من “أريد حلا” إلى “فاتن أمل حربي”.. دراما خراب البيوت!

نيللي كريم (فاتن) في لجنة الفتوى خلال المسلسل

في عام 1975، عُرض الفيلم المصري “أريد حلًا” بطولة فاتن حمامة ورشدي أباظة، وقصة الكاتبة حُسن شاه، والفيلم يحتل المرتبة الحادية والعشرين في قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.

وتدور أحداثه حول درية “فاتن حمامة”، التي تستحيل الحياة بينها وبين زوجها الدبلوماسي مدحت “رشدي أباظة”، وتطلب منه الطلاق ولكنه يرفض، فتضطر للجوء إلى المحكمة الشرعية لرفع دعوى طلاق، وتدخل في متاهات المحاكم، وتتعرّض لسلسلة من المشاكل والعقبات، وتخسر قضيتها بعد مرور أكثر من أربع سنوات.

فاتن أمل عيسى

ما جعلني أتذكر فيلم “أريد حلًا” هو المسلسل الدرامي “فاتن أمل حربي” الذي يذاع على قناة cbc حاليًا، لمؤلفه الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، والذي لا يبتعد عيسى فيه عن مساره السابق في ترويج أفكاره عبر أعماله الفنية، كأنه يعرض أفكار المذيع إبراهيم عيسى في برنامج تلفزيوني، أو يكتبها في مقالاته الصحفية، الفارق أنه يستبدل بطله في أعماله السابقة ويضع سيدة هذه المرة، ولا يقتصر على تناول حقوق المرأة من خلالها، بل يمتد إلى قضايا جدلية عن الدين والقانون.

جعل نفسه في المسلسل وفي برامجه المجدد للإسلام وشريعته، ويصوّر الشيوخ دائمًا بأنهم يحفظون ولا يفهمون، وأن الدين في القرآن فقط، وينكر السّنة والفقه، وإذا ما كان الأمر ليس على هواه من آيات الله يقوم باختراع تفسير أو استدعاء تفسير غير متداول وغير معترف به، المهم كلامه يكون هو الصواب.

في مسلسل “فاتن أمل حربي” الذي يتناول قضية مهمة من قضايا المرأة، ألا وهي حضانة الأم المطلقة للأبناء في حالة زواجها مرة أخرى، وهنا تظهر قناعات المؤلف إبراهيم عيسى التي يريد أن يفرضها على المجتمع وعلى القانون.

شيوخ لا يفهمون

ففي المشهد “الماستر” بلغة أهل الفن للمسلسل، تذهب السيدة المطلقة فاتن “نيلي كريم” إلى دار الإفتاء، تسأل الشيخ يحيى ما إذا كانت المرأة المطلقة تفقد حضانتها لأطفالها إذا تزوجت، فيخبرها أن الفقه يؤكد ذلك، ولكنه لا يقدّم لها آية قرآنية صريحة عن ذلك، فتسأله فاتن في تحدٍّ “هل ربنا قال كده بنفسه؟”! وتنكر رأي الفقهاء، ثم تعلن رأيها “أتحداك أن ربنا قال ذلك، الأمر لا يحتاج إلى دراسة، إن الله عادل ورحيم، ولا يمكن أن يحرم أُمًّا من أبنائها”.

وفي مشهد في حلقة تالية، تعود فاتن إلى الشيخ يحيى، فيأخذها لشيخ آخر أكبر سنًا وأكثر علمًا، عندما تناقشه في آراء علماء الفقه، وحين تعترض على كلامه يعنّفها بشدة، ويطردها فورًا، في مشهد صادم، ليظهر الشيوخ بأنهم أشخاص سيئون غير فاهمين.

ومنذ بداية عرض المسلسل تلقفته الجمعيات والمؤسسات النسوية باهتمام كبير، ووجدوا فيه ضالتهم في هدم ما تبقى من العلاقات الأسرية التي جعلوا فيها الرجل عدوًا، وليس شريكًا للحياة مع المرأة، يقومان فيها برعاية الأسرة، ولكن في معركة لا بد أن ينهزم فيها الرجل، ويرفع راية الاستسلام للمرأة، خاصة أن التشريعات الحالية تنتصر للمرأة على الرجل في موضوع الحضانة، مما جعل آباء كثيرين لا يستطيعون رؤية أبنائهم، وإن حدث يكون لساعة أو ساعتين كل أسبوع في مركز شباب، أو مكان تابع للدولة، وهو ما تتحكّم فيه الأم، فقد تحضر أو لا تحضر بالأبناء، وعلى الأب أن يضرب رأسه في أقرب حائط، فالقانون معها!

قانون “جيهان”

يرى بعضهم أن المسلسل ينتصر للمرأة، وقد يتسبب في تغيير قانون الأحوال الشخصية مثلما فعل فيلم “أريد حلًا”، خاصة بعد الاهتمام المبالغ فيه، وكأن هناك مايسترو يعزف سيمفونية لها هدف تسعى خلفه، خاصة هناك سوابق في ذلك.

فبعد أن حقق فيلم “أريد حلًا” ضجة كبيرة بين الجمهور لدرجة أن الدكتورة زينب السبكي، وكانت وقتها في اللجنة المركزية للاتحاد الاشتراكي، وأمينة للمرأة سنة 1973، ووكيلة لجنة الصحة في مجلس الشعب سنة 1979، أقامت احتفـالًا كبيـرًا جـدًا، وطبعت تذاكر ووزّعتها على السيدات، تحت عنوان “أمينة المرأة زينب السبكي تدعوكم لحضور عـرض فـيلم أريد حلًا”.

وانتهزت السيدة جيهان السادات، زوجة الرئيس الراحل أنور السادات، الفرصة بوصفها من المدافعات عن حقوق المرأة المصرية، وأوعزت للسادات بإصدار مرسوم 1979 الذي أطلق عليه “قانون جيهان”، والذي جعل الشقة من حق الزوجة، في حال الطلاق وإذا كانت حاضنة، كما ألزم الزوج بإبلاغها بزواجه الثاني.

إلغاء القانون

وفي العام نفسه، صدّقت الحكومة على التعديلات كافة التي أقرّها علماء الأزهر ووافق عليها البرلمان، فنشأت قاعدة قانونية لإنصاف المرأة، وهو ما أحاطها بالعديد من الأقاويل بسبب تلك التغييرات التي أحدثها تعديل قوانين الأحوال الشخصية، إلا أنه حُكم فيما بعد بعدم دستوريتها في مايو 1985، وأصدرت المحكمة الدستورية العليا حكمًا حينها ببطلان القانون رقم 44 لسنة 1979؛ لأنه صدر بقرار جمهوري خلال عطلة مجلس الشعب، ولم يعرض بعد الانعقاد للتصديق عليه طبقًا للدستور.

وأخيرًا.. فالمسلسل يؤدي إلى تمزيق الحياة الأسرية بدلًا من لمّ شملها، لذا لا بد من تعديل قانون الأحوال الشخصية بما يتلاءم مع مصلحة الطفل بأن يقضي طفولته بين الأب والأم بشكل متوازن، فيعرف أباه وأهله، كما يعرف أمه وأهل أمه، وأن يكون هناك رادع للزوجة التي تسيء استغلال القانون، والرجل الذي يفتري أيضًا على زوجته، لا نريد مسلسلًا يقوم بترويج أفكار إبراهيم عيسى وقناعاته لخراب البيوت، وتشويه الشريعة في دراما تصل للمنازل كلها بيسر وسهولة.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان