سينما علي عبد الخالق.. بين المقاومة وإعدام ميت في بئر الخيانة

المخرج علي عبد الخالق

يذهب جابر إلى مقر سفارة دولة الاحتلال في إيطاليا ليعرض عليهم استعداده للعمل جاسوسًا على وطنه، في نفس اللحظة التي كان رجال المخابرات المصرية لا يتركون مقرًّا للعدو دون رقابة، ومن اللحظة الأولى يكون جابر تحت أعين الحراس الذين لا يغفلون عن الأعداء.

هذا هو المشهد الصارخ المؤلم في فيلم المخرج علي عبد الخالق (بئر الخيانة) إنتاج عام 1987، عن قصة من سجلات المخابرات المصرية كتبها إبراهيم مسعود صاحب رواية الجاسوسية (إعدام ميّت) التي حوّلها المخرج نفسه إلى فيلم قبلها بعامين، وأدى دور البطولة في الفيلم الأول محمود عبد العزيز بينما مثل دور جابر في بئر الخيانة نور الشريف.

تأسيس الشخصية

استطاع إبراهيم مسعود أن يؤسس لدور الجاسوس المتطوع بالخيانة في فيلمه (بئر الخيانة) جابر لص يعيش من السرقة، صاحب نفسية لا تقبل العيش في الحلال ولا في النور، رغم جذوره الطيبة، وزوجته المخلصة التي لا تقبل الحرام حتى لو عاشت أيامًا من دون طعام، مستعدة أن تعيش وتربّي ابنها بالقليل المكتسب من عرق جبين زوجها، بما يمثّل نموذجًا لملايين النساء في مصر والأمة العربية، لكن جابر يستسهل الحياة حتى يجد نفسه في أحضان الأعداء بإرادته التعسة.

قدّم علي عبد الخالق للسينما المصرية 37 فيلمًا، منها العار والسادة المرتشون وبنات إبليس والكيف وشادر السمك وجري الوحوش وأربعة في مهمة رسمية والحقونا والبيضة والحجر وظاظا ويوم الكرامة وصيد الحيتان، وقد اعتزل الإخراج السينمائي في عام 2009 مبررًا ذلك بسيطرة سينما النجم على المجال، وتحكّم النجوم في صناعة السينما.

بين المقاومة والخيانة أربعة أفلام

تتشابه الشخصيتان بفيلمَيْ بئر الخيانة وإعدام ميّت في الجذور الطيبة والتمرد على الحياة الشريفة النقية، فكما كان جابر علي ابنًا لأسرة طيبة، فإن منصور مساعد الطوبجي هو ابن رجل من أخلص المقاومين للاحتلال الصهيوني في سيناء.

يذهب جابر إلى بوابة السفارة الإسرائيلية، بينما منصور قدماه مغروستان بالتعامل مع الصهاينة أثناء احتلال سيناء في الأعوام الستة من هزيمة يونيو حتى انتصار أكتوبر. لم تكن الحاجة أو الفقر مبررًا للخيانة بوضوح في فيلم إعدام ميت، فالبطل ابن رجل ميسور من كبرى قبائل سيناء، بينما في بئر الخيانة كان تمرد جابر على الحياة الفقيرة سببًا للخيانة.

قدّم علي عبد الخالق أربعة أفلام سينمائية عن الصراع العربي الصهيوني، غير فيلمه الوثائقي (السويس مدينتي) الذي أخرجه عام 1970 عن المدينة الباسلة وصمودها، أما فيلمه الأول فكان (أغنية على الممر) إنتاج 1972، وهو باكورة أعماله السينمائية وأحد أهم الأفلام عن حرب يونيو/حزيران 1967، وفيلم (يوم الكرامة) إنتاج 2004 عن تدمير المدمرة إيلات عقب الحرب نفسها. وبين المقاومة والتضحيات والوفاء والإخلاص وقدرة المواطن المصري البطولية في الفيلمين، وخيانة النفوس الضعيفة، نجد الفارق بين هذين العملين والخيانة المتمثلة في فيلمَيْ الجاسوسية.

وتعيشي يا ضحكة مصر

خمسة جنود مصريين على ممر للدبابات من دون تواصل مع القيادة، بعدما انقطعت وسيلة الاتصال في الخامس من يونيو، واستشهد باقي أفراد المجموعة، ولا مؤن ولا ذخيرة تأتي إليهم، يقررون المقاومة حتى آخر قطرة دم. خمسة جنود يقودهم فلاح تطوّع بالجيش المصري بعد حرب السويس وأربعة مجندين يمثلون الفنان والمثقف والعامل والانتهازي الفاسد، لكنهم يقررون الدفاع وعدم مرور دبابات العدو من على الممر حتى النهاية، كما يقول قائد المجموعة “مهمتي منع أي دبابات من المرور حتى آخر نقطة في دمي”، يستشهد منهم ثلاثة جنود ويبقي الشاويش ومجند صائد للدبابات. وفي مشهد النهاية، يقف المجند على المدفع بينما يمسك الشاويش بالرشاش بقوة تصميمًا على المقاومة حتى النهاية.

أبكي.. أنزف.. أموت
وتعيشي يا ضحكة مصر
وتعيش يا نيل يا طيّب
وتعيش يا نسيم العصر
وتعيش يا قمر المغرب
وتعيش يا شجر التوت
أبكي.. أنزف.. أموت

كانت تلك هي قصة فيلم (أغنية على الممر) الذي قدّم بها عبد الخالق نفسه للسينما المصرية، عن مسرحية من تأليف علي سالم، كتب لها السيناريو والحوار مصطفى محرم.

أما فيلم (يوم الكرامة) الذي تدور أحداثه بعد حرب يونيو بأربعين يومًا فقط، فقد أكد أن مصر لا تستسلم للهزيمة، وأنه مهما كانت الهزيمة مؤلمة ومُرّة فإن مصر قادرة على النهوض والمقاومة، فأصحاب الحق دائمًا هم الأقوى مهما كانت الظروف قاسية، واستمرار المقاومة تعني أن هناك شعبًا لا يموت، هكذا هي المقاومة مع أصحاب الحق في كل الأوطان.

عاش خائنًا ومات كافرًا

النهاية في فيلمَيْ بئر الخيانة وإعدام ميّت تعكس مصير الخيانة، ففي (إعدام ميّت) اكتشف الشيخ مساعد أن ابنه جاسوس للأعداء، فاحتجز ضابط المخابرات المصري شبيه ابنه، وطلب تسليمه له مقابل الضابط، ليطهّر الشيخ المقاوم ابنه بالدم قائلًا “بيدّي أغسل عاري وأطهّرك بالدم من الخيانة يا ولدي”.

أما نهاية (بئر الخيانة) فقد حُكم على جابر بطل الفيلم بالإعدام، ولكنه سبق التنفيذ بقتل نفسه ليكتب نهايته بيده، وكما قال ضابط المخابرات “عاش خاين ومات كافر” مثل نهاية كل من يخونون الأوطان.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان