يا غولة عينك حمرا.. اوعى تبيع يا بابا

نور الشريف في مسرحية يا غولة عينك حمرا

تتعرض عالمة الفيزياء العربية لكل أنواع المغريات لكي تسلّم أبحاثها إلى الشركة العالمية التي تحتكر أنواع التكنولوجيا كافة، وخاصة ما يتعلق بتكنولوجيا التسليح وعلوم الفيزياء والبحوث النووية، وبعد أن تنتهي الإغراءات المادية والدنيوية تبدأ مراحل السيطرة والتهديد، وفي الولايات المتحدة التي حصلت فيها على شهادة الدكتوراه واستكملت أبحاثها، تبدأ الشركة المحتكرة في استخدام أساليب الترهيب لتركيع العالمة وعائلتها، وأثناء لحظات الرعب التي وضعت فيها كانت تصرخ وتناجي والدها “اوعى تبيع يا بابا.. اوعى تبيع”.

إن صرخة عالمة الفيزياء التي انطلقت في جنبات مسرح يوسف السباعي بمدينة نصر في مسرحية (يا غولة عينك حمرا) من إنتاج قطاع الإنتاج باتحاد الإذاعة والتليفزيون عام 2004، قبل إغلاق هذا القطاع بعامين، هي صرخة علماء عرب ومصريين أطلقوها على مدار القرن العشرين منذ صرخة مصطفى مشرفة، سميرة موسى، يحيى المشد، سعيد السيد بدير، وغيرهم من العلماء المصريين والعرب، الذين أصروا على استكمال أبحاثهم وتقديمها لأوطانهم العربية، ولكن اليد الخفية التي تحكم العالم امتدت لتقتلهم جميعًا حتى المفكرين الذين قدموا أفكارهم وكتبهم في كشف من يتحكم في العالم وفي المنطقة العربية، من يسعون لشراء كل ما يمكن أن يحيي آمال هذه الأمة سواء بأفكار أو أبحاث وتكنولوجيا علمية متقدمة.

دلالة أسماء المسرحية

مسرحية يا غولة عينك حمرا قدمها مسرح التليفزيون في محاولة إحيائه الثالثة بعد الفترة الذهبية له في بداية الستينيات، وفي نهاية التسعينيات جاءت المحاولة الثانية التي قدمت عرضين كان أهمهما عرض (الدخان لميخائيل رومان) إخراج مراد منير وبطولة صلاح السعدني، وكانت المحاولة الثالثة التي قدم فيها عرض يا غولة عينك حمرا تأليف كرم النجار، إخراج حسن عبد السلام وبطولة نور الشريف وطارق لطفي ومنال سلامة.

الملاحظة الأولى على النص المسرحي دلالة الأسماء، فهذا عصمت (عبد) الكريم (عبد) الحق الأب لعب دوره نور الشريف ذهب إلى سوريا (الإقليم الشمالي) أيام الوحدة مع والده الذي استمر في سوريا بعد الانفصال ليستكمل ابنه تعليمه، يعيش الابن هناك ويرتبط بفتاة من سوريا فيتزوجها، ثم يعود إلى مصر (الإقليم الجنوبي) ومعه أولاده أصيلة عالمة فيزياء، وصادق مهندس تكنولوجيا ناجح، ونزيه ابن الخصخصة، كما يتردد طوال العرض المسرحي، أصيلة وصادق استكملا تعليمهما في أمريكا ويعودان لمصر.
وبمساعدة نزيه الحاصل على “ليسانس” الترجمة بتقدير امتياز، ويفشل في التعيين معيدًا، يقرر الأب والأم بيع كل ممتلكاتهم لينشئوا مصنعًا للتكنولوجيا، فيبدأ الصراع مع المحتكر الأصغر للتكنولوجيا في المنطقة إشارة إلى الكيان الصهيوني (شركة إقليمية) الذي لا يسمح لأي دولة بامتلاك التكنولوجيا خاصة ما هو متعلق بالفيزياء والكيمياء والنووي، وتفشل وسائل الإغراءات كافة أو التهديد مع عصمت، أصيلة، صادق، وحتى نزيه والطفل مطاوع الابن الرابع لعصمت، وتطلب الشركة الصغرى من الشركة الأم في الولايات المتحدة التدخل ومساعدتها في إيقاف المصنع.

الوسيط غير النزيه

يتصور عصمت وأولاده عندما يستدعيهم صاحب الشركة المحتكرة للتكنولوجيا كوسيط مع الشركة الإقليمية إنه وسيط نزيه، فهناك طرفان: طرف يريد الشراء وطرف لا يريد البيع، ولكن خاب الظن، فما أن التقى الوسيط مع صاحب الشركة الكبرى (إشارة إلى أمريكا) حتى يستعرض لهم سيطرته على العالم، وتوزيعه لكل العلوم والأسلحة وأيضًا أدوات السيطرة حسب مصالحه، وبالتالي فعلى عصمت وأصيلة وصادق الإذعان بإغلاق المصنع، وإلا سيكون الطريق الثاني غير العروض المادية، يرفض الثلاثي فيبدأ صاحب الشركة جاكسون في تغيير الأسلوب، فيدمر أبناء عصمت أمام عينيه، فلا يجد عصمت أمامه سوى أن يدمر أسطورة جاكسون وأساليب سيطرته على العالم، من خلال تدمير تكنولوجيته التي يتحكم فيها بالعالم وحروبه وعلومه التي يوزعها حسب المصلحة.

مشهد الختام

في مشهد الختام يحكى الأب عن حلمه بالعدل في توزيع العلم، وحقه في التكنولوجيا مثل غيره، ثم يوجه دعوته إلى كل أقاليم الشمال والجنوب أن يتعاونوا في بناء وحدة أيًا ما كانت حتى لو جغرافية فقط، دون إشارة إلى وحدة الدين والثقافة والتاريخ، فليكن هذا الماضي وانتهى، ولكن الجغرافيا لن تتحرك ولن تنتهي، فمن يحتاج التكنولوجيا يأخذها من الإقليم الذي يجاوره، ومن يحتاج المنتجات الزراعية يتكامل مع جاره، ومن يحتاج المال، وهكذا في كل مناحي الحياة يدًا وحدة لجغرافيا واحدة، لا تسمح بتحكم خارجي في كل أرجاء الوطن.

هذا الختام هو جزء من رسالة قدمها الفنان نور الشريف عبر أعمال سينمائية ومسرحية كثيرة، فقبل هذا العرض بعامين قدم مسرحية لن تسقط القدس، وقدم هذا العرض في البلاد العربية كلها، وقد قدم نور للمسرح 13 عملًا مسرحيًا، منها (بكالوريوس في حكم الشعوب)، (الأميرة والصعلوك)، (كنت فين يا علي)، (يا مسافر وحدك)، و(المليم بأربعة) وقدم للدراما التليفزيونية (عمر بن عبد العزيز خامس الخلفاء) و(هارون الرشيد)، وللسينما مثلًا (أهل القمة)، (دماء على الأسفلت)، (كتيبة الإعدام)، وقد وصل عدد أعمال نور الفنية 264 عملًا دراميًا.

حسن عبد السلام أحد كبار مخرجي المسرح المصري، وقدم عبر سنوات طويلة 71 مسرحية منذ الخمسينيات حتى عام 2006 حين قدم آخر أعماله (مراتي زعيم عصابة) بطولة سمير غانم الذي قدم معه العديد من المسرحيات منذ مسرحية (طبيخ الملايكة) عام 1964، ومن مسرحيات حسن عبد السلام (كعبلون)، (هالة حبيبتي)، (سيدتي الجميلة)، (العالمة باشا)، وذلك بجوار مساهماته المسرحية في مسارح الدولة مخرجًا ومديرًا لفرقها.

المؤلف كرم النجار اشتهر بالدراما التليفزيونية، ولم يقدم للسينما سوى عدد قليل من الأفلام أما عدد المسرحيات التي قدمها فهي ثلاث مسرحيات فقط رغم إن أولى مسرحياته كانت البرواز عام 1966، لم يقدم بعدها سوى يا غولة عينك حمرا، ثم أيام الغضب آخر أعماله عام 2010، وقدم الشاعر سيد حجاب أشعار مسرحية يا غولة عينك حمرا، والموسيقي والألحان لياسر عبد الرحمن.

ختام..

قدم مسرح التليفزيون عبر مرحلته الأولى وخلال محاولات إحيائه أعمالًا مسرحية اهتمت بالقيمة الفكرية والثقافية بجوار المتعة الإبداعية والبصرية، ولكن كل محاولات إعادته كانت دائمًا لا تكتمل لعدم وجود النية الصادقة في هذا وهو ما اكتمل بإغلاق قطاع الإنتاج الدرامي وإنهاء دوره في منتصف العشرية الأولى من القرن الحادي والعشرين، أما المحاولة الرابعة في عام 2016، فقد كان كاتب المقال صاحب المحاولة والمشرف عليها، وقد باءت أيضًا بالفشل لغياب الاستراتيجية الإعلامية لدى الهيئة الوطنية للإعلام، لكن يبقي للمشروع الأصلي محاولة تقديم الفكر والثقافة والإبداع.

المصدر : الجزيرة مباشر