البيض “الأورجانيك” وحرب أوكرانيا!

عمرو أديب

 

على الرغم من التفاف جنود الملك لويس السادس عشر حوله؛ إلا أن الشعب الفرنسي الثائر بسبب الجوع في أكتوبر عام 1789 اتجه في حشود غاضبة، ووقف أمام قصر فرساي وحاصره وهو يهتف بغضب وحماس؛ لأن الأمور وصلت بهم إلى أنهم لا يجدون رغيف الخبز.

وعندما وصل صوت الشعب الغاضب إلى الملكة ماري أنطوانيت، سألت مستشاريها عن سبب غضبة الشعب، فأجابوها بأنه غاضب بسبب تردّي أوضاع البلد الاقتصادية، وعدم قدرتهم على الحصول على الخبز، فقالت قولتها المشهورة: “إذا لم يكن هناك خبزٌ للفقراء… دعهم يأكلون كعكا”!

لم تمر 4 أعوام حتى أكملت الثورة الفرنسية دورتها، وحكمت على “لويس” بقطع الرأس، بينما أعدمت الملكة ماري أنطوانيت في 16 أكتوبر 1793 م، بعدما اقتُيدت في عربة مكشوفة دارت بها في شوارع باريس، حيث رماها المواطنون بالأوساخ، وكل ما يقع تحت أيديهم، وقصوا شعرها الطويل، ثم وضعوا رأسها الصغير في المكان المخصص بالمقصلة التي أطاحت به بكل قوة، وكان عمرها وقتها 38 سنة حين أُعدمت.

ورغم أنه لا يوجد دليل على مقولة “ماري” عن الخبز والكعك؛ إلا أن ما قاله الإعلامي المصري عمرو أديب في برنامجه جعلني أصدق ما قالته ماري أنطوانيت، ففي ظل الارتفاع المتوحش للأسعار في مصر قبل الحرب الروسية الأوكرانية، وزيادتها لأضعاف بعد نشوب الحرب، وسوء وتردي الأوضاع، لم يجد عمرو أديب علاجا لمشاكل الأسعار إلا في نصيحة المصريين بألا يأكلوا بيض “أورجانيك”، والاكتفاء بالبيض العادي وتناوله بالبسطرمة. وعن الخبز طالب عمرو بالعودة للزمن الماضي، وصناعته في المنازل، والاستغناء عما هو غالٍ وشراء الأرخص.

البيض الأورجانيك

بعيدا عن أن الخبز في المنازل لأهل المدن بات مكلفا ويحتاج لأدوات معينة واستهلاك كبير في الغاز؛ إلا أنه تناسى أن سبب المشكلة هو ارتفاع سعر القمح والدقيق بصورة كبيرة، خاصة أن مصر من الدول التي تستورد 80% من احتياجاتها للقمح من الخارج، وبين أكبر الدول التي نستورد منها تأتي روسيا وأوكرانيا.

وقد أثار حديث عمرو أديب خلال برنامجه “الحكاية” عن البيض “الأورجانيك” رواد السوشيال ميديا، مما جعلهم يبحثون عن معلومات عنه عبر مواقع الإنترنت، وهم يعانون من ارتفاع أسعار البيض العادي، ولا يعرفون ما هو البيض “الأورجانيك”، الذي اكتشف المصريون أنه بيض يتم إنتاجه بشكل طبيعي دون دخول لقاحات أو أدوية بيطرية في إنتاجه، وكذلك لا يتم إعطاء لقاحات أو مضادات حيوية للدواجن المخصصة لإنتاج هذا البيض، كما أن تلك الدواجن تعيش في مزارع صحية، وتعتمد في طعامها على أعلاف طبيعية ومياه “معدنية”!

ولكنه التعالي من قبل طبقة جديدة نمت وترعرعت في الآونة الأخيرة لا تشعر بالشعب ولا تحس به، حيث تتقاضى الملايين في الوقت الذي لا يجد فيه معظم الشعب قوت يومه، وكان على عمرو أن يطلب من المصريين بدلا من عمل الخبز في المنازل أن يأكلوا “البريوش” ـالترجمة الفرنسية لمقولة ماري أنطوانيت بصورة دقيقةـ “دعهم يأكلون البريوش”، وهو نوع من الخبز الفرنسي الفاخر الذي يُصنع أساسا اعتمادا على الدقيق والبيض والزبد.

يتحدث عمرو أديب عن أن كل المصريين يذهبون للتسوق في محلات السوبر ماركت المشهورة، وعليهم المقارنة بين الأسعار واختيار الأرخص، ولا يعلم أن المصري الآن يحاول أن يختار الأرخص دائما حتى ولو كان رديئا حتى يتغلب على ظروفه المادية، وليس لديه رفاهية الاختيار، وأن تناول البيض بالبسطرمة من ضمن الرفاهيات بعد أن وصل سعر كيلو البسطرمة إلى حوالي 300 جنيه مصري.

مصر الأولى في استيراد القمح

يتحدث عمرو وأمثاله عن ارتفاع الأسعار، وأنها عالمية وليست في مصر وحدها؛ بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وتناسوا أن السبب يعود إلى أننا نستورد معظم غذائنا واحتياجاتنا، فنحن نحتل المرتبة الأولى في استيراد القمح، ونستورد من أوكرانيا وحدها حسب الجهاز المركزي للإحصاء بما يقرب من 1.2 مليار دولار من القمح سنويا، وبذور وأثمار زيتية بـ 30.3 مليون دولار، ولحوم بـ 8.7 مليون دولار، وملح وكبريت بـ 7.1 مليون دولار، ودهون وزيوت حيوانية ونباتية بـ 6.8 مليون دولار، وحديد وصلب بـ 96.8 مليون دولار، وخامات معادن بـ 90.2 مليون دولار، ومصنوعات حديدية بـ 20.3 مليون دولار، وتبغ وأغذية للحيوانات بـ 50 مليون دولار.

وأظهرت بيانات الجهاز أن قيمة واردات مصر من القمح سجلت 2.4 مليار دولار خلال الـ 11 شهرا الأولى من عام 2021، مقابل 2.9 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2020 بنسبة انخفاض قدرها 16.2%.

وبلغت واردات مصر من القمح 6.1 مليون طن خلال الـ 11 شهرا الأولى من عام 2021، مقابل 11.8 مليون طن خلال نفس الفترة من عام 2020 بنسبة انخفاض قدرها 48.4%.

وتحتل روسيا المرتبة الأولى التي تستورد منها مصر القمح، والتي أصدرت قرارا بمنع تصدير القمح حتى 31 أغسطس المقبل ولحين إشعار آخر.

وبدلا من أن يعتذر عمرو عن وضعنا الكارثي، وحديثه عن البيض الأورجانيك، صبّ جام غضبه على قناة الجزيرة، واتهمها باجتزاء كلامه، واصطنع البطولة قائلا: “هذا عملي، وهذا وطني، وهذا قدري”.

وتناسى أن جميع المواقع المصرية بلا استثناء وصفحات السوشيال ميديا تناولت كلامه الغريب عن البيض الأورجانيك، وصناعة الخبز في المنزل.

ويبقى السؤال متى ينزلون من أبراجهم العاجية وقصورهم المرمرية ليعلموا أن الشعب لا يريد سوى الخبز، ولا يطمع في الجاتوه؟!

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان