الإعلام الجديد وسيدات ماسبيرو

هالة فهمي

هل شاخ الإعلام القديم بكل هيئاته ومؤسساته؟ هل توارت الصحافة الورقية والمرئية القديمة في ظل تكنولوجيا عصرية فاقت كل التصورات؟ أم لا يزال هناك ما يحكم العلاقة بين المتلقي والمرسل غير الوسيلة؟
نعم للوسيلة الإعلامية قيمتها في الوصول إلى الجمهور، ولكن يبقى دائمًا ما هو أهم وهو الرسالة الإعلامية.
في الأيام الأخيرة الماضية شهدنا مذيعين وصحفيين كبارًا يستخدمون قنوات اليوتيوب الخاصة بهم للوصول إلى الجمهور بديلًا عن الإعلام التقليدي كالقنوات التليفزيونية العامة والخاصة،  خصوصًا في مصر، بعد أن احتكرت السلطة وشركة إعلام المصريين وسائل الإعلام المصرية كلها بنسبة كبيرة، وظهرت المواقع الصحفية الشخصية والمدونات وسيلة لكسر الاحتكار، ولكن الجديد هنا هو توجه صحفيين وإعلاميين كبار إلى إنشاء قنواتهم الخاصة عبر منصة يوتيوب مثل الإعلامي حافظ المرازي الذي أطلق منذ أيام قليلة قناته وبرنامجه، وقد استضاف في حلقته الأولى الدكتور عمرو حمزاوي في أول ظهور له منذ سنوات من خلال نافذة مصرية لإعلاميي مصر، وقد سبقه الكاتب الصحفي بلال فضل في إطلاق قناته، أما الأديب المصري علاء الأسواني فقد أنشأ قناته منذ أكثر من عام، وقناة اليوتيوب وسيلة استخدمها معتز مطر منذ أسابيع لإطلاق برنامجه الذي توقف على قناة الشرق المصرية في تركيا، وهناك الكثير من القنوات التي تبث على يوتيوب، وكان لها تأثير كبير في الشارع والجمهور في مصر خلال الأعوام الماضية.

البث المباشر عبر فيس بوك

كان وجود خاصية البث المباشر في القنوات التليفزيونية، والتي كان لقناة الجزيرة السبق الأول في المنطقة العربية جاذبية شديدة جدًا، ولعلنا نلاحظ هذا في الأحداث الكبرى، فما من حدث كبير في أي منطقة في العالم إلا وتطلعت العيون إلى الجزيرة بكل القنوات لمشاهدة البث المباشر لتلك الأحداث عبرها، وبوجود خاصية البث المباشر على فيس بوك صار الملايين من الجماهير مصادر وصناع أخبار، وصار لكل شخص في العالم وسيلة يطل بها على العالم في لحظة واحدة.

سيدات ماسبيرو والبث المباشر

على مدى أكثر من سبعين يومًا استمرت مظاهرات الهيئة الوطنية للإعلام في مصر واحتجاجاتها اعتراضًا على تأخر صرف مستحقات العاملين وأصحاب المعاشات في الهيئة قد قادت هذه الاحتجاجات والمظاهرات نساء وسيدات ماسبيرو، وكانت الإعلاميات والعاملات في ماسبيرو هن أصحاب الصوت الأعلى احتجاجًا، وكانت الظاهرة اللافتة للنظر أن الهيئة أوقفت عن العمل العديد منهم، وصدر قرار وحيد بالفصل كان من نصيب إحدى الصحفيات في مجلة الإذاعة والتليفزيون التي تصدر عن الهيئة، وهي الصحفية صفاء الكوربيجي، ورغم أن قرار الهيئة يقول إن الصحفية انقطعت عن العمل لمدة خمسين يومًا متواصلة إلا أن هذا ليس سببًا حقيقيًا، فهناك من صحفيي المجلة من لم يدخل مبنى التليفزيون والمجلة منذ سنوات، ومع ذلك فحقوقهم تُصرف شهريًا، وقد عاصرت ذلك خلال عملي في الهيئة، وأكده زميل يشغل منصبًا مهمًا في المجلة لي الآن، إذن فتغيّب الصحفية ليس هو السبب، بل السبب البث المباشر لها على صفحتها في فيس بوك.

محتوي يهم الجمهور في بث فيس بوك

آخر فيديو قدمته صحفية الهيئة الوطنية للإعلام حقق مشاهدات بلغت ثلاثة ملايين مشاهدة، وهو الفيديو الذي تناولت فيه علاقة الأجهزة الأمنية بما يحدث في ماسبيرو من ممارسات، حيث تحدثت عن موضوع صحفي في إحدى الصحف خاص بشراء شركة إعلام المصريين لمبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون بكل تراثه الفني والثقافي، وأعقب ذلك قرار فصلها، وكذلك تابعت الصحفية التظاهرات كلها، ولها فيديوهات عن مخالفات داخل الهيئة منذ أكثر من ستة أشهر. لقد استخدم أبناء ماسبيرو وخاصة السيدات منهم وسيلة البث المباشر عبر فيس بوك في نقل أحداث التظاهرات كلها والاحتجاجات على مدى الأسابيع الماضية.

هالة فهمي وبث متواصل للاعتصام

استطاعت هالة فهمي كبيرة المذيعات في التليفزيون المصري، ومعها سيدات ماسبيرو أن يقدمن نموذجًا يستحق الإشادة في اليوم العالمي للمرأة في احتجاجها على الأوضاع في ماسبيرو، وقامت هالة التي اعتصمت وعدد قليل من زملائها بنقل أحداث الاعتصام داخل ماسبيرو على الهواء عبر صفحتها التي تحولت إلى منصة إعلامية يتابعها الآلاف من المشاهدين، بل نقلت محاولة أحد قيادات أمن الهيئة إغلاق البث والتحرش بها، وكان من نتيجة ذلك إبعاد القيادي عن منصبه واستبداله بآخر، وواصلت المذيعة الكبيرة خبرة وسنًّا بث فيديوهات تستعرض فيها الكثير من الجوانب السلبية في الهيئة الوطنية للإعلام.

سيدات ماسبيرو وتحية مستحقة

أثبتت سيدات الهيئة الوطنية للإعلام وعبر سبعين يومًا من الاحتجاج صمودًا كبيرًا وأداء عظيمًا يستحق تحية في يوم المرأة، واستطعن أن يقدن تظاهرات المطالبة بحقوقهن وحقوق زملائهن، ولا أخفي سرًا أن كثيرًا من أبناء ماسبيرو الرجال يشعرون بالخجل أمام ما قدمت زميلاتهن من أعمال كبيرة في التظاهرات والاحتجاجات، ونجاحهن في استخدام وسائل التواصل في كشف الممارسات مع خبراتهم الإعلامية حتى أن إعلاميًا كبيرًا من إعلاميي الخارج حدثني قائلًا: يبقي ماسبيرو مدرسة مهما كانت أحواله، ولا أخفيكم سرًا أنني أشعر بالعجز والألم لوجودي بعيدًا عن مبناي وبيتي (ماسبيرو) وبلدي (مصر) في تلك الأيام، فلم أكن أتردد لحظة أن أكون معهم، فيا ليتني كنت هناك.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان