هل تحرك مبادرة الإخوان المياه الراكدة؟

بدت تصريحات الأستاذ إبراهيم منير القائم بعمل المرشد العام للإخوان المسلمين حول اعتزال جماعته للصراع على الحكم جزءا من حالة حراك سياسي داخل مصر وخارجها، عقب الدعوة لحوار وطني لا يزال هزليا حتى اللحظة.
الحوار الوطني الذي دعا له رأس النظام في أبريل/نيسان الماضي لا يزال في مراحله التمهيدية التي تقتصر على لقاءات إجرائية شكلية لمجلسه التنفيذي رغم مرور أكثر من 3 أشهر على إطلاقه، بينما بدا أنه جزء من خطة واسعة للإلهاء وتضييع الوقت دون تنفيذ خطوات فعلية، أو عقد جلسات الحوار المرتقبة، كما بدا أن أصحاب هذه الدعوة للحوار استهدفوا تقديم عربون محبة قبل استحقاقين مهمين، انتهى أولهما بسلام وهو لقاء السيسي بالرئيس الأمريكي بايدن على هامش زيارة الأخير للسعودية مؤخرا، وهو اللقاء الذي انتظرته القاهرة طويلا منذ انتخاب بايدن في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، أما الاستحقاق الثاني المرتقب فهو القمة العالمية للمناخ التي تستضيفها مصر في نوفمبر المقبل، والتي تأمل أن تجتذب عددا أكبر من قادة العالم لتكون رسالة دعم سياسي كبيرة.
حراك سياسي خجول
رغم الهواجس المتصاعدة تجاه الحوار الوطني التي عبّرت عنها المعارضة المصرية في الداخل والخارج فإن مجرد الدعوة للحوار أحدثت حالة من الحراك السياسي “الخجول” القابل للتطوير رغم ما يواجهه من ممانعة سلطوية، لم يكن هذا الحراك متاحا طيلة السنوات القليلة الماضية، حين أغلقت الأحزاب والقوى السياسية في الداخل أبوابها على نفسها تجنبا للمزيد من الملاحقات لأعضائها، مع استمرار حالة الجمود بين المعارضة في الخارج أيضا، وقد دبت الحركة بين أحزاب الداخل فتداعت لاجتماعات، ونظمت انتخابات، وأصدرت بيانات، وقدّمت شروطا ومطالب للحوار، بل هدد بعضها للمرة الأولى بمقاطعة الحوار لعدم جديته. وفي الخارج كانت الدعوة لحوار شعبي-شعبي موازٍ هي جزء من هذا الحراك السياسي الجديد، لكن تصريحات نائب مرشد الإخوان مثلت الدفعة الأكبر لهذا الحراك في الداخل والخارج حتى الآن، بالطبع لا تريد بعض مراكز السلطة لهذا الحراك أن يستمر أو يتنامى، وتعمد لتحطيم أي بادرة تفاؤل حول إطلاق سراح أعداد كبيرة من المعتقلين بعد الإعلان عنها، لتفرج بين الحين والأخر عن أعداد هزيلة بعدد أصابع اليد أو اليدين في أحسن الأحوال، وهو ما كشف تباعدا أو انقساما في بعض الرؤى للأجهزة الأمنية، ورغم الجانب السلبي لهذا الانقسام على مسار الحوار والمعتقلين فإنه أيضا يمثل جزءا من حالة الحراك بصفة عامة.
نهاية فزاعة الإخوان
كانت العقدة الكبرى أو الفزاعة التي يستخدمها النظام المصري لتخويف القوى السياسية في الداخل لمنع أي حراك، والقوى الدولية في الخارج، هي فزاعة عودة الإخوان إلى الحكم لو أنه خفف قبضته الأمنية، وجاءت تصريحات الأستاذ إبراهيم منير الأخيرة لتبطل هذه الحجة وتحطم هذه الفزاعة، ولتفتح الأفاق مجددا أمام القوى السياسية المختلفة، وتحفزها على التحرك والتنافس السياسي في غياب مخاطر عودة الإخوان.
تصريحات منير اقتحمت منطقة أشواك خشت الجماعة دخولها طيلة الفترة الماضية خوفا من ردود الفعل المتوقعة، رغم قناعة الكثيرين بهذا المسار منذ وقت مبكر بمن فيهم بعض من يعارضونها حاليا، فسنة واحدة في حكم مصر، وما صاحبها من تحديات، ومؤامرات أكبر من طاقة الجماعة، كانت كفيلة بتوليد تلك القناعة بعدم العودة لتلك التجربة بكل مراراتها مجددا، كما أن الجماعة من الناحية العملية ستحتاج إلى بعض الوقت لالتقاط أنفاسها، ولملمة أشلائها، وعلاج جراحاتها، ثم إذا كان التخلي عن صراع السلطة هو الثمن لتحسين البيئة السياسية عموما، بما يسمح بحل مشكلة المعتقلين كخطوة أولى فهو ثمن معقول، وسواء نجحت المبادرة في تحقيق هذا الهدف أو لم تنجح نتيجة تعنت النظام فقد أعذرت إلى الله ثم إلى أهالي الأسرى والمعتقلين.
اعتزال الحكم لا السياسة
البعض حمّل التصريحات ما لا تحتمل، وربما ساعده على ذلك بعض الصياغات التي خرجت بها، لكن الحقيقة أن الرسالة كانت واضحة، وهي أن الإخوان لن ينافسوا أو يتصارعوا على السلطة، وهي تعني السلطة التنفيذية، أي رئاسة الدولة والحكومة، ولم تتضمن التصريحات اعتزالا للسياسة بمفهومها الواسع المعروف، حيث لا يستطيع إبراهيم منير أو غيره أن يتجاوز في ذلك تراث الجماعة وثوابتها، أما مسألة تجنب الصراع على السلطة فهي محض وجه من وجوه السياسة المتعددة، وقد سبق للإخوان في عهد الإمام المؤسس نفسه أن قرروا خوض الانتخابات البرلمانية ثم تراجعوا بعد اتفاق مع النحاس باشا رئيس الوزراء، كما أعلن الإخوان عدم خوض الانتخابات الرئاسية إبان ثورة يناير ثم عدلوا عن هذا القرار بعد معطيات جديدة ظهرت لهم، مما يعني أن أمور العمل السياسي تحتاج إلى مرونة، وكر وفر، وحسن تقدير للموقف والتداعيات، والمهم هو تحقيق قدر-ولو قليل- من المكاسب، أو تجنب المزيد من الخسائر والنزيف، وفقا لفقه الضرورة التي تُقدَّر بقدرها.
التحديات التي تواجه مبادرة منير كثيرة، بعضها من النظام وحلفائه الذين يخشون أن تسهم هذه التصريحات في تحسين صورة الجماعة، وهو ما يُفسد جهودا ضخمة ومليارات أضخم أُنفِقت لتقبيحها، ومحاولة الإجهاز التام عليها، وبعضها من محسوبين على الجماعة أو أنصارها بالغوا في تحميلها ما لا تحتمل، ووظفوها جزءا من معارك تنظيمية داخلية لا تزيد الجماعة إلا ضعفا.. لكن على كل حال، فإن تلك المبادرة ألقت حجرا في بركة السياسة المصرية الآسنة، ونقلت الكرة إلى ملعب النظام وحلفائه، والجميع يترقب الخطوات المقبلة من الأطراف المختلفة.