صانعو السعادة
كلنا ننشد السعادة بل نسخر كل ما عندنا من إمكانات حتى نكون من السعداء، وهي بمفهومها العام تعني الشعور بالرضا والطمأنينة والعيش المستقر والراحة النفسية، لكن هذا المفهوم مرتبط بتفاعلات خارجية سريعا ما تتغير لعدم قدرة الناس على تحمل الضغط النفسي الذي وصل إلى حد اليأس عند الكثيرين من ظروف مادية والتزامات متجددة يصحبها تفكير متواصل لتوفير لقمة العيش في زمن عظمت فيه النظرة المادية المجردة من المشاعر مما أحدث في النفوس هما متواصلا وحزنا عميقا، ومن هذا المنطلق وجب على الناس الخروج من هذه الدوامة وتعلم كيف يمكن صناعة البهجة والفرح والسعادة لهم ولغيرهم.
الحياة الطيبة
هذه المهمة يمكن أن يقوم بها الجميع لأن الأصل في حياة المؤمن أن يعيش حياته كما وعده المولى عز وجل قال تعالى: “مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً”.. الحياة الطيبة بمعناها البسيط: الشعور بالرضا عن الله تعالى، لكن إذا أردنا أن نصفهم: فصانعو السعادة يحبون الخير لغيرهم، مفعمون بالأمل، عندهم قدرة عالية على تحمل الصعاب والأذى ويبذلون كل ما عندهم من غير ثمن ولا انتظار شكر لأن فكرتهم نابعة من إيمان عميق أن الله يرى ويسمع النجوى ويستجيب الدعاء، وعندهم قناعة راسخة أن التوفيق حليفهم مهما أظلمت الدنيا، وكلما زادت المصائب زادت عزيمتهم، وقفت مع عدد من الذين مرت عليهم مثل هذه المواقف الصعبة والليالي المظلمة من الهموم والأحزان، فكانت الإجابة واضحة أشبه بالإجماع يقولون: “إن شاء الله كله لي خير” مصداقا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له”.
صانعو السعادة هم الذين يملكون القدرة على طمأنة الناس أن القادم أحلى، والوصية الأجمل عندهم: ما عليك إلا أن تجتهد في عملك وترضي ربك وتصبر وسيأتي الفرج، الذي يحمل هذه البشرى وينشرها بين الناس كحامل المسك قربه والتعامل معه كله خير.
من صفاتهم أيضا إدخال السرور على القلوب، فلابد أن يكون دائم البشر والتبسم مهما كانت الظروف التي يمر بها. ها هو عمرو بن العاص بعد أن أسلم يقول: “ما رآني النبي صلى الله عليه وسلم إلا تبسم في وجهي”.. في كل الظروف كلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه تبسم قال عمرو: “فكان من أحب الناس إليّ”.. يوصي المصطفى صلى الله عليه وسلم أصحابه فيقول لهم: “إنكم لا تَسَعُونَ الناسَ بأموالِكم، فَلْيَسَعْهُم منكم بَسْطُ الوَجهِ، وحُسْنُ الخُلُقِ”، وجعل التبسم في وجوه الآخرين صدقة والعبارة الجميلة التي تولد الطاقة الإيجابية صدقة، رغم كل شيء لابد من الكلمة الطيبة” وليس بالضرورة أن يكون مزاجك عالٍ، وبالك مرتاح حتى تقول الكلام الطيب، على من يصنع البهجة والفرح أيضا أن يجزل العطاء في تجميل العبارات لمن حوله فيناديهم بأحب الأسماء ويدفعهم بما يسعون في الوصول إليه بكلامه، فليس جرما أن تقول لابنك: ياد كتور وهو يتمنى أن يكون طبيبا، حتى العلاقة بين الزوجين، فالكل فيها ملزم باستخدام العبارة الرنانة والكلمة الجاذبة.
جفاف المشاعر
شكى الدكتور زهير عبد الرحمن في برنامجه التلفزيوني: (الإرشاد الأسري) من الجفاف والتصحر في المشاعر الذي تعانيه كثير من الأسر خاصة بين الأزواج، وعنده مثال لإحدى الأخوات التي كانت في خصام دائم مع زوجها وأوصاها أن تقول لزوجها: “يا سيد الناس”.. تحكي بعد أن قالت هذه العبارة أنه خرج من البيت مباشرة وتأخر لزمن طويل ثم جاء إلى البيت يحمل معه طقم أساور من ذهب أعطاه لها وقال لها: ” هاكي يا ست الناس”. حاولت زوجتي أن تسلك مسلك هذه المرأة فأصبحت تناديني (يا سيد الناس) غمرتني السعادة بهذه العبارة لكن عجزت عن توفير طقم الأساور.
كذلك الاهتمام بالآخرين والسؤال عنهم من سمات صانعي البهجة والفرح فهو يعرفك ويعيش حزنك وفرحك ويشاركك همك، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم الذي كان يشارك الصحابة همومهم حتى مع الصغير إذ قال لغلام صغير: يا أبا عمير ما فعل النغير -طائر صغير كان يرعاه- ولما مات هذا الطائر عزّاه النبي صلى الله عليه وسلم .
صانعو السعادة دائمو الشكر لمن أحسنوا إليهم يعرفون للناس قدرهم وينزلون الناس منازلهم يبادرون بالدعاء لغيرهم، يعرفون أن البذل والعطاء المتواصل أقرب السبل إلى قلوب الآخرين تتقدمه الهدية مصداقا لقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم: “تهادوا تحابوا”.
الواقع العملي
ويأتي الواقع العملي أن يسعى هؤلاء لتحقيق معنى السعادة في أرض الواقع بامتلاك زمام المبادرات وتفعيل دورهم في المجتمع وتبني المشروعات التي تولد السعادة في نفوس الضعفاء والمساكين، وكنت شاهدا لمشاريع قام بها الشباب في منطقتنا كمشروع: كيس الصائم، وفرحة العيد، وإنارة الأحياء، وجمع الملابس وتوزيعها على الفقراء، وآخرها مشروع (سقيا الماء) عن طريق حفر آبار تسقي ما يقارب الستمئة ألف نسمة، وتفاعل مع هذه الفكرة عدد كبير من الناس ولك أن تتخيل حجم السعادة التي غمرت أهل المناطق المستهدفة بعد توفير مياه الشرب لهم .
صانعو السعادة أقرب الناس إلى الله فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أحب الناس إلى الله قال: “أنفعهم للناس”، وأعظم عمل يحبه الله تعالى إدخال السرور على القلوب إضافة إلى الإعانة والتوفيق الواضح في كل مبادرة يقومون بها. رعاية مثل هذه المبادرات من الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني يؤصل لروح التعاون ويوجد نوعا من الحراك المجتمعي ويوظف طاقات الشباب في تنمية بلدانهم، إضافة إلى إحلال روح الفرح والسعادة بينهم لما يقومون به من إسعاد غيرهم. والذي يرى نتائج هذا العمل يدرك تماما أن كل بلد فيها من الإمكانات الهائلة من موارد وطاقات بشرية يمكن أن نصنع الإعجاز إذا أصبحت اليد واحدة والعمل موحدا.