“أهلا رمضان”.. معرض للدعاية والتخفيضات الشكلية!

السبت، 26 مارس الجاري، ذهبت إلى معرض “أهلًا رمضان” الرئيسي في مدينة نصر بالقاهرة، الذي افتتحه رئيس الوزراء مساء الخميس الماضي، وتقول الحكومة إن المعرض يقدم مختلف السلع بتخفيضات تصل إلى 30% لمواجهة ارتفاع الأسعار، والتخفيف عن المواطنين مع قدوم شهر رمضان المبارك.
ذهابي لم يكن للتسوق، أو استهلاك الوقت، وإنما لأجل كتابة هذا المقال، فأنا لم أشأ أن أُصّدق أو أُكذّب -عن بعد- مقولات الحكومة عن التخفيضات، بل أردت أن أقف على الواقع بنفسي، وأكون شاهدًا على التصريحات الرسمية المُغرقة في التبشير والسرور، وذلك بزيارة المعرض، والتجول بين الشركات والجهات المشاركة فيه، ومعاينة البضائع المعروضة، وملاحظة الأسعار، ورصد مدى الإقبال عليه.
فقد تابعت تغطيات الصحف، وبواباتها الإلكترونية، والمواقع الإخبارية، والقنوات، وكل هذه الوسائط الإعلامية الكثيرة، فلم أجد فيها إلا الأخبار الرسمية للافتتاح، ونسب التخفيضات، وأعداد الشركات المشاركة، وبقية ما تضمنه البيان الصحفي من عبارات رسمية وردية تقليدية.
ولم يكلف أحد في منظومة الإعلام الكبيرة نفسه بالتجوال بين الأجنحة، وجمع معلومات عن أسعار السلع، ومقارنتها بالأسعار في البقالات ولدى تجار التجزئة والباعة، واستخلاص النتائج سواء بوجود فوائد حقيقية تعود على المواطن من هذا المعرض، ومن المعارض الشبيهة التي تُقام بالمحافظات، أم أنها نوع من التسويق الدعائي لعناوين إنشائية عامة، هي الحرص على الناس، وحمايتهم من الغلاء، ليكون دور الحكومة قد انتهى عند هذا الحد، وتكون قد أبرأت ذمتها من وحش الأسعار القاتل للابتسامة على الوجوه.
ذروة أيام التسوق
السبت يوم إجازة رسمية في مصر، بجانب الجمعة، وهما مع مساء الخميس، ذروة أيام التسوق، حيث يرتاد المتسوقون المولات والمتاجر والمحلات، وكذلك أوائل أيام الشهر عند صرف الرواتب، واللافت أن معرض “أهلا رمضان” لم يكن مزدحمًا يوم السبت، وكنت فيه وقت الذروة. صحيح كان هناك جمهور، لكنه لم يكن كبيرًا، ولا متناسبًا مع حجم الدعاية للمعرض، والأخبار السارة بالتخفيضات.
عاينت أسعار المعروضات كلها تقريبًا من سلع غذائية، ولحوم، ومؤنة البيوت، والتمر ومستلزمات رمضان، وحتى المعجنات الجاهزة، والمنظفات، وأدوات المطبخ، وقارنتها بالأسعار في البقالات والسوبرماركت ومحلات الجملة فيما زرته منها، وما سألت عنه من أسعار، فلم أجد فرقًا ملحوظًا، ولم أجد تخفيضًا ملموسًا يشجع الأسر على الذهاب إلى المعرض والتبضّع منه، بل هناك أسعار في “أهلًا رمضان” أغلى منها في الخارج.
ومن المفارقات، أنني قبل افتتاح المعرض بيوم واحد كنت قد اشتريت من أحد المتاجر نوعًا معينًا من الشاي، ووجدت نفس العبوة منه تُباع في المعرض بأعلى مما دفعت فيه.
ورغم معرفتي بسعر الأرز هذه الأيام، فإنني سألت أحد التجار عن سعره عنده، فوجدت الكيلو بـ10 جنيهات، في حين يتراوح في المعرض بين 10 جنيهات و25 قرشًا و12 و13 جنيهًا، ووجدت سعر كيلو السكر بالمعرض أعلى أيضا من سعره في المتاجر، وعبوات الزيت المعروضة خادعة، إذ إن الزجاجة فيها 700 مليلتر فقط، وتُباع من 18 جنيهًا حتى 21 جنيهًا، وإذا حسبناها لترًا كاملًا فإنها ستقترب من 30 جنيهًا، وهو السعر المتداول في الأسواق.
أما اللحوم الطازجة، فإن السوداني والبرازيلي يُباع الكيلو منهما بما بين 95 جنيهًا و110 جنيهات، والبلدي بـ120 جنيهًا، وهو سعر أقل فعلًا من سعره في الخارج. لكن لا بد من فهم أن الكيلو خليط من اللحم الأحمر والدهن، إذ ليس لك حق اختيار الجزء الذي تريده من الذبيحة، فأنت وحظك في لفافة اللحم، وهو غالبا حظ ليس مريحًا للمشتري حيث لن يجد اللحم المُشَفى الذي يشتريه من الجزار بـ150 إلى 170 جنيهًا للكيلو.
إحدى الشركات الخاصة تعرض لحومًا مميزة بـ155 جنيهًا للكيلو، ولحومًا أقل منها بـ150 جنيهًا، وهكذا نزولًا إلى 130 جنيهًا. واللحم هنا مخلوط بالدهن، وأنا أشتري هذا المميز من الجزار بـ140، و150 جنيهًا، فلماذا أقطع مسافات وأتحمل إرهاقًا لمعرض هنا أو هناك دون عائد حقيقي؟
واللحم السوداني والبرازيلي هنا من نوع الجاموس المُسنّ الذي هو بحاجة إلى وقت طويل في الطهي، ويستهلك كثيرًا من غاز الطبخ، وهذه تكلفة إضافية. وإنما كان هناك إقبال على الشراء تعويضًا عن اللحوم البلدية الطازجة عند الجزارين التي يرتفع سعرها بسبب الانفلات في أسعار العلف، مثل الانفلات في مختلف أسعار السلع عمومًا.
السلطة لا تصلح
زوجتي اطلعت على قوائم الأسعار في المعرض، وكذلك سيدات بيوت أخريات، وكلهن اتفقن على أن التخفيضات شكلية ودعائية، وأنهن يشترين بأسعار أقل من الأسواق، وقد جمعني لقاء بأحد الأشخاص دون معرفة سابقة بيننا، وفوجئت وهو يسترسل في الحديث عن أنه ذهب إلى المعرض وعاد منه دون شراء شيء، حيث لم يجد ما يغريه بالتبضع، فالأسعار أزيد أو مساوية لما يشتريه من السوبرماركت المجاورة لبيته.
ببساطة، هل سيقبل تاجر أو شركة أو منتج أو موزع لسلعة أن يقدم تخفيضًا ويخسر في تكلفة السلعة؟ المؤكد أن لا أحد سيجامل الحكومة على حساب تجارته ورأسماله ومستورداته، وبالتالي لم يكن مقنعًا أن تحدث تخفيضات بما يقرب من ثلث سعر السلعة، والحكومة نفسها رفعت سعر أسطوانة بوتاغاز الطبخ في الموجة الجديدة الحالية من ارتفاع الأسعار، فهل يكون التاجر أكثر رفقًا بالمواطن منها على حساب تجارته ومصالحه؟
السلطة لا تصلح للعمل في البقالة، ولا ينبغي أن تكون بقالًا، وهي بلا حول ولا قوة أمام فحش الغلاء، فالأزمة أكبر وأعمق منها، بسبب انتهاجها سياسات عامة غير صائبة، وترتيب الأولويات بطريقة غير سديدة، وهذا وغيره في طريقة الحكم والإدارة أنتج الحالة الراهنة من العجز، وأصبحت لقمة العيش صعبة المنال، والمخاوف تتزايد من مخاطر الجوع، بعد أن كانت مصر في الذاكرة الشعبية هي البلد الذي لا ينام أحد فيه وهو جائع.