ضرب الزوجة بين شيخ الأزهر والمتاجرين بالتنوير

لا تمر بضعة أشهر حتى يخرج إعلام النظام العسكري في مصر بالهجوم على مشيخة الأزهر، إما تاريخًا، أو مؤسسة، أو شيخًا، أو منهجًا، في ظاهرة لم تعد مستغربة، فقد أصبحت واجبًا ثابتًا تسعد به الأذرع الإعلامية سعادة الجلاد بجلد المظلوم، وأصبح الأمر مرضًا أكثر منه تأدية واجب.
وآخر هذه الطلعات المستأجرة: ما خرج به إسلام البحيري، الذي يصر عمرو أديب على تقديمه على باحث وكاتب إسلامي، ولا ندري أيّ كتاب كتب، أو أيّ بحث أخرج؟ لقد ظل خالد محمد خالد رحمه الله يكتب، ولم يطلق عليه الكاتب أو الباحث إلا بعد أن بلغ من العمر سنين، وكتب ما يزيد على عشرين كتابا، ملأ بها الدنيا، وشغل الناس.
القضية المراد الهجوم بها على الأزهر وشيخه هذه المرة، هي موضوع قديم تحدث فيه شيخ الأزهر عن حكم ضرب الزوجة، واستدل بالآية التي يحفظها الجميع {وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ} النساء: 34. ولست بصدد الحديث عن الآية هنا، وما فهمه فقهاء قدامى ومعاصرون من معنى الضرب هنا، ولكن أراد البحيري أن يزايد على شيخ الأزهر، وأن يظهر أن رأيه خطأ، رغم أن شيخ الأزهر ذكر رأيه بضوابطه وشروطه، سواء اتفقت معه أم لم تتفق.
ولن أناقش هنا في مقالي موقف الفقهاء قديما وحديثا من مسألة ضرب الزوجة، لأنها ليست قضية شرقية ولا عربية، بل إن ثقافة العنف الأسري هي ثقافة غربية بامتياز، وليست من قضايا بلادنا بالأساس، وليس من الصواب إعطاء أهمية لقضايا بيئة غير بيئتنا، فنجعلها من أولويات قضايانا في حين أنه لا حضور لها بما يستدعي الحوار والحديث، ولأن من ينظر في القضية شرعا، عليه أن ينظر في جميع النصوص الواردة، التي لخصها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “ولن يضرب خياركم”.
أما موضع النقاش هنا فهما جملتان وردتا في كلام البحيري، أما الجملة الأولى فقوله: النشوز هنا ليس معناه عدم طاعة الزوج، بل معناه الميل إلى طرف ثالث خارج إطار الزوجية، أو أنه رأى زوجته تميل إلى غيره على مراحل، وأن الضرب هنا مذكور كعقوبة لهذه الحالة. وأما الجملة الثانية، فقوله: كلام شيخ الأزهر مخالف للدستور، والدستور فوق الجميع، ونحن تعبنا لنضع دستورا مهما وعلينا أن نحترمه.
المتاجرة بالتنوير بين البحيري وزيدان:
وهنا تكمن قضية المتاجرة بالتنوير، فالبحيري تاجر بامتياز بقضية المرأة والتنوير، أو ما أطلقت عليه: النضال الطري، وقد جره نضاله الطري المتاجر بالتنوير والمرأة إلى خطأ فادح تنويريًّا أكثر مما أراد أن ينسبه إلى شيخ الأزهر.
فقد عرف النشوز تعريفا لا تقره لغة ولا شرع ولا عرف، ومع ذلك سنسلم له به، ولن أناقشه كثيرا فيه، وقد رد عليه يوسف زيدان، ليس من باب الغيرة على الشريعة والتراث، بل من باب المكايدة أيضا، فهنا صراع بين اثنين ممن يتاجرون باسم التنوير والمرأة، ويريد كل منهما أن يزايد على الآخر، أو يعلو سهمه على الآخر عند النظام وأذرعه الإعلامية. هذه مسألة واضحة، فمن قبل رد زيدان على البحيري في قضية السنة، ليس حبًّا لها ودفاعًا عنها، بل لنفس الغرض. وهو ما يتجلّى بوضوح في أن الجمهور يقع أسير أشخاص لديهم نزق الظهور، ونزق المتاجرة بالتنوير، وأسهل أبوابه ولوجًا: قضية المرأة.
البحيري يجيز الضرب في الخيانة والمثلية:
أراد البحيري أن يحرج مشيخة الأزهر بكلامه عن ضرب الزوجة الذي وضع له شروطا، وأوضحه بشكل ما، فقال: النشوز في الآية مقصود به الخيانة الزوجية، أي أن البحيري ينتهي لنفس النتيجة وهي الضرب، ولكنه يختلف في حالتها فقط، فهو يقر ضرب المرأة، ولكن ليس في حالة النشوز بما عرفه به شيخ الأزهر، بل بتعريفه هو: الخيانة الزوجية، من أحد الطرفين، وأن النشوز متعلق بالطرفين الرجل والمرأة، يعني لو أن الرجل كذلك خان، أو أقام علاقة مع مثله، سواء بما يطلق عليه الشذوذ أو المثلية، فعندئذ يعاقب بالضرب، ونسي أنه بذلك أراد إرضاء طرف، فأغضب أطرافا كان يودّ مغازلتهم بكلامه، ولكنه وقع من حيث لا يدري.
