خماسية الإرهاب والكباب.. وثلاثية حامد وعرفة وإمام

خلال ست سنوات (1991- 1996) قدّم الثلاثي الفني: المؤلف وحيد حامد والمخرج شريف عرفة والفنان عادل إمام، خمسة أفلام سينمائية هي (اللعب مع الكبار) (طيور الظلام) (المنسي) (الإرهاب والكباب) و(النوم في العسل) الذي كان آخر تعاون يجمع الثلاثي الفني معًا في عام 1996 وهي السنة التي تبعد عن قيام ثورة يناير بخمسة عشر عامًا، بينما قُدّم (الإرهاب والكباب) عام 1992.
هذه الخماسية من الأفلام تُعد درّة ما أنتجه الثلاثي في مشوارهم الفني وصُنّفت أفلامًا سياسية ودخل بهم عادل إمام (الزعيم) مرحلة سينمائية جديدة. أما شريف عرفة فقد بدأ مع (اللعب مع الكبار) 1991 مرحلة النضج الفني، وكانت الأفلام الخمسة درّة مسيرة وحيد حامد الفنية، رغم كونه صاحب تاريخ سينمائي متميز، ونالت كل أفلامه كثيرًا من الجوائز في مهرجانات سينمائية مصرية على مدار السنوات، فوحيد حامد أحد أهم كتّاب الأفلام (قصة وسيناريو وحوار) منذ بداية الثمانينيات حتى آخر أفلامه (قط وفار) إنتاج 2017.
اللعب مع الكبار 1991
حسن بهنسي مواطن مصري بسيط يقف عاجزًا أمام متطلبات حياته، وهو يملك حسًّا وطنيًّا، مهمومًا بأزمات حياته، ويصادق موظفًا في شركة الاتصالات (علي الزهار) الذي يستمع لإحدى المكالمات فيكتشف جريمة تتعلق بسرقة وتهريب. يلتقي حسن وعلي دائمًا تحت سفح الهرم، ويقرر حسن إبلاغ مقدّم المباحث (معتصم) بالحادث، وعندما يسأله عن مصدره يقول إنه كان يحلم، وعلى المباحث أن تتأكد من حلمه إن كان حقيقة أم لا.
وتتعدد المكالمات وتتعدد أحلام حسن، ليكشف فساد رجال أعمال ومسؤولين يقومون بجرائم في حق الوطن، ويبدأ الصراع بين اللصوص والثلاثي (حسن وعلي ومعتصم) ليكشفوا في النهاية الموظف علي ويقتلونه، وفي مشهد النهاية يوجه (حسن ومعتصم) الرصاصات إلى الشاشة في إصرار على مواصلة الحلم ومحاربة الفساد، بطرفي الدولة المواطن حسن بهنسي والسلطة ضابط الداخلية.
طيور الظلام.. حين يتحول الفساد إلى قانون
يتواصل الفساد بين أطراف النظام والمعارضة، علاقة ثلاثية بين أصدقاء ثلاثة، لكل منهم مشوار، أبرزهم محامٍ انتهازي (فتحي نوفل) وشبيه له من التيار الإسلامي (علي الزناتي)، طريقان متوازيان، يشق نوفل طريقه بالقرب من السلطة، ولأنه يتمتع بذكاء كبير يعتمد عليه وزير فاسد ويستغل ذكاءه في كل أنواع الفساد، وعلى جانب الوزير يكون نوفل نموذجًا للفساد الذي ينخر في كيانات الدولة ومؤسساتها.
مبكرًا اكتشف وحيد حامد بدايات الفساد وتغلغله في عصب دولة مبارك (الفيلم إنتاج 1995)، وكانت كل أشكال الفساد من الكبار، شركات، تزوير انتخابات، تهريب، معلومات للبيع، استغلال نفوذ، خرق للقانون وعلاقات مشبوهة. وعلى الطرف الآخر علي الزناتي الذي يدّعي العمل بكتاب الله ورسوله، ولكنه يتاجر في السلاح والشباب، ويستخدمهم في عمليات لتقويض المجتمع. ثلاثية نخرت في جسد الوطن سنوات، الفساد والجهل والادعاء (لم يكن للمواطن في الفيلم دور، فاللعب استمر هنا أيضًا بين الكبار) كان المواطن المصري مفعولًا به كل الفساد والنهب، لم يكن فاعلًا، ولم يتخذ الدولة خصمًا.
في مشهد الانتخابات ظهر المواطن المصري حينما اقترح نوفل توزيع أقمشة اللافتات الانتخابية على الفقراء الذين لا يجدون ملابس من الفقر بدلًا من تعليقها في الشوارع (اذهبوا وخذوا القماش).
وفي مشهد النهاية، يتم إلقاء القبض على بطلي الفيلم فتحي وعلي ويدخلان السجن (الدولة تنفذ القانون)، ولكن يبقى صراع البطلين الذي يشير مشهد النهاية في الفيلم إلى أن نهاية الدولة ستكون على أيدي فاسديها.
