سعي أمريكي لزيادة إنتاج النفط على حساب الإيرادات العربية

الرئيس الأمريكي

في عام 2008 ارتفع سعر النفط حتى وصل سعر البرميل 147 دولارا في شهر يوليو، مما دفع الرئيس الأمريكي بوش إلى زيارة السعودية طالبا زيادة الإنتاج، وهو ما تمت الاستجابة له فدفع ذلك أسعار النفط إلى التراجع التدريجي خلال الشهور التالية، حتى بلغ متوسط سعر خام برنت خلال الشهر الأخير من العام أي بعد ستة أشهر فقط أقل من 42 دولارا للبرميل.

وها هو الرئيس بايدن يعيد الكرة خلال زيارته للسعودية الشهر الحالي، مطالبا بزيادة الإنتاج سواء من السعودية أو من دول الخليج العربي الأخرى، مستندا لوجود فائض إنتاج يبلغ حجمه 3 ملايين برميل يمكن إضافته للإنتاج من السعودية والإمارات نصيب السعودية منه 2.5 مليون برميل، ولهذا لم يرض بايدن عن زيادة الإنتاج التي أقرها أعضاء تحالف أوبك بلس مؤخرا واعتبرها زيادة قليلة.

ويسعى بايدن من خلال طلبه زيادة الإنتاج لأن تتسبب زيادة العرض على الطلب في تراجع الأسعار، بعد أن أدى ارتفاع أسعار البنزين بالولايات المتحدة إلى إحراجه قبيل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، كما سيساعد تراجع الأسعار على تخفيف الضغط على الحلفاء الأوربيين الذين تضرروا من ارتفاع أسعار النفط.

وفى نفس الوقت يقلل من الإيرادات التي يمكن أن تحققها روسيا من صادراتها النفطية إلى الأسواق البديلة لأوربا خاصة الصين والهند، وهو ما يتوافق مع دعوة الدول السبع الكبار مؤخرا إلى وضع سقف لسعر النفط الروسي، رغم تراجع سعر الخام إلى أقل من مئة دولار للبرميل خلال الشهر الحالي، بسبب المخاوف من حدوث ركود في الاقتصاد الأمريكي، مع توقع استمرار رفع سعر الفائدة بسبب ارتفاع التضخم الذي بلغ معدله 9.1%.

   أمريكا تتسبب في نقص صادرات إيران وفنزويلا

وهكذا تسعى الولايات المتحدة لتحقيق مصالحها بصرف النظر عما ينجم عن ذلك من تراجع إيرادات دول عربية يمثل النفط المكون الأكبر من صادراتها السلعية؛ إذ بلغت نسبة الصادرات منه مثلا في السعودية 71% فضلا عن صادراتها من البتروكيماويات، وفي العراق 92.5% وفي الكويت 78% وفي ليبيا 95% وفي الجزائر 54% العام الماضي.

كما تتجاهل الولايات المتحدة أن سياساتها قد تسببت في نقص المعروض النفطي، بسبب عقوباتها لإيران وفنزويلا، وهو ما حرم الأسواق من كميات كبيرة من النفط في وقت تراجع فيه الإنتاج فى أنغولا ونيجيريا بسبب عدم كفاية الاستثمار والمشاكل التشغيلية، وفي ليبيا جراء الاحتجاجات التي تسببت فى نقص الإنتاج بحوالي النصف.

لكن الولايات المتحدة لا يهمها سوى مصلحتها الآنية، فعندما انخفض سعر النفط إلى 23 دولارا للبرميل في أبريل 2020 نتيجة الخلاف السعودي الروسي وإغراق كل منهما السوق بالنفط، تدخلت الولايات المتحدة للتقريب بين البلدين لدفع الأسعار إلى الصعود، حتى تكون مناسبة لإنتاجها النفط الصخري الأكثر تكلفة.

وعندما استجابت أوبك عدة مرات بزيادة الإنتاج خلال ولاية الرئيس الأمريكي ترمب، أصبحت علاقة الولايات المتحدة بأوبك جيدة، وعندما رأت الولايات المتحدة أن الزيادة الأخيرة لمجموعة أوبك بلس للإنتاج غير كافية أصبحت تهدد باتهام أوبك بالاحتكار في سوق النفط، رغم أن تحقق ذلك من شأنه دفع الأسعار إلى الصعود.

  حفاظ أمريكي على الاحتياطي من الخام

والمعروف أن زيادة الإيرادات النفطية الخليجية تؤدي إلى زيادة الواردات السلعية والخدمية من الولايات المتحدة، وزيادة الاستثمارات بها وشراء السلاح منها، إلا أن الولايات المتحدة تفكر في المكاسب الآنية لزيادة كميات النفط لإرضاء الناخب الأمريكي.

هذا رغم أن الولايات المتحدة تحتل المركز الأول في إنتاج الخام بالعالم، بنصيب بلغ 16% من الإنتاج العالمي العام الماضي حسب بيانات أوبك، وتحتل المركز الخامس دوليا في تصدير الخام بنصيب 7%، وشغلت المركز الأول في صادرات المشتقات بنصيب 19% من الصادرات الدولية، لتحتل المركز الأول دوليا في صادرات الخام والمشتقات معا بنسبة 12% من الصادرات الدولية منهما.

وتمتلك الولايات المتحدة أكبر طاقة تكرير بين دول العالم بنصيب 17.5% من طاقة التكرير الدولية، واحتلت المركز الأول في إنتاج المشتقات البترولية العام الماضي بنصيب 21% من الإنتاج العالمي، ولأنها تشغل المركز التاسع دوليا في الاحتياطيات الدولية من الخام بنصيب 2.5% من الاحتياطيات الدولية، فإنها لا تتوسع في الإنتاج للحفاظ على الاحتياطي القصير العمر، ولعوامل بيئية.

ومع أن إنتاجها من الخام يكفي 56% من احتياجاتها، فقد وظفت كميات كبيرة من الخام المستورد لتكريرها وإعادة تصديرها والاستفادة من القيمة المضافة للتكرير، فإذا كانت قد استوردت خاما بنحو 133 مليار دولار العام الماضي، فقد صدرت خاما بأكثر من 69 مليار دولار، بعجز بلغ 63.5 مليار دولار بتجارة الخام.

لكنها عوضت ذلك العجز بصادراتها من المشتقات التي بلغت قيمتها 96 مليار دولار، مقابل واردات مشتقات بلغت قيمتها 68 مليار دولار، بفائض في تجارة المشتقات بلغ 28 مليار دولار.

وهكذا بلغت قيمة صادراتها من الخام والمشتقات معا 165 مليار دولار، مقابل واردات منهما بقيمة 201 مليار دولار، لتنخفض قيمة العجز التجاري النفطي إلى 35 مليار دولار فقط، وهو ما تغلبت عليه بتحقيق تجارتها بالغاز الطبيعي فائضا بلغ 57 مليار دولار، أي أن الميزان التجاري للنفط والغاز الطبيعي معا قد حقق لها فائضا بلغ 22 مليار دولار.

نصيب محدود للعرب بالواردات النفطية الأمريكية

وتقل استفادة العرب من الواردات النفطية الأمريكية، حيث أشار التوزيع النسبي لوارداتها من الخام العام الماضي، إلى استحواذ كندا والمكسيك معا على نسبة 71% لتبقى نسبة 10% لدول أمريكا الوسطى والجنوبية، و9% لآسيا و5% لكل من أفريقيا وأوربا. وكان نصيب الدول العربية الخمس: السعودية والعراق وليبيا والكويت والإمارات نسبة 10.5% من الإجمالي، تتصدرها السعودية بنصيب أقل من 6%، مقابل نسبة 18.5% للسعودية وحدها عام 2013.

وهو ما يشير إلى تراجع نصيب الدول العربية بواردات الخام الأمريكي خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث كان نصيب الدول العربية 28% من تلك الواردات عام 2012، ثم تراجعت النسبة خلال السنوات التالية، ونفس الأمر لقيمة واردات الخام من الدول العربية التي بلغت أقل من 16 مليار دولار العام الماضي، مقابل 93 مليار دولار عام 2012، وكان نصيب السعودية العام الماضي أقل من 9 مليارات دولار مقابل 54 مليار دولار كانت نصيبها وحدها عام 2012.

ويتكرر المشهد بالواردات الأمريكية من المشتقات؛ حيث استحوذت كندا والمكسيك على نسبة 33% من الإجمالي العام الماضي حسب إحصاءات شركة البترول البريطانية، وجاءت 21% من الدول الأوربية و20% من روسيا، و13% من الدول الآسيوية و3% من الدول الأفريقية، لتبقى لدول الشرق الأوسط العربية وأبرزها السعودية والعراق والكويت والإمارات معا نسبة 6% فقط من الإجمالي.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان