مبيعات أدوات الدين الحكومي للأجانب، من أذون وسندات الخزانة المحلية بالجنيه المصري قد بلغت 561 مليون دولار فقط خلال ثلاثة أشهر، بمتوسط 187 مليون دولار في الشهر.

وهو رقم متدنٍّ يشير إلى تأثر تلك التدفقات التي يعوّل المركزي عليها كثيرا لعلاج السيولة الدولارية، والأخطر من ذلك أن بيانات مشتريات الأجانب لأذون الخزانة المصرية خلال شهري أكتوبر ونوفمبر الماضيين، قد أشارت إلى بيع الأجانب جانبا من مشترياتهم السابقة لتصل قيمة خروجهم إلى حوالي 3.536 مليارات دولار خلال شهرين.

يقع هذا وأسعار الفائدة الأمريكية لم تتغير بعد، فما بالنا إذا ارتفعت خلال شهر مارس القادم كما هو متوقّع. أما عن موقف مشتريات الأجانب لسندات الخزانة بالجنيه المصري، فهو غير معروف لأن البنك المركزي لم يعد ينشرها منذ سنوات ونفس الأمر بالنسبة لوزارة المالية.

  زيادة الواردات أكبر من الصادرات

وبالعودة إلى بيانات ميزان المدفوعات في الربع الثالث من العام المالي المنشورة أمس، نجد أنه من الطبيعي أن تتحسن بها الموارد نظرا لاختلاف الواقع المحلي والدولي خلال تلك الفترة الزمنية عن فترة المقارنة التي تمثل الربع الثالث من 2020، وهي فترة شهدت بدايات الخروج من الحظر الكلي الذي شهده الربع الثاني من العام.

وقد أثر ذلك الحظر في موارد النقد الأجنبي من تصدير وسياحة واستثمار وغيرها، أما الربع الثالث من العام الماضي فقد جاء بعد خمسة فصول من ذروة حالة الإغلاق، وبالتالي من الطبيعي أن تتحسن فيه موارد مصادر النقد الأجنبي عند تعايش العالم مع آثار الفيروس.

لكن على الجانب الآخر زادت المدفوعات أيضا، مع ارتفاع أسعار الغذاء والمعادن والطاقة، إلى جانب أن نسبة حوالي 60% من الصادرات المصرية هي أصلا مكونات مستوردة، ومن هنا نجد أنه إذا كانت الصادرات السلعية قد زادت قيمتها بنحو 2.5 مليار دولار خلال الربع الثالث من العام الماضي، فقد زادت قيمة الواردات بقيمة 5.1 مليارات دولار في نفس الفترة.

ليرتفع العجز التجاري بنحو 2.5 مليار دولار فيصل إلى أكثر من 11 مليار دولار في ربع عام، وهو ما يعني توقع بلوغه 44 مليار دولار خلال العام المالي، وهو من أكبر العوامل التي تضغط على سعر الصرف وتدفع إلى تحريكه.

وهكذا تمثل زيادة قيمة الواردات بنسبة 34% أبرز مصادر الخطر أمام الاقتصاد المصري في الفترة الحالية، حيث إن استمرار نفس قيمة الواردات البالغة 19.9 مليار دولار خلال باقي فصول العام المالي الحالي يعني توقع بلوغ قيمة الواردات حوالي 80 مليار دولار، وهو رقم متوقع في ظل استمرار ارتفاع سعر البترول الذي أصبح يدور حول 90 دولارا للبرميل خلال أواخر يناير الماضي.

ويتوقع استمرار ارتفاعه مع امتداد خطر الحوثيين إلى الإمارات ثالث أكبر المنتجين بأوبك، والنزاع الروسي الأوكراني واحتمال استخدام روسيا المنتج الثاني للنفط بالعالم سلاح الطاقة ردًّا على العقوبات المتوقعة عليها، وأثر الخلافات في ليبيا على معدلات إنتاجها النفطية، في وقت تصل فيه نسبة الاكتفاء الذاتي البترولي لمصر حوالي ثلثي الاستهلاك.

 توقع استمرار فجوة الموارد

وكذلك ارتفاع أسعار القمح بسبب النزاع الروسي الأوكراني حيث إن كلا منهما من كبار المنتجين له وللحبوب، ومصر هي أكبر مستورد للقمح بالعالم. وكذلك انتقال موجة التضخم العالمي إلى مصر من خلال الواردات التي لا يمكن الاستغناء عنها خاصة السلع الاستثمارية والمواد الخام والوسيطة والغذائية، ويضاف إلى ذلك الواردات المصرية غير المسجلة رسميا التي تتم عبر التهريب بالمنافذ الجمركية والسواحل والحدود وتتطلب تدبير قيمتها بالعملة الصعبة.

وليست الواردات وحدها هي التي تتطلب من مصر تدبير عملات أجنبية لشرائها، فهناك مدفوعات فوائد الاستثمارات التي بلغت حوالي 4 مليارات في ربع عام، أي أنها تتطلب حوالي 16 مليار دولار خلال فصول العام المالي.

خطر آخر تشير إليه بيانات البنك المركزي وهو بلوغ قيمة مدفوعات القروض حوالي 5 مليارات دولار، رغم إعلان السعودية تأجيل سداد أقساط قروضها، وهو ما نتوقع أن تكون الإمارات والكويت قد انتهجته، مما يعني الحاجة إلى حوالي 20 مليار دولار أخرى لسداد أقساط القروض.

وهكذا يتوقع استمرار العجز الضخم بالميزان التجاري، وبميزان المعاملات الجارية الذي زاد عجزه أيضا رغم تحسن فائض ميزان الخدمات، حيث إن الصادرات المصرية قدرتها ليست كبيرة على النمو، وجانب كبير من زيادتها في العام الماضي كان بسبب ارتفاع الأسعار العالمية، وليس بسبب ارتفاع كميات الصادرات.

كذلك فإنه رغم تحسن إيرادات قناة السويس فإن وزنها النسبي من مجمل الإيرادات أقل من 5%، ونفس النسبة للاستثمار الأجنبي المباشر، أما السياحة فقد تأثرت بمتحور أوميكرون وتراجعت معدلاتها خلال الربع الأخير من العام الماضي، وهو ما يعني إجمالا استمرار فجوة الموارد من العملات الأجنبية واستمرار الضغط على سعر الصرف.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان