“الضيوف هم الملوك”.. لماذا نتخطى ألبانيا في خارطة السفر والسياحة؟
لم أرتب لهذه الرحلة مطلقًا، ولم أكن أعرف أين تقع تلك الدولة على الخريطة من الأساس؟ وربما معظم الناس لا يعرفونها مثلي. أعلم أن معظم رحلاتي حول العالم لا تخضع لترتيب أو تنظيم، وكمثل رحلاتي السابقة، وجدت نفسي -وبسرعة شديدة- وسط مجموعة من محبي السفر، أركب الطائرة المتجهة إلى ألبانيا.
ألبانيا بلد يقع في منطقة البلقان في جنوب شرقي أوربا، يحدّه من الشمال الغربي الجبل الأسود، ومن الشمال الشرقي كوسوفو، ومن الشرق جمهورية مقدونيا، ومن الجنوب اليونان.
ألبانيا بلد غني بآثاره ومعالمه السياحية، وطبيعته الخلابة من جبال وتلال تغطي أنحاء البلاد، وجزر وشواطئ مميزة ذات مناظر طبيعية جذابة، وأجواء معتدلة، خاصة في فصلي الربيع والخريف.
وعلى الرغم من موقع ألبانيا الفريد، ومزاياها العديدة، فإنها غالبًا ما يتم تخطيها عند التخطيط للسفر إلى أوربا، ربما بسبب أن ألبانيا كانت لسنوات مجتمعًا منغلقًا، تحكمه القبضة الحديدية الشيوعية، ولم تنفتح على العالم إلا قبل بضع سنوات، أو ربما لأنها لا تزال غير مكتشَفة بشكل جيد للسياح.
فيروس كورونا (كوفيد-19)
ألبانيا مثل جميع الدول السياحية التي تضررت خلال جائحة فيروس كورونا، الذي تسبب في خسارة للاقتصاد العالمي خلال عامَي 2020 و2021، وضرب السياحة الدولية، ثم جاءت الحرب بين روسيا وأوكرانيا، لتهدد قطاع السياحة مرة أخرى.
وفي محاولة لجذب السياح إلى ألبانيا في موسم صيف 2022، ورغبة من الدولة في أن تكون وجهة سياحية، قامت الحكومة الألبانية بالعديد من التسهيلات للسائحين، إذ أعلنت إلغاء نظام التأشيرة السياحية، وإلغاء القيود المتعلقة بفيروس “كوفيد-19” للزوار من الإمارات والكويت والسعودية والبحرين وعمان وقطر ومصر.
مدينة الألف نافذة
المميز في ألبانيا -بجانب موقعها في جنوب شرقي أوربا وطبيعتها الخلابة- هو انخفاض تكلفتها السياحية، حيث تتنافس شركات السياحة في تقديم عروض بأسعار تنافسية، تتيح للمهتمين بالسياحة والرحّالة السفر بميزانية محدودة، من دون الحاجة إلى ترتيبات مسبقة، وبدون تأشيرة أو رسوم عند دخول البلاد.
انضممتُ إلى رحلة منظمة لمدة أسبوع، تشمل تذكرة الطيران (شارتر)، والإقامة في فنادق سياحية ذات أربعة وخمسة نجوم، بجانب الانتقال من المطار وإليه، والتنقلات الداخلية بين فلورا وتيرانا، وبرنامج سياحي يشمل زيارة العديد من المدن بتكلفة لم تتجاوز 800 دولار.
عاصمة عتيقة
طفتُ ضمن برنامج الزيارة العديد من المدن الألبانية، أبرزها “فلورا” التي كانت عاصمة ألبانيا في القرن السادس عشر قبل “تيرانا”، وهي منطقة بحرية رائعة الجمال تضم منتجعات سياحة وجبلًا يُدعى “لوغار” تكثر فيه الغزلان، و”سارندا” ذات الشواطئ الرملية الساحرة والأشجار الكثيفة المُورقة.
ومررتُ على “بيرات”، وهي مدينة ذات تصميم معماري قديم وفريد، وأهم المدن الألبانية في العصر العثماني، باعتبارها مركزًا متخصصًا في نحت الخشب، وأُدرجِت في قائمة التراث العالمي لليونسكو، ويُطلَق عليها “مدينة الألف نافذة”، بسبب الهندسة المعمارية العثمانية لمنازلها المبنية على جانب التل في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر بنوافذها الخشبية المتقاربة من بعضها، وقلعة بيرات التي تشرف بكامل هيبتها على أرجاء المدينة.
ورأيتُ “كرويا”، وقلعتها التاريخية التي ستبقيك مشغولًا بالتجول فيها بضع ساعات، وكذلك “بحيرة كوماني”، وهي محمية طبيعية وخزان مائي يقع على نهر درين في شمالي ألبانيا، ولا ينبغي المغادرة دون جولة بالقارب لإلقاء نظرة على بحيرة كوماني وضواحيها.
ولا أنسى “تيرانا”، عاصمة ألبانيا وكبرى مدنها، وتلفريك (القاطرة المعلقة) “داجتي إكسبرس” الواقع على قمة أعلى جبل في منطقة البلقان، وهو المزار السياحي الحيوي والأكثر شعبية في تيرانا.
الشعب الألباني
ولاحظتُ خلال رحلتي أن الألبانيين شعب ودود وكريم، يعاملون الضيف بحرارة، ويحرصون أشد الحرص على إكرامه، وروحهم مليئة بحس الفكاهة، وقد أخبرني المرشد السياحي أنه في التقاليد الألبانية، يُنظر إلى الضيوف على أنهم من الملوك.
أغلبية الألبان مسلمون (بنسبة 70% تقريبًا)، ويتبعون المبدأ الوسطي، القائم على الود والتسامح والرحمة، والحرص على الصلات الطيبة مع الأسرة والجيران والأصدقاء، في حين يمثّل المسيحيون -الأرثوذكس والكاثوليك- النسبة المتبقية.
وألبانيا بلد آمِن للغاية، وهو ما يجعلها وجهة مثالية للسفر العائلي.
الليك الألباني
العملة الرسمية في ألبانيا هي (الليك)، وهي من العملات الضعيفة القيمة مقارنة بالدولار الأمريكي، إذ يساوي الليك الواحد نحو 0.0086 دولار.
علمًا بأن 100 ليك كافية لتناول قهوة لذيذة، كما أن أسعار الطعام جيدة، إذ يتراوح سعر الوجبة الكاملة من 1000 إلى 1500 ليك، وهو ما يعادل من 8 إلى 13 دولارًا.
علاوة على أن المطبخ الألباني غني ومتنوع، ويتأثر بالمأكولات الإيطالية والتركية، وكذلك المأكولات اليونانية.
تتكون معظم الأطعمة الألبانية التقليدية من الخضار والتوابل واللحوم والأسماك والخل والزبادي والأعشاب، ويُستخدم لحم البقر والضأن والدجاج -في المقام الأول- في أطباق مختلفة، أما الخضروات فتُستخدم في كل طبق تقريبًا، ويدخل الحليب ومشتقاته -وكذلك البيض- في الوجبات اليومية.
اليورو أيضًا عملة مقبولة على نطاق واسع، ويمكن الدفع بها في أي مكان، لكن في كل مرة تدفع فيها باليورو، سيكون استبدال الباقي بالعملة المحلية الألبانية.
ومن المعلومات الطريفة، أن مصر ترتبط بألبانيا ارتباطًا تاريخيًّا وثيقًا، إذ إن مؤسس مصر الحديثة، الوالي محمد علي باشا، المولود لأسرة ألبانية، عمل جنديًّا، وحين قررت الدولة العثمانية إرسال جيش إلى مصر لانتزاعها من أيدي الفرنسيين، كان هو نائب رئيس الكتيبة الألبانية، التي كان قوامها 300 جندي، ثم عاش بمصر، وصار له الأثر في نهضتها الحديثة. ولذلك، فلقد عدتُ من رحلتي سعيدة جدًّا بما عرفته عن تلك البلاد الطيبة الراقية.