المحكمة الأوربية وإدانة الممارسات اليونانية ضد اللاجئين

الوجه الآخر لخفر السواحل اليوناني المسموح بتصويره

أخيرا وبعد طول انتظار أدانت المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان بالإجماع، حكومة اليونان في حادثة مقتل 11 مهاجرا غرقا، بينهم عدد من الأطفال وحديثي الولادة ، وتعرض 16 منهم للتعذيب على أيدي خفر السواحل في يناير/ كانون الثاني عام 2014 في بحر إيجه، وألزمت المحكمة اليونان بدفع 330 ألف يورو على سبيل التعويض.

وكان حرس السواحل اليوناني قد تعمد إغراق القارب المطاطي الذي كان يحمل مهاجرين غير شرعيين من سوريا وفلسطين وأفغانستان منتهكا بذلك المادتين الثانية والثالثة من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان التي تنص على الحق في الحياة لكل إنسان، دون إخضاعه للتعذيب أو معاملته بشكل مهين.

وأشارت المحكمة في بيانها إلى أن اليونان انتهكت بصورة صارخة حق هؤلاء المهاجرين في الحياة، وتعاملت معهم بطريقة لا تمت للإنسانية بصلة، وعرضتهم لعمليات تعذيب على أيدي رجال الأمن، كما لم تتخذ السلطات أية خطوات إيجابية من شأنها حماية حق هؤلاء المهاجرين في الحياة، وأن كل ما كان يعني المسؤولون عن أمن السواحل اليونانية هو دفع قارب اللاجئين إلى المياة الإقليمية التركية، دون الأخذ في الاعتبار إمكانية غرق القارب وموت ركابه.

الأسباب الحقيقة لحظر أنشطة المؤسسات الإعلامية في بحر إيجه

الغريب في الأمر أن السلطات اليونانية، ولعدم فضح ممارساتها غير الإنسانية في حق اللاجئين عمدت خلال السنوات الماضية إلى حظر نشاط المؤسسات الإعلامية في جزر بحر إيجه، لأسباب وصفتها بـ “الأمنية”، كما فرضت قيودا شديدة على أنشطة المنظمات الإنسانية غير الحكومية العاملة في مجال مساعدة اللاجئين، بعد أن اتهمتهم بالتعاون مع عصابات تهريب البشر.

إلا أن التسريبات التي نُشرت على نطاق واسع أظهرت تعمد قوات حرس الحدود اليوناني تعريض قوارب اللاجئين لموجات صناعية متلاحقة بهدف إغراقها، والقيام بإطلاق الرصاص الحي عليها لإحداث ثقوب فيها، قبل إلقاء طوافات إنقاذ للاجئين وتهديدهم لإجبارهم على استخدامها للرجوع بها إلى الشواطئ التركية.

لم تتوقف الممارسات اليونانية عند هذا الحد، فوفقا لتقارير منشورة لمنظمة العفو الدولية “أمنستي” فإن الانتهاكات طالت هؤلاء الذين استطاعوا النجاة بأرواحهم والوصول إلى إحدى الجزر اليونانية، حيث يتم إجبارهم على ركوب قوارب مطاطية دون محركات، ويتم دفعهم في المياة مجددا ، ويتركون لمواجهة مصيرهم في البحر دون ماء أو غذاء، لدفعهم دفعا للعودة إلى الشواطئ التركية.

 فضح دور “فرونتكس” في جرائم اليونان ضد اللاجئين

كارثية المسألة هنا أن التعامل دون رحمة وبعيدا عن الإنسانية لم يكن سلوكا يونانيا فقط، بل إن مكتب مكافحة الفساد التابع للاتحاد الأوربي اضطر تحت وطأة حجم المعلومات والتقارير والفيديوهات التي توثق لهذه الجرائم، والذي ساهمت تركيا بنصيب كبير منه، إلى فتح تحقيق العام الماضي بحق الوكالة الأوربية لحرس الحدود والسواحل “فرونتكس” بعد تسرب تقارير تفيد تورط وتواطؤ أفراد القوات الأوربية المشاركين في “فرونتكس” في هذه الجرا ئم، لمنع وصول اللاجئين إلى الأراضي الأوربية، وذلك عبر الإيحاء للاجئين على متن تلك القوارب بأنهم يعملون على سحبهم إلى بر الأمان، ثم يقومون بتسليمهم إلى حرس الحدود اليوناني، الذي يبدأ التعامل معهم بكل قسوة وعنف لمنعهم من الوصول إلى الأراضي اليونانية، ودفعهم باتجاه المياة الدولية، أو الحدود التركية ومياهها الإقليمية، دون تقديم أي مساعدة لهم..

وهي التحقيقات التي أثبتت صحة الاتهامات الموجهة إلى فرونتكس، الأمر الذي أدى إلى استقالة مديرها في نهاية أبريل/ نيسان الماضي، وتجميد الدعم المالي الذي يدفعه الاتحاد الأوربي للحكومة اليونانية لمواجهة تدفقات اللاجئين حتى يتم تحديد آلية جديدة للتعامل معهم تتوافق ونصوص الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان.

انتصار جديد للدبلوماسية التركية في مواجهة عنف اليونان ضد اللاجئين

ولهذا يعد حكم المحكمة الأوربية انتصارا للدبلوماسية التركية، التي دأبت خلال السنوات الماضية على فضح المعاملات غير الإنسانية التي تمارسها السلطات اليونانية ضد اللاجئين، ومحاولات إعادتهم قسرا إلى المناطق الحدودية التركية، وهو الأمر الذي أودى بحياة آلاف الأشخاص، بينما عثرت قوات حرس الحدود التركية أكثر من مرة على العشرات من اللاجئين شبه عرايا بعد أن أجبرتهم القوات اليونانية على التجرد من ثيابهم، قبل دفعهم للعودة إلى الأراضي التركية.

ودعت تركيا المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته، وعدم التزام الصمت تجاه عمليات انتهاك القانون الدولي ومعايير حقوق الإنسان التي تمارسها اليونان ضد اللاجئين، مما يودي بحياة العديد من الأبرياء، مطالبة بضرورة إجراء تحقيقات سريعة لتلك الممارسات التي تتجاهل كافة القيم الإنسانية، وتمثل نقطة عار في تاريخ أوربا.

ومع استمرار عمليات الترحيل القسري والتصدي لقوارب المهاجرين التي تمارسها السلطات اليونانية ارتفعت أعداد القتلى غرقا، وأصبح العثور على جثامين المهاجرين فجر كل يوم، خصوصا في فصل الشتاء، مشهدا مألوفا لدي السلطات التركية، التي قادت حملة سياسية وإعلامية خلال العامين الماضيين تحديدا بعدما طفح الكيل، في محاولة للحد من هذا النزيف في أرواح أبرياء يبحثون عن حياة آمنة وكريمة لهم ولأبنائهم.

بارقة أمل ضئيلة لفاقدي الأمن والأمان

صحيح أن هذه الحادثة البشعة التي اُدينت فيها الحكومة اليونانية ليست الأولى، ولم تكن الأخيرة في مسلسل ملاحقة قوات حرس الحدود اليونانية للاجئين الفارين من جحيم الحروب في بلادهم، فبعدها مباشرة وقعت عشرات الحوادث المؤسفة المماثلة التي راح ضحيتها المئات من المدنيين الأبرياء الباحثين عن فرصة للحياة في صورتها الإنسانية، إلا أن القرار بهذه الصيغة يمثل بارقة أمل ولو ضئيلة في إمكانية التعامل بنوع من الرحمة مع هؤلاء الذين وجدوا أنفسهم فجأة بلا مأوى، ولا وطن ولا أمان، بعد أن أصبحوا عزل في مواجهة أصوات القنابل وأزيز الطائرات التي تنذر باقتراب النهاية، وشبح الموت الذي يخيم على كل مكان، ولم يعد أمامهم سوى الفرار بحياتهم من هذا الجحيم الذي رأوه بأعينهم.

 

 

 

 

 

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان