بدائل علمية لحل أزمة الخبز في مصر
ما زالت الحكومة المصرية تبحث عن بدائل للقمح في صناعة الخبز البلدي المدعم للتغلب على أزمة القمح العالمية التي تفاقمت بعد الحرب الروسية على أوكرانيا المستمرة منذ 24 فبراير/شباط الماضي، وتراجع الإنتاج في الدول المصدرة بسبب موجات احترار مناخي غير مسبوقة. وأعلن وزير التموين والتجارة الداخلية، علي المصيلحي، عن دراسة لاستخدام البطاطا الحلوة بديلا جزئيا لدقيق القمح في إنتاج رغيف الخبز البلدي المدعم، في 26 يونيو/حزيران الماضي ضمن خطط الحكومة لتقليل استيراد القمح الذي يعاني من أزمة عالمية.
وقبل أن يتوقف الجدل حول اقتراحه استخدام البطاطا الحلوة بديلا جزئيا لدقيق القمح في إنتاج رغيف الخبز البلدي المدعم، أعلن وزير التموين مجددا عن بحث الوزارة إمكانية استخدام البطاطس في إنتاج رغيف الخبز، وقال إن خبز البطاطس موجود بالفعل في الخارج وإنه تلقى دراسة عن الفكرة من مركز البحوث الزراعية في كفر الشيخ عام 2017، وفق ما نقله موقع صدى البلد من كلمة الوزير بمنتدى شباب الإعلاميين بالمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام في 2 يونيو الماضي.
وأعلن عن استمرار الوزارة في دراسة التجارب المتعلقة بإمكانية استخدام البطاطا الحلوة البيضاء مع دقيق القمح في إنتاج الخبز المدعم. وكشف عن تشكيل لجنة لدراسة جدوى إنتاج رغيف خبز من البطاطا، وقال إنه علق الحديث في الموضوع إلى حين ظهور النتائج العلمية الحاسمة لنفع البطاطا في إنتاج الخبز أو عدمه. وفي تقديري أن النتيجة محسومة مقدما، ولن تصلح البطاطا بديلا لدقيق القمح في إنتاج الخبز لاعتبارات فنية واقتصادية وتغذوية. وقد فصلت هذه الاعتبارات في مقال سابق في نفس المكان وفي نوافذ إعلامية أخرى ولا داعي للتكرار.
ثم تطرق الوزير إلى إضافة دقيق الذرة الشامية لرغيف الخبز البلدي المدعم في الماضي. وطالب مستشار سابق بوزارة التموين الوزير بالعودة مجددا إلى خلط الذرة بدقيق القمح لإنتاج الخبز البلدي المدعم لتوافر محصول الذرة في مصر، بالإضافة إلى صعوبة تدبير مساحات إضافية من الأراضي الزراعية لزراعة المزيد من البطاطا، بحسب رأيه المنشور في صحيفة الأهرام الحكومية بتاريخ 27 يونيو الماضي.
تجربة فاشلة
الإشارة إلى التجربة السابقة لاستخدام دقيق الذرة في إنتاج الخبز المدعم قد تكون تمهيدًا لإعادة استخدامه مرة أخرى. وهو ما يذكر برفض الفكرة أثناء تنفيذها لاعتبارات صحية شديدة الخطورة، واعتبارات فنية واقتصادية أيضا. القرار طبقه في سنة 1997 الدكتور أحمد جويلي، وزير التموين الأسبق وكانت حجته أن سعر الذرة المنتج محليا أقل من سعر القمح، وأن إضافة الذرة بنسبة 20% إلى دقيق القمح سوف توفر استيراد القمح والعملة الصعبة.
ورغم معارضة خبراء صناعة الطحن القرار منذ البداية، نظرا لافتقار دقيق الذرة إلى مادة الجلوتين اللازمة لتكوين عرق العجين، الذي يختص به القمح وحده، ولعدم جاهزية المطاحن القائمة لطحن حبوب الذرة التي تختلف تماما عن حبوب القمح، ولغياب أجهز الخلط المتجانس لنوعي الدقيق في المطاحن، ولكبر حجم حبيبات نشا دقيق الذرة عن مثيلتها في دقيق القمح؛ فقد طبقت الحكومة القرار.
