مسجد الحسين وإغلاقه.. ومليار التطوير!

مولد الحسين

ذهبت إلى مسجد الحسين عليه السلام، وأنا طفل مع والدي، ولمّا دخلناه، وجدت نفسي كأننا عدنا إلى شارع الأزهر الذي كنا نسير فيه منذ دقائق للوصول إليه، وذلك بسبب غياب الهدوء والنظام في واحد من بيوت الله الذي يُفترض أنه مكان للعبادة والروحانيات.

وقد تسمّرت مكاني وأنا أرى نساءً ورجالًا يتزاحمون، وهم يطوفون حول المقام، كأنه الكعبة المشرّفة، ويتوسلون بشدة وبكاء وصراخ وذِلّة للضريح الموجود في غرفة بابها يفتح على ساحة المسجد.

ولاحقًا، قرأت أن هذا الضريح لا وجود فيه لجسد أو رأس الحسين، فقد استُشهد في كربلاء بالعراق، والرأس تم قطعه وحمله إلى يزيد بن معاوية الخليفة الأموي الثاني بالتوريث والملك العضوض الذي زرع نبتته الأولى والده الخليفة الأول معاوية بن أبي سفيان.

لما كبرت، والتحقت بجامعة القاهرة، ذهبت ذات عام إلى المسجد في ليلة مولد الحسين عليه السلام من باب المعرفة، ومعايشة المعاني الطيبة في الذكر والاحتفال الديني الوقور.

وصلت إلى المسجد بصعوبة بالغة، وقلت أدخل أصلّي العشاء أولًا، فوجدت العجب، زحامًا شديدًا، وألوفًا ينامون أو يجلسون داخله، ومعهم أمتعتهم، كأنهم مُهّجرون، أو لاجئون ينتظرون نقلهم إلى أماكن آمنة، وكانت الحركة صعبة بين هذه الحشود، وبالكاد صلّيت العشاء، وغادرت فورًا، ولم يعجبني الوضع كله لأنه غير لائق بذكرى مولد حفيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا بالمسجد، ولا بكل ما يرمز إليه المولد والنسب الطاهر وطبيعة الاحتفال.

في العامين الأخيرين، يتصادف أحيانًا وجودي في منطقة الحسين، فأدخل لصلاة الفرض وأغادر على الفور رغم رغبتي في البقاء بعض الوقت.

دورات المياه المعزولة عن المسجد تقترب في فوضاها واتساخها من دورات المياه العامة إذا وُجدت، تتوضأ، ثم تخرج والمياه تتساقط من وجهك ويديك، وحذاؤك يبتل بالماء، وتسير مسافة لتدخل المسجد الواسع الذي يموج بحركة وتداخل أصوات لا تتناسب وكونه مكانًا للعبادة والخشوع.

“الهرجلة”

الحقيقة، مسجد الحسين، ومسجد السيدة زينب، وكل المساجد الكبرى، وغالبية المساجد في مصر، هي أماكن طاهرة مطهرة، لكنها زاخرة بـ(الهرجلة) وعدم الاهتمام الكافي بالنظافة، و(العواطلية) الذين يتسولون أمامها، ويلاحقونك داخلها، ولا يغادرونها، ويظنون أنهم يحسنون صنعًا.

هذه المشكلة التي بلا حل يُسأل عنها إدارات المساجد ووزارة الأوقاف حيث الإهمال والتكاسل وعدم اتقان أعمالهم في فرض الانضباط والعناية الواجبة ببيوت الله، وتوفير كل عوامل الهدوء والسكينة فيها، وتحويل البعض منهم المساجد إلى مصادر استنفاع، كما يُسأل عنها من يدخلون المساجد من المصلين، حيث السوك العام لفئات من المصريين يخاصم الرقي والتحضر.

صلّيت كثيرًا في مساجد خارج مصر، ووجدتها تعكس المعنى الحقيقي للمسجد، ولا مأخذ واحدًا عليها، شيء بديع ورائع حقًا.

لهذا، لم أنزعج من إغلاق مسجد الحسين في رمضان المقبل بمبرر تطويره، والحقيقة أنه هو وكل المساجد الكبرى والصغرى بحاجة إلى التطوير بالفعل؛ تطوير في البنية الأساسية، وتطوير آخر أهم في السلوك للقائمين عليها، وللمصلين الداخلين إليها، لكن انزعاجي الحقيقي من الأرقام الضخمة لتطوير المسجد والمنطقة المحيطة به لتكون مزارًا سياحيًا عالميًا كما قيل، وبلغت مليار جنيه.

المشكلة عندي ليست في إغلاق المسجد أو فتحه، إنما في المال الذي يجري الحديث عنه للتطوير والتجديد.

وهنا نسأل: ما مصدر هذه الأموال في دولة تستدين، وتواصل تقليص الدعم، ويشهد مواطنوها موجة غلاء جديدة فاحشة؟ وعلى أي أساس تم تقدير أن خطة التطوير تستحق هذا المبلغ الكبير جدًا؟ ومن يضمن أن يتم التطوير على الوجه الصحيح؟ ومن يتيقن أن الإنفاق على تجديد المسجد والمنطقة سيستهلك هذا المبلغ بالفعل؟ ومن يضمن عدم حدوث تلاعب أو إهدار في إنفاق المال المخصص للتطوير؟

الحقيقة، أن لا شيء مضمونًا عندي، ولا أثق بالأرقام المعلنة في أي مجال، إلا بعد التيقن من صحتها من مصادر متعددة.

يمكن أن أصلّي في أي مكان، وليس شرطًا المسجد، لكن المال العام هو الذي يؤرقني دومًا.. والرقابة على تخصيصه وأوجه إنفاقه، وعدم إهداره أو سرقته، والمحاسبة الصارمة عليه، هو الشرط الحاكم للضمير والأخلاق والإيمان الفعلي بالله.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان