حتمية إيجاد بدائل لدقيق القمح في صناعة الخبز البلدي
كشفت الحرب الروسية الأوكرانية عن هشاشة الأمن الغذائي العالمي، فضلًا عن هشاشة الوضع الغذائي في الدول المستوردة الصافية للغذاء ومن بينها مصر. ورغم أن مصر اتخذت عددًا من الإجراءات لمواجهة الأزمة، فإن احتمال امتداد الحرب لفترة أطول تضيف مخاطر جديدة، تقتضي التفكير في حلول غير تقليدية تمتد إلى الاستهلاك فضلًا عن الإنتاج والمخزون الاستراتيجي.
يبلغ استهلاك الفرد من القمح 180 كيلوغرامًا سنويًّا في المتوسط، وهو من أعلى المعدلات في العالم، ويمثل نحو ضعف استهلاك الفرد كمتوسط عالمي. وفي هذا الإطار طرحت الحكومة مؤخرًا فكرة إدخال دقيق البطاطا البيضاء في صناعة الخبز البلدي بنسبة 40% مع دقيق القمح بنسبة 60%، وقد عرض هذه الفكرة أ.د. عبد المنعم الجنداوي (رئيس بحوث بوزارة الزراعة). وهي فكرة ليست وليدة اليوم، إذ سبقتها محاولات لإدخال بدائل أخرى، كان من أهمها دقيق الذرة الشامية بنسبة 20% مع دقيق القمح بنسبة 80%. ونُفّذت هذه الفكرة لفترة ثم تم التراجع عنها لأسباب عدة، من أهمها ارتفاع سعر الذرة فضلًا عن مشكلات فنية تتعلق بمواصفات الرغيف.
البطاطس المهروسة
ويشير خبراء الصناعات الغذائية (أ.د. صلاح أبو رية أستاذ الصناعات الغذائية بجامعة القاهرة) أيضًا إلى فكرة سبق عرضها علي وزير التموين والتجارة الداخلية، وهي إدخال البطاطس (بطاطس التحمير قليلة محتوى السكر ومرتفعة محتوي النشا) بعد هرسها لتدمَج مع دقيق القمح بنسب تتراوح من 25% إلى 75%.
الدولة الآن أمام تطبيق الفكرتين طبقًا لما تسفر عنه دراسة الجدوى الفنية والاقتصادية. يُستخدم في إنتاج الخبز البلدي نحو 9 ملايين طن من القمح سنويًّا تعادل نحو 7.38 ملايين طن من دقيق القمح (بنسبة استخلاص 82%)، وإذا خلطت هذه الكمية بدقيق البطاطا البيضاء فيكون مطلوبًا منه 4.9 ملايين طن، لتكون الكمية الكلية من الدقيق الخليط 12.33 مليون طن. وهذا يعني أنه يمكن تخفيض كمية واردات القمح الكلية من 12 مليون طن إلى 7.1 ملايين طن سنويًّا.
أما في حالة بديل البطاطس، فيكون من المطلوب توفير 2.46 مليون طن بطاطس لدمجها بكمية دقيق القمح البالغة 7.38 ملايين طن، وفي هذه الحالة تنخفض الواردات الكلية بـ2.46 مليون طن. وهذا يعني أن الاستهلاك الفردي من القمح ينخفض إلى نحو 130 كيلوغرامًا في حالة بديل البطاطا، وإلى نحو 155 كيلوغرامًا في حالة بديل البطاطس.
يلاحَظ أن بديل البطاطا على هذا النحو يتطلب فترة طويلة تكفي لإكثار الصنف الذي تم تطويره وراثيًّا لهذا الغرض، وهو ذو محتوي سكر أقل، أخذًا في الاعتبار أن نسبة الرطوبة في البطاطا تبلغ 80% مقابل المادة الصلبة بنسبة 20%. ومع ذلك، يمكن التدرج في استخدام هذا البديل بفرض قبوله فنيًّا.
أما في حالة بديل البطاطس، فيمكن تحقيقه خلال فترة قصيرة، إلا أن المشكلة أن بطاطس التحمير المطلوبة لصناعة الخبز البلدي هي نفسها المطلوبة للتصدير، الأمر الذي يفرض المقارنة بين الخبز البلدي والصادرات. وهذه المقارنة بالتأكيد في صالح الخبز البلدي لاعتبارات الأمن الغذائي.
أيًّا كانت التحفظات الفنية من بعض خبراء التغذية أو الصناعات الغذائية على أي من البديلين، فمن المحتم البحث عن حلول تكنولوجية تتخطي هذه التحفظات، لأنه ليس من المقبول سياسيًّا واقتصاديًّا أن تعتمد مصر بهذا الثقل على واردات القمح، الأمر الذي يعرّضها لمخاطر هائلة، كما هو حادث الآن.