وبعد تنفيذ الفكرة اكتشف أصحاب المخابز زيادة نسبة الخبز التالف أثناء عملية الخَبْز، السحلة، وتبين أن الخبز المحتوي على دقيق الذرة يتجلد بمعدل سريع ويفقد طزاجته وطراوته بعد ساعتين من خروجه من الفرن على الأكثر، فزادت نسبة المفقود من الخبز في صناديق القمامة في المدن، واضطر أصحاب المخابز إلى بيعه بالكيلو لمربي المواشي وأصحاب المزارع السمكية. وقدرت الوزارة نسبة فقد الخبز بأكثر من 30%، وأصبحت إضافة الذرة إهدارًا للمال العام.
وخاض خبراء الصحة والتغذية وتكنولوجيا الطحن معارك على صفحات الجرائد لوقف هذه الجريمة، وعلى رأسهم الأستاذ الدكتور أحمد البرديني رئيس قطاع البحوث والتجارب بشركة مطاحن شمال القاهرة، الذي طالب وزير التموين في حكومة أحمد نظيف، وهو نفسه الوزير الحالي، بوقف إضافة دقيق الذرة لسبب أكثر خطورة وهو احتواء دقيق الذرة على نسب عالية من السموم الفطرية والأفلاتوكسينات السامة وتسببها في زيادة نسب الإصابة بأمراض السرطان. ورغم ذلك استمرت الحكومة في إضافته طوال خمس عشرة سنة.
وفي أزمة الغذاء العالمية في سنة 2007 زاد سعر الذرة عن سعر القمح ولكن استمرت الحكومة في إضافة الذرة خمس سنوات أخرى رغم سقوط المبرر الاقتصادي. ثم قامت ثورة يناير وأوقف الدكتور باسم عودة، وزير التموين في عهد الرئيس الراحل الدكتور محمد مرسي، إضافة دقيق الذرة إلى الخبز مما أدى إلى تحسين جودة الخبز بشهادة جميع فئات المجتمع المصري.
وأستطيع الجزم بعدم وجود بديل للقمح حتى الآن، من الناحية الغذائية والتكنولوجية والاقتصادية، في إنتاج الخبز في أي دولة في العالم، فضلًا عن مصر في إنتاج الخبز البلدي المدعم بنوعية الماوي أو المجري.
وفي ظل أزمة القمح الحالية، وتعقدها بعد قصف روسيا ميناء تصدير الحبوب في أوديسا بعد يوم واحد من اتفاق تصدير القمح من أوكرانيا برعاية تركية أممية، واحتمال استمرار الأزمة بسبب تراجع الإنتاج العالمي ونقص الكميات المتاحة للتجارة في السوق الدولية حتى موسم الحصاد الجديد في منتصف سنة 2023 على أقل تقدير، فإنه لا بديل عن الاكتفاء الذاتي من القمح.
وحتى يتحقق هذا الهدف الاستراتيجي، يمكن اقتراح بعض البدائل الجزئية للتخفيف من أزمة القمح من خلال تقليل استهلاك الخبز في وجبات المصريين مع التأكيد على أنها ليست بدائل عن القمح في صناعة الخبز، ولا تدخل في مكونات رغيف الخبز بأي نسبة.
الأرز بديل للخبز
الأرز هو بديل رغيف الخبز ورديفه على موائد المصريين الفقراء والأغنياء. وتكتفي مصر منه ذاتيًّا منذ عقود وقرون طويلة، وله شهرة دولية لتميزه في الجودة والطعم، وكان رافدا للعملة الصعبة بعد تدمير محصول القطن وحتى تخفيض زراعته بقرار حكومي سنة 2018 بدعوى أنه شره لاستهلاك مياه الري، وهي معلومة غير صحيحة. وهو القرار الذي حوّل مصر من دولة مصدرة للأرز إلى مستوردة.
بعد اندلاع الحرب على أوكرانيا، اقترحت في مارس أن تتوسع الحكومة في مساحة محصول الأرز الذي تبدأ زراعته في أبريل/نيسان، ليكون بديلا لرغيف العيش وللمكرونة التي تصنع من القمح أيضا، لتصل المساحة إلى 1.8 مليون فدان بدلا من 724 ألفًا التي تتمسك بها الحكومة كل سنة، بحجة توفير مياه الري. ورغم عدم استجابة الحكومة، استشعر المزارعون الأزمة وتوسعوا في زراعة الأرز. ونحن على أعتاب موسم الحصاد، ووصل سعر الأرز الشعير حاليًّا إلى 10 آلاف جنيه للطن، والأرز الأبيض إلى 15 ألف جنيه، ويتم تصدير كميات منه بألف دولار.
لذلك أقترح أن تشتري الحكومة الأرز الشعير من الفلاحين بسعر 10 آلاف جنيه للطن، لتشجيع المزارعين على بيع المحصول لوزارة التموين وبناء مخزون استراتيجي، يتم توزيعه على المواطنين من خلال البطاقات التموينية بسعر منخفض في حدود 5 جنيهات للكيلوغرام، وبمعدل 3 كيلوغرام للفرد في الشهر. وبذلك يتمكن المواطن من استهلاك الأرز بدلا من الخبز في وجبة الغداء، ويخف الضغط على استهلاك الخبز. ويمكن تغطية تكلفة دعم الأرز من نقاط الخبز التي توفر 32 مليار رغيف، وفق ما ورد في الموازنة العامة للدولة.
البطاطس بديل آخر للخبز
بعد الحرب على أوكرانيا وارتفاع أسعار القمح والأرز، عقدت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) المؤتمر الحادي عاشر للبطاطس، وليس البطاطا. وقال مدير المنظمة شو دونيو، إن البطاطس هي ثالث أهمّ المحاصيل الغذائية في العالم، ويمكن أن تساهم بشكل أكبر في الأمن الغذائي العالمي. وتوقع أن تصبح واحدة من المحاصيل التي تتمتع بميزة نسبية في النظام العالمي للأمن الغذائي عندما تبلغ إنتاجية محاصيل الحبوب حدّها الأقصى.
وفي أزمة الغذاء العالمية سنة 2008، أطلقت الأمم المتحدة على البطاطس “الكنز الخفي”، وأعلنت سنة 2008 السنة الدولية للبطاطس، باعتبارها مصدرًا للكربوهيدرات يمكن أن يكون بديلا للأرز والقمح. ورأى خبراء منظمة الفاو حينها أن البطاطس من الناحية التغذوية علاج للجوع الناجم عن ارتفاع أسعار القمح والأرز. وأصبحت الصين، وهي مستهلك ضخم للأرز، أكبر منتج للبطاطس في العالم. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، توسعت زراعة البطاطس أكثر من أي محصول آخر في هذا الوقت. واستهدفت حكومة الهند مضاعفة إنتاج البطاطس للتغلب على الأزمة.
وأثناء الأزمة زاد استهلاك البطاطس في العالم بدلا من الخبز والأرز. وبلغ متوسط استهلاك الفرد من البطاطس في بريطانيا 114 كيلوغرامًا، وفي بيلاروسيا 338 كيلوغرامًا، وهي أكبر مستهلك للبطاطس في العالم وفقًا لموقع الأمم المتحدة للسنة الدولية للبطاطس.
وفي بنغلاديش، روجت الحكومة لحث المواطن على استهلاك البطاطس بدلا من الأرز أثناء أزمة الغذاء العالمية سنة 2008. ورغم أن البطاطس لا تعتبر غذاءً شعبيا على مائدة الطعام لسكان بنغلادش البالغ عددهم 140 مليون نسمة، فإن ارتفاع أسعار الأرز والقمح إلى مستويات تشبه الأسعار في الأزمة الحالية دفع الحكومة إلى الترويج لها لتكون غذاءً بديلا.
وبدأ جيش بنغلاديش التجربة، حيث أمر قائد الجيش بتقديم البطاطس بدلا من الأرز للجنود البالغ عددهم 500 ألف جندي. وأقام مهرجانا للبطاطس في سلسلة متاجر يديرها الجيش لنشر ثقافة أكل البطاطس بين الجماهير والاستغناء جزئيا عن الأرز.
ولحسن الحظ توجد في مصر وفرة في إنتاج البطاطس هذا العام، حيث تمت زراعة نحو 400 ألف فدان وإنتاج حوالي 5 ملايين طن، وسجلت رقما قياسيا في الصادرات بلغ أكثر من 800 ألف طن. ويمكن أن تقوم الحكومة بتقديم البطاطس في منظومة السلع التموينية بدلا من السلع الهامشية مثل البسكويت ومرق الدجاج ومسحوق الغسيل، لتكون بديلا جزئيا لرغيف الخبز في الوجبات الثلاث على مدار اليوم وبصور مختلفة، ولكن ليس بإضافتها إلى رغيف الخبز بدلا من دقيق القمح.