وفي تعريفه للنشوز، هنا ينطبق النشوز على المرأة التي تنقل عواطفها ومشاعرها خارج إطار الزواج، يعني أن ذلك يمكن أن يكون لرجل أو امرأة، فقد تكون امرأة خائنة، أو امرأة تفعل السحاق مع امرأة أخرى، أي بتعبير البحيري وغيره: مثلية، فهو هنا يجيز ضرب المرأة المثلية أو الخائنة. لقد أراد المزايدة على شيخ الأزهر، فوقع في شر أعماله، ولا أدري ما موقف من يعتبرونه تنويريًّا ومدافعًا عن المرأة بهذا الرأي، الذي يرى فيه ضرب المرأة والرجل في حالة المثلية والخيانة؟!!
وبالمناسبة فكلام البحيري لا يقول به الشرع، فعند الخيانة الزوجية ليس للزوج ضرب الزوجة، بل هناك حالتان بيّنهما القرآن الكريم في حالة زنا المرأة، الحالة الأولى أن يأتي الزوج بأربعة شهود، فيقام عليها الحدّ كما نص عليه القرآن الكريم.
والحالة الثانية أن يعلم الزوج أن زوجته تخونه بفعل الفاحشة، وليس لديه شهود على ذلك، وعندئذ لا يضرب ولا يعاقب، بل يكون بينهما ما يسمى في الإسلام اللعان، كما قال تعالى: {وَٱلَّذِينَ يَرۡمُونَ أَزۡوَٰجَهُمۡ وَلَمۡ يَكُن لَّهُمۡ شُهَدَآءُ إِلَّآ أَنفُسُهُمۡ فَشَهَٰدَةُ أَحَدِهِمۡ أَرۡبَعُ شَهَٰدَٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ. وَٱلۡخَٰمِسَةُ أَنَّ لَعۡنَتَ ٱللَّهِ عَلَيۡهِ إِن كَانَ مِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ. وَيَدۡرَؤُاْ عَنۡهَا ٱلۡعَذَابَ أَن تَشۡهَدَ أَرۡبَعَ شَهَٰدَٰتِۭ بِٱللَّهِ إِنَّهُۥ لَمِنَ ٱلۡكَٰذِبِينَ. وَٱلۡخَٰمِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَآ إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّٰدِقِينَ} النور: 6-9.
ولا يوجد في نصوص القرآن أو السنة ضرب المرأة أو الرجل عند الخيانة، بل الحكم إما حد قدره الشرع، أو لعان بين الزوجين.
مخالفة الدستور بين شيخ الأزهر والسيسي:
أما قولنا إن البحيري وأمثاله يدعون التنوير، وإنهم يكيلون بأكثر من مكيال، فلأنه يرى أن فتوى شيخ الأزهر تخالف الدستور، ولا ندري فيم تخالفه؟! ولأنه يعلي من شأن الدستور بشكل فيه متاجرة واضحة، ومزايدة باسم التنوير والدفاع عن المرأة، فإذا كان البحيري وأديب يقدران الدستور فعلا، فهناك حالات من انتهاك الدستور لا ينازع فيها أحد، نود معرفة رأيهما فيها.
فمثلا: تم خرق الدستور في قضية تعيين المفتي عن طريق هيئة كبار العلماء، ورؤساء الجامعات، وكل ما كان بالانتخاب في الدستور تغير تغيّرا كاملا وأصبح بالتعيين، فما الموقف من انتهاك هذا الدستور؟! بالطبع لا جواب، ولا تعقيب، فهنا مخالفة السلطة لا تعد من التنوير، بل تعد تطرفا وإرهابا، حسب فهم البحيري وأمثاله!!
ضرب المرأة بين الزوج والنظام:
ثم لو كانت الحجة الدفاع عن المرأة، وصيانة المرأة من المهانة، فما موقف البحيري وأمثاله من ضرب المواطن أو المواطنة وتعذيبها في أقسام الشرطة؟ وقتل المرأة في الشوارع والميادين، لن نذكر أسماء نساء من الإسلاميين، بل سنذكر حالة امرأة حملت الورود في ذكرى ثورة يناير، فقامت الشرطة بقتلها في شارع من أشهر شوارع القاهرة، وهي السيدة: شيماء الصباغ، وهناك حالات غيرها لا حصر لها، بداية من سحل الفتاة في ميدان التحرير، التي لقبت بست البنات؟!
وما الموقف من إمساك رجال الشرطة بنساء في مظاهرات سلمية، بمنتهى المهانة، بل والتحرش، سواء في المظاهرات، أو في زياراتهن لذويهن بالسجون، ما موقف من يرفعون لافتة حق المرأة وحماية المرأة؟ أم أن هذا الحق مصون عندما يكون المنتهك فردا، لكن عندما يكون المنتهك هو النظام، فهو عمل مبارك، وتنويري، وهو لحماية الوطن والدلة؟!
وبالطبع نحن ضد إهانة المرأة أو الرجل، أيا كان من يمارس تلك الإهانة، لكن الأيام تثبت دومًا أن هؤلاء المتاجرين بالتنوير وقضايا المرأة، ما هم إلا أدعياء، لا ترتفع أصواتهم إلا فيما هو ليس من قضايا الوطن الحقيقية، ولا من قضايا المظالم الحقيقية، بل المظالم المدعاة، أو التي يتم تهويلها، في حين أنهم يصمتون عن المظالم الحقيقية، بل في مظالم السلطة هم دعاة ومؤيدون، وكل ذلك باسم التنوير وحقوق المرأة!!