المنسي.. الهاموش والفساد
(المنسي) مثل كل هؤلاء الذين يسيرون في زحام مناطق المرج والخصوص والمطرية، مواطن منسي يعيش حياته في أحلامه، يتزوج في أحلامه، ينجب في أحلامه، يأكل ويعيش في أحلامه، بعد يوم مليء بالإرهاق والعمل والكد، من وردية عمله إلى المقهى حيث الأصدقاء، قد يذهب إلى السينما في نهاية الأسبوع، ويعيش حياته الغائبة في مجلات نجمات السينما (ماشي في حالي باسمع كلام الحكومة في كل حاجة، ماعنديش أحلام ولا طموحات، ومش بابصّ في أي حاجة في إيد حد) هكذا المنسي وهكذ أحمد بطل (الإرهاب والكباب) مواطن يسير “جوّه الحيط”، كما تريده الحكومات، يأكل ويشرب وينام، ويترك الحكومات لتفعل ما تراه مناسبًا له، هكذا في كل العصور.
يصادف المنسي (كلنا منسيّون) في ليلة احتفالية للكبار، نفس الفساد والبيع والشراء، لكنه هنا وصل إلى بيع الأعراض والشرف، ويحاول أحد كبار رجال الأعمال إجبار واحدة من موظفيه على ممارسة الرزيلة مع رجل أعمال آخر، لكنها ترفض، وبالمصادفة تلجأ إلى المنسي، الذي يستفزه الأمر ويدافع عنها بكل ما يملك، ويتهمه رجل الأعمال في مشهد المواجهة بأنه حاقد وأنه عالة وأنه لا يعمل.. إنهم (المنسيّون) هاموش، لكنه يستطيع -رغم بؤس حالته البادية عليه- أن يحقق وعده للمرأة وينقذها، وفي مشهد النهاية يقول المؤلف وحيد حامد إن الحماية والدفاع عن الحق يأتي مع الجموع، التي تقف صدفة في مواجهة مسدسات الفساد المصوّبة نحو المنسي، في مشهد دالّ وعبقري للمخرج شريف عرفة.
الإرهاب والكباب.. المواطن السلبي
يأتي فيلم (الإرهاب والكباب) لوحيد حامد وشريف عرفة وعادل إمام، الرابع في هذه الخماسية، وقد حقق نجاحًا كبيرًا عند عرضه بدور السينما منذ ثلاثين عامًا. الفيلم يقدّم حياة مواطن بسيط أيضًا “في حاله ويسمع الكلام ويمشي جوّه الحائط”، وكل همّه أن يعيش هو وأولاده حياة هادئة، يعمل في عملين صباحًا ومساءً ليكفي متطلبات حياته، ليس له طلبات خاصة، يذهب المواطن إلى مجمّع التحرير، لاعتماد ورقة ينقل بها أولاده إلى مدرسة قريبة من منزله، تتعقد الأمور لتصل إلى اتهام بالإرهاب واحتجاز مواطنين.
يستعرض الفيلم أنواع الفساد إداريًّا وفي منظومات الدولة: الإعلام (الكذب) الصحة (غياب العلاج) العدل (غياب العدالة) الشرطة (التعسف والقهر)، وعلى الجانب الآخر مواطنون لا يعرفون لماذا الحياة، ولا كيف يعيشون فيها، يغيب عنهم الوعي والمعرفة والأمان والحياة الكريمة (فهل هم مسؤولون عن ذلك؟).
أمّا أبرز مشاهد الفيلم فهو مشهد الطلبات الذي ينتهي بالهتاف (الكباب الكباب.. لنخلّي عشيتكوا هباب)، هذا المشهد مهين جدًّا للشعب ولوعيه، فعندما يسألهم البطل أحمد “إيه طلباتكم؟” لا يجد إجابة، فيثور (يعني إنتم عايشين في نعيم). وأسال على من تقع مسؤولية هذا الجهل وهذا الاستسلام للقهر والظلم والفقر؟
أهمّ ما في فيلم الإرهاب والكباب هذه المساحة الكبيرة للأدوار الثانوية والفرعية في الفيلم، رجل الأتوبيس الذي أداه ببراعة الممثل الكبير عبد العظيم عبد الحق، عسكري التجنيد (أشرف عبد الباقي) الموظفة (إنعام سالوسة)، الموظف (أحمد عقل).
قمة المَشاهد كانت مع رجل الأتوبيس (عبد العظيم عبد الحق) حينما سأله البطل: “ما فيش حاجة ها ترخص؟” فأجابه: “في حاجات كتير هترخص، أنا وحضرتك والأستاذ اللي جنبك والهانم اللي واقفة.. إحنا كلنا هنرخص، أما الباقي هيغلى دايمًا”. وتحققت نبوءته.
(النوم في العسل) هو آخر أفلام تلك الخماسية المبدعة لثلاثي أصحاب تاريخ مهم في صناعة السينما وحيد حامد وشريف عرفة وعادل إمام، وللنوم في العسل قصة أخرى!