زينة رمضان.. حبال وصل لا تنقطع

لا يستطيع أحد أن يتذكّر على وجه التحديد إدراكه الأول لبعض الأشياء؛ متى وعى أنه يفضّل بعض الأطعمة؟ ومتى نفر من بعضها؟ هكذا هي زينة رمضان؛ نشأنا لتكون جزءًا من مظاهر الاحتفال بشهر رمضان المبارك. حاضرة دائمًا كالتمر على الإفطار، والفول على السحور، وصوت الألعاب النارية التي يلهو بها الأطفال.
لم يكن لزينة رمضان شكل واحد على مر الزمن؛ فقد تنوّعت من ورقية (تصنع من الورق ومعجون الماء والنشا)، ثم بلاستيكية، ثم انتشرت الفوانيس المعلّقة بأحجام مختلفة والمصابيح، على شكل نجوم وأهلَّة، ومباخر، وأقمشة ذات رسومات إسلامية تعطي انطباعًا شرقيًّا بالاحتفال، والتي تعرف باسم “الخيامية”.
رغم الاختلاف الكبير حول أصل فن الخيامية؛ إلا أن أغلب الأقوال ترجّح أن القدماء المصريين كانوا أول من أظهروا حُبًا واهتمامًا شديدًا بفنون التطريز على القماش. وازدهرت هذه الحرفة في العصر الإسلامي، وشهد العصران المملوكي والفاطمي قمة ازدهارها، وكانت ترتبط الخيامية قديمًا بكسوة الكعبة المطعّمة بخيوط الذهب والفضة، والتي كانت تقوم مصر بتصنيعها حتى عقد الستينيات من القرن الماضي، وقد أنشأت مصر أول مؤسسة لذلك وأسمتها إدارة الكسوة، وهي موجودة في شارع تحت الربع بمنطقة -باب الخلق- في القاهرة، وكانت الكسوة تحمل على الجمال في احتفالية كبيرة من مصر إلى السعودية في موسم الحج، وتسمى بــ “المحمل”، والذي يطوف شوارع القاهرة قبل أن ينطلق في رحلته إلى الحجاز، وكان سكان القاهرة جميعهم يحرصون على مشاهدة الموكب.

شارع الخيامية

ويعد شارع الخيامية الذي يقع على امتداد شارع المعز في منطقة الغورية، والذي يعود إلى عصر الفاطميين أحد أشهر أسواق القاهرة المسقوفة، وسمي بهذا الاسم نسبة إلى حرفة صناعة الخيم التي كانت مزدهرة جدًا في العصر المملوكي، وما زالت موجودة حتى يومنا هذا ولكن بشكل قليل.
وما إن تدخل هذا الشارع حتى تجد على جانبيه مجموعة من الورش المتخصصة في هذا النوع من التراث الفني الأصيل، والمحال التي تبيع الأقمشة، والسجاد وزينة رمضان، ومنها فوانيس الخيامية بأشكالها وأحجامها المختلفة وأسعارها المعقولة.
وما إن يقترب حلول شهر رمضان حتى تبدأ الاستعدادات احتفالاً بالشهر الكريم، ويبدأ الأطفال بطرق أبواب المنازل، لجمع المال لشراء لوازم الزينة من أنوار ذات أشكال مختلفة، وفوانيس وحبال الزينة التي تمتد من شرفة لشرفة كحبال وصل لا تنقطع.

وشهدت السنوات الأخيرة انتقال هذه المظاهر إلى المحالّ التجارية احتفالًا وفرحًا بالشهر الفضيل مستعينين بفنانين متخصصين في تلك الحرفية ليزينوا واجهات محالّهم.
يقول جعفر حسني الذي يعمل في صناعة الخيامية منذ عام ٢٠١٦ إنه فكّر في بدء مشروعه الخاص قبل قرب موعد تجنيده الإلزامي، فلم يرغب في أن يبدأ العمل في شركة ما ثم يتركها بعد عدة من الشهور، ويقول: “بينما كنت أتجوّل في شارع المعز رأيت فوانيس معلّقة في أحد المحالّ، وكان هذا قبل رمضان بشهرين اثنين، وقد أبهرني أشكال الفوانيس وألوانها الزاهية، وعرفت من البائع أن هذه الفوانيس هي صينية الصُنع، وكانت الفوانيس الصينية منتشرة بكثرة في ذلك الوقت، ويقبل الناس على شرائها بسبب أشكالها الجديدة التي تأخذ أشكال الشخصيات الأكثر شهرة وتأثيرًا لدى الأطفال”.

ورحت أتساءل هل صرنا نحن أصحاب المهن الحرفية المشهورين بدقة حرفيتنا وخاصة في مثل هذه الصناعات التقليدية أن نعتمد على الصين في صناعة هي بالأصل صناعة مصرية حتى النخاع؟
بدأت أتعلّم صناعة الفانوس يدويًّا كما كان يصنع في بلادي من قبل من خلال قنوات اليوتيوب. تصوّروا من اليوتيوب! إذ عزف الكثير من معلّمي هذه الحرف عن تعليم أبنائهم وأحفادهم صنعة أجدادهم، ثم قمت بعمل دراسة للمشروع لإعادة الروح المصرية الأصيلة إلى الفوانيس، وقمت بشراء الأساسيات من معدات ونحوها بحوالي 200 جنيه، وأتذكر وقتها أن أول فانوس أخذ مني حوالي ساعة عمل ونصف الساعة، ثم بدأت أتطوّر من عام لآخر حتى صرت أنتهي من الفانوس في عشر دقائق.

ويضيف جعفر حسني: “بأنه على الرغم من تطوّر أشكال الديكورات الرمضانية المبتكرة إلا أن قماش الخيامية هو الأكثر انتشارًا بشكله المميّز الجميل وسعره الزهيد، لذلك أختار أن أصمم الفوانيس منه مع إضافة بعض اللمسات المبهجة”.

جعفر حسني
المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان