إبراهيم صالح.. مغني البندقية والمقاومة والثورة الفلسطينية

إبراهيم صالح

 

ثلاثة وستون عامًا هي رحلة العودة التي أمضاها ابن قرية الشجرة منذ خروجه منها في عام النكبة العربية 1948، حتى عودته إليها عام 2011، ومنذ أن حفظ أشعار وأهازيج الثورة الفلسطينية الأم عام 1936، وعمره لم يتجاوز ست سنوات وحتى وفاته في الثالثة والثمانين، لم يصمت صوت مغني الثورة الفلسطينية وبندقيتها.

زادته إحساسًا آلام العمر والحياة خاصة عندما فقد جدّه في حرب فلسطين، واستشهد ابنه في الاجتياح الإسرائيلي للجنوب اللبناني عام 1982، ثم ابن عمته فنان الكاريكاتير العربي ناجي العلي، قوة وإصرار على المقاومة والعودة والنصر ودعم ثورته ونضال البندقية الفلسطينية، إنه المغني الذي أسس المقاومة بالغناء إبراهيم محمد صالح المكنى “أبو عرب”.

فلسطين.. البندقية.. الرفض

هدّي يا بحر هدّي طولنا في غيبتنا.. ودّي سلامي ودّي للأرض اللي ربتنا

سلملي ع الزيتونة وعلى أهلي اللي ربوني، بعد أمي الحنونة يتشمشم بمخدتنا

وسلّم سلّم ع بلادي، تربة بيِّ وجدادي، وبعدو العصفور الشادي، بيغرد لعودتنا

روائح فلسطين وملاحمها لا تنتهي من قبة الصخرة وباحة الأقصى التي ترتجف لها القلوب الساعية والمحبة لفلسطين حتى غصن الزيتون والعلم الفلسطيني بألوانه الأخضر والأبيض والأسود والأحمر، وثياب المرآة الفلسطينية وكوفية الرجل، وأشعار محمود درويش وسميح القاسم، ورقصة الدبكة وغناء فرق التراث الفلسطيني، إنها قبلة الثوار والأحرار، والقدرة على المقاومة والنصر.

من شهداء جنين وأحياء القدس إلى مقاومة أهالي الشيخ جراح، ومن وجه الأم الفلسطينية إلى نضال أبناء غزة، من رفض كل رياضي عربي من الأردن إلى الجزائر ومن الكويت إلى الإمارات، من رفض وزيرة الثقافة البحرينية لسفير الكيان الصهيوني وهذا الاحتفاء العربي بها يأتي النصر الفلسطيني.

أبو عرب.. رفيق القضية

ولِد إبراهيم صالح في قرية الشجرة التي ولِد بها ناحي العلي بعد ميلاد أبو عرب  بست سنوات، وبينما لا يزال طفلًا في الخامسة كانت الثورة الفلسطينية (الثورة الكبرى) التي قادها المناضل الفلسطيني أمين الحسيني، وكان جد أبو عرب ينشد الأشعار التي تدعم الثورة، وحفظ عنه الأشعار طفلًا، والتي كانت منبع غنائه وأشعاره، وكما حل بأهل القرية عام 1948، حين هُجّروا من فلسطين بعد مقاومتهم للاحتلال الذي أدى إلى ارتقاء 28 شهيدًا، منهم جدّه، رحل أبو عرب إلى مدينة بنت جبيل اللبنانية، ولكنه لم يبق بها طويلًا، وهاجر إلى حمص في سوريا ليبقى هناك حتى وفاته.

منذ طفولته صار يردد الأغاني الداعمة للمقاومة الفلسطينية، وكانت البندقية والثورة هي مجمل أشعاره وغنائه، مؤكدًا على نصرها، وداعمًا لكل من يحملها، كان يرى أن من يتخلى عنها يفرط في الحق الفلسطيني، وقد استقال من منظمة التحرير الفلسطينية بعد قبولها الصلح مع الاحتلال.

يا ظريف الطول ويا رفيق السلاح..أروي أرضك دم جسمك والجراح

ما بنكل وما بنمل من الكفاح.. ما بنموت إلا وقوف بعزنا

أبو عرب.. صوت إذاعة فلسطين

كانت نشأة إذاعة فلسطين من مصر ضمن شبكة صوت العرب عام 1959 هي معبره للوصول إلى كل الأراضي العربية، حيث استدعاه مدير القناة المسموعة ليشارك في برنامج “مكاتيب وأهازيج” الذي كان يتلقى رسائل أهل فلسطين من الشتات والأرض المحتلة، وسجل أبو عرب أغانيه وأشعاره في هذا البرنامج التي كانت تعبّر عن الحنين والوطن والعودة والذكرى.

جفرا ويا هالربع شعب وفدائية.. ماشيين حتى النصر ضد الصهيونية

جفرا ويا هالربع تصيح وتنادي، مشتاق نبع الميا ع العين ورّادة

خذوني صوب الوطن لديرة بلادي ت اعمل عظامي جسر يمشوا الفدائية

في القاهرة كوّن أبو عرب فرقة باسم إبراهيم نوح الشاعر الفلسطيني الذي استشهد عام 1937، مع الشيخ عز الدين القسام، انتقل ابو عرب في عام 1977 إلى بيروت حيث شارك في برنامج ركن الأغاني مقدمًا أكثر من 150 أغنية من أشعاره وغنائه، وكوّن فرقة فلسطين للتراث الشعبي التي ظلت بهذا الاسم حتى استشهاد ناجي العلي عام 1987، غيّر أبو عرب اسم الفرقة إلى فرقة ناجي العلي.

كان استشهاد ابنه معن في بيروت عام 1982، نقطة مهمة في حياته، فقد أصر على أن الرصاص هو الحل، وقد عاش أبو عرب تلك الفترة في لبنان وشارك في المقاومة للاجتياح الصهيوني لبيروت، وقدّم واحدة من أروع أغانيه في رثاء ابنه معن.

يا شهيد الوطن حيّك ما نسيت تراب حيّك

ما انتظرت وداع بيّك عندما نادى المنادي

قلت يا بلادي لاقينا وعند عينك لو لفينا

اشهدي ويشهد علينا وألف مرحب بالشهادة

تحقيق حلم العودة

عاش يحلم بالعودة إلى قريته الشجرة في فلسطين، وعلى مدار سنوات الشتات والعيش في بلاد متعددة من لبنان إلى سوريا ومصر ولبنان ثم سوريا لم يفقد هذا الحلم، وقبل وفاته عام 2014، حقق أبو عرب الملقب بفنان الثورة الفلسطينية حلمه بزيارة مكان ولادته وصباه، وزار الشجرة التاريخية التي قيل إن المسيح -عليه السلام- كان يجلس تحتها وسُمّيت القرية باسمها، لتتحقق واحدة من أمنيات أبو عرب التي غنى لأجلها طوال حياته، وغدًا يتحقق حلم كل فلسطيني بالعودة إلى أرضها المحررة ما بقي الدم ينبت في الأرض زهور الشهداء، وما دامت الأرض العربية وأبناؤها يؤمنون بعدم الاعتراف والتفاوض مع الكيان المحتل.

يا أختي دموع عينك كفكفيها

كفاك نفس خيّك تجرحيها

أنا ماشي يا أختي ودّعيني

امسحي بارودتي يللا هاتيها

أمانة فوق راسك علقيها

أمانة تكفكفي العبرة السخينة

بعد رجوعكم للوطن جيبوا الصورة..

وفوق قبري واغرزيها

المصدر: الجزيرة مباشر

إعلان