رفقا بمزارعي القمح المصري

جاء قرار وزير التموين المصري بشأن التوريد الإجباري للقمح الصادر أول أمس الثلاثاء صادما ومخيفا للفلاحين وللتجار الزراعيين وحتى لأصحاب وسائل نقل المنتجات الزراعية؛ إذ تضمن القرار إلزام مزارعي القمح في موسم حصاد 2022 الذي يبدأ أول الشهر القادم، بتسليم 12 أردبا في الحد الأدنى من كل فدان، رغم أن التوريد الإجباري للمحاصيل قد انتهى منذ سبعينيات القرن الماضي.
ومن حق الفلاح أن يبيع محصوله لمن يعطيه السعر الأعلى حسب قوانين حرية السوق المتبعة منذ عقود، خاصة أن السعر الذي أعلنت عنه الحكومة المتراوح بين 865 و885 جنيها للأردب حسب درجة النظافة، لم يجد قبولا لدى مزارعي القمح الذين طالبوا بألا يقل سعر التوريد للجهات الحكومية عن ألف جنيه للأردب؛ وذلك ليتمكّنوا من تعويض ما أنفقوه من إيجار وتكاليف عمالة وسماد ومستلزمات، فضلا عن تكاليف النقل إلى منافذ التسليم.
وعزز مطلبهم أن سعر القمح عالميا خلال شهر فبراير الماضي كان قد بلغ 390.5 دولارا، وهو ما يوازي 6115 جنيها مصريا، في حين تبلغ قيمة الطن -حسب أعلى جودة وفق السعر الذي قررته الحكومة للأردب- 5900 جنيه، أي أن الفرق بين سعر فبراير العالمي وسعر التسليم للحكومة يبلغ 215 جنيها للطن، وقد يزيد هذا الفرق بسبب تكلفة الشحن البحري في حالة الاستيراد التي زادت في ضوء ارتفاع أسعار النفط. هذا فضلا عن الجودة التي يتمتع بها القمح المصري مقارنة بالمستورد.
وفي شهر مارس الحالي زاد سعر طن القمح عالميا بنحو مائة دولار بإقرار رئيس الوزراء المصري بذلك، حيث وصل سعر البوشل إلى 10.54 دولارات أي حوالي 479 دولارا للطن وهو ما يعادل 7505 جنيهات مصرية، ثم وصل سعر البوشل في جلسة تالية إلى 12.94 دولارا أي حوالي 496 دولارا للطن وهو ما يعادل 7772 جنيها مصريا.
تصريح حكومي لبيع باقي الكمية
بينما كان المزارعون يطالبون بوصول سعر الأردب الي ألف جنيه أي حوالي 6666 جنيه للطن، مع توفير قيمة النقل من الخارج وقيمة التأمين على الشحنات المستوردة، ودفع القيمة محليا بالجنيه، بينما سيتم الدفع للخارج بالدولار الذي تعاني البنوك المصرية التجارية من عجز به، مستمر منذ شهر يوليو الماضي وحتى شهر يناير كآخر بيانات متاحة، لكن الحكومة حددت سعر الطن للتوريد ما بين 5766 جنيه الي 5832 جنيه و5900 جنيه حسب درجة النظافة.
ورغم أن التوريد الإجباري للمحاصيل غير قانوني، فقد وضع قرار وزير التموين قيودا على بيع المزارع باقي ما حصده بعد توريد ما فرضته عليه الحكومة، حيث لا يستطيع بيعه إلا بعد تصريح من وزارة التموين يتضمن الموافقة على الكمية والغرض من الشراء وأماكن التخزين.
فهل يستحق باقي الكميات الصغيرة في ظل صغر مساحة الحيازات الزراعية سفر المزارع من بلده إلى مقر الوزارة للحصول على هذا التصريح؟ ف
فمتوسط إنتاجية الفدان حوالي 18 أردبا، وسيعطي منها الفلاح 12 أردبا للحكومة مجبرا، وإذا زرع خمسة أفدنة وأراد بيع ما بقي لديه وهو 30 أردبا أي ما يعادل 4.5 أطنان فعليه الحصول على تصريح من الوزارة.
ولو باع الفلاح تلك الكميات القليلة الباقية خاصة إذا كان قد زرع فدانين أو ثلاثة، من دون الحصول على تصريح الوزارة، فإن الأشخاص الذين اشتركوا في عملية بيع القمح مسؤولون بالتضامن سواء كانوا بائعين أو مشترين أو وسطاء أو ممولين، وفي جميع الأحوال تصادَر الكميات المخالفة ووسائل النقل التي استُعملت في نقلها.
وكأن المزارع يبيع ممنوعات وليس محصولا سهر على رعايته عدة أشهر، ومن حقه الاستفادة من ظروف ارتفاع قيمته بالأسواق؛ لأنه مع صدور قرار منع تصدير القمح والدقيق قبل أيام من وزيرة التجارة، فإن مشتري القمح سيعيد بيعه بالسوق المحلية، أو يقوم بطحنه أو تحويله إلى منتجات، وهو ما يعني الاستغناء عن استيراد تلك الكمية من الخارج بالعملات الأجنبية.
وتستمر المحاذير والعقوبات للمزارع الذي لم يسلم غالب إنتاجه للحكومة بالسعر الذي فرضته عليه؛ إذ إنه سيُحرَم من صرف الأسمدة المدعمة في موسم الزراعة الصيفي، كما سيُحرم من أي دعم من البنك الزراعي، ولا يجور له نقل القمح الناتج عن موسم حصاد 2022 من مكان إلى آخر إلا بعد الحصول على تصريح بذلك من الجهات الحكومية وهي الشركة القابضة للصوامع، والشركة العامة للصوامع والتخزين وشركات المطاحن التابعة للقابضة الغذائية والبنك الزراعي المصري.
الطاقة التخزينية لا تستوعب مستهدفات التوريد
وهنا تثور عدة تساؤلات للمسؤولين: لماذا تعاقبون الفلاح على أخطاء تسببتم أنتم فيها حين تركز استيراد نسبة 80% من القمح من دولتي روسيا وأوكرانيا، رغم أن الخلاف بينهما معروف منذ عام 2014 مع احتلال روسيا لمنطقة القرم الأوكرانية، وأثر ذلك في أسعار الحبوب حينذاك، مع احتمال تكراره؟
ولماذا تعاقبون المزارع على اختياره زراعة القمح؟ إذ إنه لو زرع برسيما فلن يتعرض له أحد، رغم استفادة أسعار البرسيم حاليا من ارتفاع أسعار الأعلاف.
وهناك ما يدعو إلى التساؤل أيضا، وهو أنه في الوقت الحالي هناك نقص في حديد التسليح وارتفاع في سعره، فهل يمكن أن تجبر الحكومة مصانع الحديد على تسليمها حصة من إنتاجها بسعر أقل أم أن الصناعيين وراءهم اتحاد وجمعيات مستثمرين أما الفلاحون فلا سند لهم؟ ولماذا تنسى الحكومة أنه حتى بافتراض تحقيق مزارعي القمح أرباحا جيدة من زراعته أن تلك الأرباح ستُنفَق على تحسين المستوى المعيشي لهم داخل البلاد، وستساهم في تخفيف الركود الموجود بالأسواق، أما إذا استوردنا تلك الكمية من القمح فسندفع قيمتها بالدولار، وستُنفَق تلك القيمة في البلد الذي جرى الاستيراد منه بدون أيّ استفادة للسوق المصرية منها.
ألم يقرأ مسؤولو الحكومة بيانات التضخم في شهر فبراير الماضي الصادرة عن جهاز الإحصاء الرسمي، التي ذكرت أن معدل الزيادة في أسعار الطعام والشراب بالريف بلغ 22% خلال الشهر، رغم تحفظ الكثير من الخبراء على بيانات التضخم المعلنة من قبل الجهاز واعتقادهم أنها أقل من الواقع.
فلتكن تلك الأرباح التي سيحصل عليها مزارعو القمح حسب اعتقاد الحكومة تعويضا عن معاناتهم من أسعار الطعام، التي بلغ معدل زيادتها بالحضر أقل من 18%، أو تعويضا جزئيا عن حرمان سكان الريف من الخدمات العامة التي يحصل عليها سكان المدن.
ولماذا تقول الحكومة إنها تسعى لشراء 6 ملايين طن قمح من المزارعين في حين أن طاقتها التخزينية بالصوامع تبلغ 3.4 ملايين طن فقط تشمل القمح المستورد والمحلي معًا؟
ثم يخرج مسؤول بوزارة التموين علينا مدعيا بلوغ السعات والقدرات التخزينية 5.4 ملايين طن شاملة الصوامع الداخلية والهناكر والبناكر والشون المطورة والصوامع المؤجرة والشون الإسمنتية، وهي أيضا قدرات لكلا القمحين المستورد والمحلي وليس للمحلي وحده، كما تفتح المجال في حالة استخدامها لفقد مزيد من القمح لتدني مستوى معظمها بالقياس مع الصوامع.
ويظل السؤال الرئيسي هل ستدفع تلك الإجراءات التعسفية مزارعي القمح لتكرار زراعته بالموسم الجديد في نوفمبر، أم سيفضل كثير منهم الاتجاه لمحصول آخر لا يجلب له المتاعب؟ لذا حبذا لو أعادت الحكومة المصرية النظر في تلك الإجراءات شاملة سعر التوريد، لتحسين صورتها لدى الفلاحين ولدى المنتجين عموما، خاصة أن لديها مهلة أسبوعين حتى بداية موسم التوريد مع بداية الشهر القادم لتعيد خلالها النظر في قرارها.