مسجد الحسين.. تطوير عادي وأسوار حديدية ومشكلة القبّة

عصر الجمعة، اليوم السابع من شهر رمضان الجاري، 1443 هجريًّا، (8 أبريل/نيسان 2022) كنت في مسجد الحسين عليه السلام في صلاة العصر، ومكثت فيه وقتًا بعد الصلاة، وتجولت في أرجائه، ومن أسف أنه يتم إغلاق المسجد عقب كل صلاة، وكان يظل مفتوحًا طوال النهار، وإلى ما بعد صلاة العشاء بوقت، والإغلاق بدأ منذ كورونا، لكن المساجد في مصر عمومًا تغلق أبوابها بعد الصلاة منذ ما قبل كورونا، وهي توجيهات لم تكن موجودة في مراحل سابقة، فأبواب المساجد الكبرى والمتوسطة والزوايا كانت مفتوحة على الدوام.
ذهبت إلى المسجد لمعاينة التطوير الذي جرى فيه وحوله، وكانت وزارة الأوقاف قد أعلنت قبل رمضان بوقت قصير عن إغلاق المسجد لهذا الهدف، وأثار القرار انتقادًا واسعًا من المصريين -على مواقع التواصل الاجتماعي- للوزارة والسلطات بسبب التوقيت غير المناسب للإغلاق في شهر يتسم بروحانيات للمصلين في المسجد، وصلاة التراويح التي تقام طوال الشهر. والمنطقة المحيطة به من القاهرة الفاطمية تكون مزارًا خاصًّا طوال رمضان للإفطار والسحور والسهر فيها.
عندما ذهبت إلى المسجد، كانت صلاة الجمعة الأولى تقام فيه بعد افتتاحه عقب التجديد الذي وجدته محدودًا بالداخل، ورآه غيري مزعومًا.
التطوير في الداخل تمثل في دهان حوائط المسجد بنفس لونها القديم حفاظًا على شكلها ومعمارها، وهو لون (البيج) -بدرجة وسط بين الفاتح والغامق- وتجليد الجزء السفلي من الحوائط برخام جديد، وتنظيف السقف الخشبي المزركش بالألوان، وتركيب ثريات، وتحسين الإضاءة، وفرش المسجد بسجاد جديد، أما دورات المياه المنعزلة عن المسجد، فهي مغلقة حيث العمل جارٍ في تطويرها.
السور العازل
هذا كل ما في الداخل، تحسين وتجديد عادي، أو أقل من العادي، ويتم في معظم المساجد بمصر، ويتبرع الناس بالمال اللازم للتجديدات، بل يتبرعون ببناء المساجد بالكامل، ثم تتسلمها وزارة الأوقاف جاهزة.
وفي الخارج يتمثل التطوير في طلاء الحوائط بنفس لون الحوائط الداخلية، والجديد أنه تم إقامة سور حديدي حول المسجد كله عزله تمامًا عن محيطه وفضائه الخارجي، كما عزله عن الشوارع الموازية له، والشوارع المتفرعة من هذا المحيط، فلا يتمكن أحد من دخوله بعد اليوم إلا عبر بوابات حديدية، هي جزء من السور.
وإذا ما تقرر يومًا إغلاق المسجد لأي سبب فيكفي هذا السور لمنع المصلين والناس عمومًا من الوصول إلى أبواب الدخول والخروج.
والجديد الثاني في التطوير الخارجي، إقامة ساحة أمام المسجد، وتسويرها كاملة بالحديد، وبارتفاع كبير، فلا يقدر أحد على القفز عليها، ولها بوابات دخول وخروج، وهذه الساحة تم استقطاعها من محيط المسجد الذي كان مفتوحًا على جميع الشوارع والمنطقة حوله دون عوازل.
وهذه الساحة تُشبه إلى حد ما ساحة المسجد النبوي مع الفارق الكبير في المساحة وعدد المظلات التي تم تركيبها فيها لوقاية المصلين في الصيف، فساحة الحسين المُستجدة محدودة نظرًا لصغر الفضاء حوله من الأصل، وعدد المظلات محدود أيضًا، فقد شاهدت أربعة فقط، وربما سيتم تركيب عدد آخر، فالتطوير لم ينته، إنما فقط تم الإسراع به، ليفتح المسجد أبوابه أول رمضان وهذا حصل بالفعل.

تقصير مدة التجديد
ولاحظت في جولتي حول المسجد أن قطعًا من الرخام في الجدار الذي تم بناؤه لتثبيت السور الحديدي عليه تفككت، مما يعني عدم الدقة في العمل، وفي محيط المسجد الخلفي تجد مخلفات لم يتم نقلها، ومعدات العمل والمواد الخام باقية، في إشارة إلى التعجل بالافتتاح تبعث بها الأوقاف، أو جهات أخرى، مضمونها أنه لم يكن في الحسبان إغلاق المسجد في الشهر الفضيل، وربما تغيّر الموقف من الإغلاق الطويل إلى تقصير مدة التجديد تفاديًا للغضب الشعبي.
ولا أود أن أكون سيئ الظن في هذه النقطة، أو أتبنى وجهة نظر قالت إن السلطة قد تخشى اضطرابات بسبب الغلاء وسوء الأحوال المعيشية، في ظل وجود عدد كبير من المصلين والزائرين للحسين في رمضان، فلا أظن أن تجمعات يمكن أن تحدث بشكل منظم في هذا المكان، علاوة على وجود الشرطة بكثافة لفض أي تجمّع غير منظم، وهذا يظهر في التطوير الآخر في محيط المسجد حيث تم اقتطاع جزء منه لنقطة شرطة ثابتة أمامه، ليكون بذلك عندنا ساحتان؛ الأولى عند مدخل الحسين من شارع الأزهر، وهى للشرطة وتدخل فيها حافلات السائحين، والثانية للمسجد، أي ساحة أولى متوسطة المساحة للأمن، تليها ساحة أوسع للمسجد.
نذهب إلى القبة، ومعروف أن المسجد والمنطقة المحيطة به مسجلان على قائمة التراث العالمي، والجديد هنا أنه تم تكييف المسجد، وجرى وضع الأجهزة فوق سطحه بجوار القبة، وتم تثبيت الفتحات التي يخرج الهواء البارد منها إلى داخل المسجد في عدد من شبابيك الإضاءة الطبيعية بالقبة، وهي مزركشة برسوم لونية.
وعندما تدقق النظر إلى أعلى ترى الفتحات، وهي لم تُحدث تغييرًا مؤثرًا في معمار القبة من الداخل، فقط تم قص جزء من زجاج عدد من الشبابيك، ووضع فتحات ضخ الهواء البارد فيها، ومن خارج المسجد قد لا ينتبه كثيرون إلى التغيير في شكل القبة حيث تم تمرير ماسورتين لنقل الهواء البارد من أجهزة التكييف فوق السطح، لكنهما لم تخترقا بناء القبة، إنما تم توصيلهما إلى الشبابيك الزجاجية.
لكن هذا العمل أثّر في الشكل المعماري الثابت للقبة، وهناك معماريون رأوا ذلك تشويهًا لها وللمسجد بصفته أثرًا تاريخيًّا، وهي وجهة نظر لها احترامها، وكان البديل وضع أجهزة تكييف متحركة داخل المسجد دون الاقتراب من القبة بأي تغيير، ولو شكليًّا.

الكلفة المالية
والاعتراض الآخر تمثل في السور الحديدي الذي عزل المسجد تمامًا عن محيطه الخارجي، وهناك بلدان فيها مساجد أثرية وتاريخية أو كنائس قديمة تظل مفتوحة على محيطاتها وفضاءاتها مهما كان اتساعها وامتدادها فلا يعزلها شيء عنها.
وهذا كلام لا خلاف معه، وهو أمر مهم، إنما المشكلة في مصر أنه أمام جميع الأماكن التاريخية والأثرية والدينية، أو غيرها من الشوارع والميادين والجسور ومحطات السكك الحديدية والمترو، وعمومًا كل الأماكن التي يرتادها الناس والزائرون والسائحون يقوم الباعة الجائلون والفئات المهمشة والضعيفة والمتسولون باحتلالها، وهذا يحدث أمام الحسين، خاصة أن المنطقة المحيطة به مقصد سياحي ومزار للمصريين والأجانب، والشرطة قادرة على طرد هؤلاء، والمشكلة أنه مهما تشدد الانضباط، فلا ضامن لديمومته كسلوك، يختفي ويعود، ويحدث تطبيع مع واقع القبح، ويتدخل الفساد لتثبيت هذا الواقع، هي قصة معقدة يتداخل فيها العشوائي مع الفوضى والسلوك غير المتحضر، كما يفرض الجانب الاجتماعي والمعيشي والاسترزاق والفقر وجوده، وهو البعد الأخطر.
في السطر الأخير، أزعم أن الكُلفة المالية لما عاينته ليست كبيرة في تقديري، وأتمنى ألا نُفاجأ بحديث عن إنفاق ضخم على تجديدات وتحسينات عادية.
