خصوصيّة الاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك ومَزيّاته على المساجد بما فيها الحرمان الشّريفان
إنّ كلمة السرّ في الذّود عن المسجد الأقصى المبارك في وجه الاقتحامات الصّهيونيّة المتصاعدة هي “الاعتكاف”، لذا نجدُ أنّ جهاتٍ عديدة كانت وما تزال حريصةً على عدم توافد المعتكفين إلى المسجد الأقصى المبارك، والسّعي إلى تفريغه من المصلّين ابتداءً من الكيان الصّهيونيّ وصولًا إلى بعض الجهات التي تسارع في الصّهاينة تخشى على نفسها الدّائرة؛ مدّعيةً أنّ الاعتكاف خاصّ بالعشر الأواخر من رمضان دون غيرها لتسويغ الدّعوات إلى تفريغ المسجد من المعتكفين المتجهّزين للدّفاع عن الأقصى المبارك في وجه الاقتحامات الصّهيونيّة المتسارعة والمتصاعدة.
وإنّ هذا يجعل للاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك خصوصيّةً وميزات ليست موجودةً في غيره من المساجد بما فيها المسجد الحرام والمسجد النبويّ.
الاعتكاف في غير العشر الأواخر من رمضان في المسجد الأقصى المبارك
من المقرّر شرعًا أنّ الاعتكاف سنّةٌ مؤكّدةٌ في العشر الأواخر من رمضان، فقد أخرج البخاري ومسلم عن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها “أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان يعتكِفُ العشرَ الأواخِرَ مِن رمضانَ، حتى توفَّاه الله، ثم اعتكَفَ أزواجُه مِن بَعدِه”
وتغدو السّنّة أشدّ توكيدًا عندما تجتمع بركة الزّمان الذي يتحرّى النّاس فيهه ليلة القدر التي قال الله تعالى فيها “إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ ۚ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ” الدّخان:3
مع بركة المكان الذي قال الله تعالى فيه: “سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ” الإسراء: 1
ولئن كانت السّنة النبويّة هي الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان فقد ورد أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم اعتكف في آخر رمضان عاشه عشرين يومًا، وذلك في الحديث الذي أخرجه البخاري في صحيحه عن أبي هريرةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: “كانَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يعتكِفُ في كلِّ رمضانَ عَشرةَ أيَّامٍ، فلمَّا كان العامُ الذي قُبِضَ فيه اعتكَفَ عشرينَ يَومًا”
فدلّ ذلك على أنّ تمديدَ الاعتكاف إلى أوقات أخرى خارج العشر أو التّركيز على وقتٍ أكثر من غيره جائزٌ للحاجة، فلذلك كان تكثيف اعتكاف النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم آخر سنةٍ في حياته ضعف المدّة التي كان يعتكفها عادةً في رمضان.
ومن هنا فإنّ ما يتهدّد المسجد الأقصى المبارك من تحشيدات صهيونيّة لاقتحامه في أيّ وقتٍ من أوقات شهر رمضان أو غيره من الأشهر يعدّ ضرورةً إضافيّةً لتأكيد الاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك خلال الفترة التي تسبق مواعيد والاقتحامات وتبقى مستمرّةً إلى ما بعد انتهائها وزوال الخطر المحدق المباشر بالمسجد الأقصى المبارك
ميزات الاعتكاف في الأقصى على غيره من المساجد
إنّ الاعتكاف في المسجد الأقصى في ظلّ الاحتلال، وفي مواجهة الحشود الصّهيونيّة التي تزمع اقتحامه ينطبق عليه توصيفات شرعيّة عديدة تضفي عليه ميزات إضافيّة بعضها ليس موجودًا في الاعتكاف في غيره من المساجد بما فيها الحرمين الشريفين.
فهو اعتكافٌ في شهر رمضان في المسجد الأقصى المبارك يجمع بركة الزّمان وبركة المكان.
ومن خصوصيّات الاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك أنّه رباطٌ في سبيل الله تعالى، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيما رواه الحاكم وصححه ووافقه الذّهبي: ” وَلَيُوشِكَنَّ أَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الْأَرْضِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا”
فإن كان هذا حال من يملك موضعًا يسيرًا رابط فيه على مرأى من المسجد الأقصى المبارك فما هو الحال فيمن يرابط في باحاته وساحاته إذن؟!
وكذلك فإنّ كلّ ليلةٍ من ليالي الاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك بنيّة الدّفاع عنه وصدّ الاقتحامات الصّهيونيّة هي أفضل من ليلة القدر التي يلتمسها المسلمون فقط في العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك
فقد أخرج الحاكمٌ في مستدركه عن ابن عمر رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: “ألا أُنبِئكُم بليلةٍ أفضلُ من ليلةِ القدر؟ حارسٌ يحرٌس في أرض خوفٍ لعلَّه لا يرجعُ إلى أهله”.
كما جاء في صحيح التّرغيب والتّرهيب عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّه كان في الرِّباط ففزعوا إلى السَّاحل، ثم قيل.. لا بأس، فانصرف النَّاس وأبو هريرة واقف، فمرَّ به إنسانٌ فقال: ما يُوقِفُك يا أبا هريرة؟! فقال: سمعتٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “موقِف ساعةٍ في سبيل الله خيرٌ من قيام ليلةِ القدرِ عندَ الحجرِ الأسود”
كما أنّ الاعتكافَ في المسجد الأقصى المبارك نوعٌ من أنواع الجهاد بالنّفس في سبيل الله تعالى من خلال صدّ العدوان ودفع الحشود الصّهيونيّة عنه، وهذه ميزة إضافيّة ليست موجودةً في الاعتكاف في عموم المساجد.
ومن الجدير ذكرُه أنّ الاعتكاف في المسجد الأقصى المبارك إذا تعيّنَ سبيلًا لحماية الدّين وصدّ العدوان والذّود عن مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فإنّه ينتقل حكمه من السُّنيّة إلى الوجوب على كلّ قادرٍ على الوصول وذلك لأنّ ما لا يتمّ الواجب إلّا به فهو واجب.
إنّ المعتكفين هذه الأيّام في المسجد الأقصى المبارك هم رأس الحربة في الدّفاع عن كرامتنا ومقدّساتنا ومواجهة عدوّنا، وهذا يوجب على كلّ مسلمٍ قادرٍ على أن يكون لهم عونًا بأيّ شكلٍ من أشكال العون والدّعم الماديّ والمعنويّ وألّا يتوانى ولا يتأخّر، فمن حبسه العذر عن الوصول إلى الأقصى وحيل بينه وبين ذلك ثمّ كان مع المعتكفين فيه بقلبه وروحه وكلماته وبذله ودعمه كان شريكًا لهم في الأجر.
ففي صحيح مسلم من رواية أنس وفي صحيح البخاري من رواية جابر قال: كنَّا مَعَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلّم، في غَزَاة فَقالَ: “إنَّ بالمدينةِ لَرِجالًا ما سِرتُمْ مَسيرًا، وَلا قَطَعْتُمْ وَادِيًا إلاَّ كانُوا معكُم، حبَسهُمُ المَرضُ” وفي روايةٍ: “حبَسهُمُ العُذْرُ” وفي روايةٍ: “إلاَّ شَرَكُوكُمْ في الأَجرِ”