التحديات التي تعوق تطبيق الأخلاق في حياتنا
تُعد الأخلاق أحد الأسس التي تنظم الحياة والمعاملات البشرية، كما تُعد المعيار الذي يمكن أن نقيس به مدى تطور الدولة وتقدمها، لذا ينبغي على جميع الأفراد على حد سواء التزام مكارم الأخلاق التي حثت عليها جميع الأديان، من صدق، وأمانة، وإخلاص في العمل، وصلة الأرحام، وتجنب الغيبة والنميمة، والابتعاد عن الحسد والحقد، وغيرها الكثير.
كما تسهم الأخلاق في بناء مجتمع يسعى أفراده إلى التطور في كافة المجالات السياسية، والاجتماعية، والدينية، والاقتصادية، فالأخلاق تهذب أفكار الأفراد وسلوكياتهم، وتؤسس أركانًا ثابتة تقوم عليها حضارة إنسانية قوية، فضلًا عن الألفة وقوة الروابط بين الأفراد، كما أنها تجنب الأضرار والتفكك الذي يمكن أن يحدثه سوء الخلق.
عوائق تطبيق الأخلاق
مع أهمية الأخلاق في حياة الفرد، والمجتمع، والأمة بأسرها، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تعوق تطبيقها أو الالتزام بها أحيانًا، منها:
على مستوى الفرد والأسرة
يتمثل ذلك في غياب القدوة الحسنة داخل الأسرة، فيجب على الأبوين أن يكونا مثالًا للقدوة الحسنة، وحث الأبناء الأكبر سنًّا على أن يكونوا قدوة لمن هم أصغر سنًّا داخل الأسرة الواحدة، فعادة يميل الصغار من الأطفال إلى تقليد أحد الوالدين، أو الأخ الأكبر، أو الأخت الكبرى، فإن لم يكن الآباء والأمهات قدوة حسنة أحدهما أو كليهما، فسوف يكون مصير الأولاد سوء الأخلاق والعادات.
كذلك غياب قانون الثواب والعقاب داخل الأسرة، لأن المفترَض أن يثاب الأبناء على السلوكيات الحسنة، ويعاقَبوا على السلوكيات السيئة، أما الإهمال في هذا القانون الأسري فسيدفع الأبناء إلى تقليد سلوكيات أخلاقية غير مثمرة وغير مرغوبة، وخصوصًا أن الإعلام والبيئة مليئان بذلك.
حالة العزلة التي يعيشها الأفراد داخل الأسرة الواحدة، فحينما تجتمع الأسرة على مائدة الطعام يأوي كل فرد إلى وكره مما يُغيّب لغة الحوار الأسري والإرشاد، والنصح، وتقديم المشورة في مشاكل الأبناء، والكثير من الآباء يتعاملون مع الأبناء بالصراخ والنقاش الحاد المخيف، مما يجعل الأبناء أحيانًا يتصرفون على طريقتهم الخاطئة والخاصة بهم على اعتبار أن الآباء والأمهات غير جديرين بعرض مشكلة ما عليهم، ومن البديهي أن المشاكل الأخلاقية متوافرة في الشارع، والمدارس، والجامعات!
وقد يكون الدخل المتدني لملايين الأسر سببًا في هروب الشباب من سوء الحالة المادية، وارتكاب أخطاء قاتلة مثل: تعاطي المخدرات أو بيعها، أو حتى السطو والسرقة، وغير ذلك.
على مستوى البيئة والمجتمع
البيئة والمجتمع لهما الأثر الكبير في إيجاد المحضن الأخلاقي السوي الذي يؤثر في تشكيل وبناء شخصية الإنسان، فالبيئة الاجتماعية التي تمثل الوسط البشري حيث يولد الإنسان، ويتربى فيه طفلًا، وينمو صبيًّا مراهقًا، ثم شابًّا فكهلًا، وهذا الحيز الاجتماعي ينطوي على منظومات فكرية وسلوكية، تهدف إلى ضبط وتنظيم العلاقات الاجتماعية المختلفة في المجالات كافة، وغالبًا ما يؤثر هذا المحيط في الإنسان، بل هناك حتمية في تشكيل شخصية الإنسان وفقًا لثقافة المحيط الاجتماعي الذي يولد ويترعرع فيه، فإذا كانت القيم والأخلاق والأعراف التي تسود في البيئة والمجتمع غير سوية، فبالتالي سينشأ الأفراد تنشئة سيئة، وخصوصًا إذا خالط الشخص أفرادًا لا يتحلون بالأخلاق الحميدة.
ولهذا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَثَلُ الجَلِيسِ الصّالِحِ والسَّوْءِ، كَحامِلِ المِسْكِ ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ: إمّا أنْ يُحْذِيَكَ، وإمّا أنْ تَبْتاعَ منه، وإمّا أنْ تَجِدَ منه رِيحًا طَيِّبَةً، ونافِخُ الكِيرِ: إمّا أنْ يُحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمّا أنْ تَجِدَ رِيحًا خَبِيثَةً).
على مستوى التعليم والإعلام
نستطيع أن نقول إن تنشئة الأجيال ليست عبئًا فقط على الأسرة، بل للمناهج التعليمية والتربوية دور كبير في زرع الأخلاق والمُثل الإسلامية في الأبناء، فتنشئة الأخلاق السليمة ليست منوطة بمدرس التربية الإسلامية فقط، بل يجب أن يلاحظ جميع المدرسين سلوكيات الطلبة في كل زاوية من المدرسة، ليكافأ الطالب حَسَن الأخلاق، ويعاقَب سيئ الأخلاق، أما ترك الحبل على الغارب وغض الطرف عن السلوك الشائن فيزيد من الفشل الدراسي والأخلاقي والتربوي للطلبة الذين هم عماد أوطانهم في المستقبل.
والإعلام له دور كبير في توجيه سلوك الإنسان والتأثير فيه، لأنه أصبح الآن أكثر فعالية وانتشارًا، ومنه يأخذ قطاع كبير من المشاهدين أخلاقهم وسلوكياتهم، ولننظر مثلًا إلى ظاهرة العنف بين المراهقين، فنجد أن حجم العنف الذي يشاهده المراهقون في وسائل الإعلام والأفلام وألعاب الفيديو أمر مخيف، إذ يقضي المراهقون ساعات عدة كل يوم في مشاهدة هذه المشاهد، مما يجعل العنف يبدو وكأنه واقعهم، ويصبحون غير قادرين على التمييز بين الواقع والخيال، مما يجعل العنف طبيعيًّا بالنسبة لهم.
ومن أكبر المشاكل الأخلاقية التي يسهم الإعلام في بثها بين المراهقين أنه يتيح لهم الاطلاع على المعلومات والصور الإباحية التي لا تتناسب مع نموهم العضوي والعقلي والعاطفي، بحيث يؤدي ذلك إلى أن يصبح كل فرد في الأسرة له عالمه الخاص الذي تؤسسه لديه المادة المتدفقة في الإعلام، أو تكنولوجيا الإعلام.
في مقابل ذلك، تضيع الفضائل الأسرية وتتآكل قدرة الآباء على متابعة ورقابة الأبناء، كما تتآكل قدراتهم على تنشئتهم، إلى جانب تآكل قدرة الأسرة على تأمّل مشكلاتها سويًّا أو جماعيًّا.
العواصم من الفساد الأخلاقي
إن العاصم من الفساد الأخلاقي بالدرجة الأولى، هو الأسرة ودورها في ضرورة التوجيه السليم والتربية الصحيحة، وتأتي الصحبة الصالحة ثم المدرسة، وبصلاح الأُسَر تصلح المجتمعات.
فدور الأسرة لا يقتصر على التوجيه والتنبيه والإشارة إلى ما هو صحيح أو خطأ، بل يجب أن تكون التربية مبنية على الحوار الهادئ الهادف بين الأبناء والآباء، ومن التربية أن تتم مراقبة ما يعرضه الإعلام في جميع وسائله، مع تجسير العلاقات مع المدرسة، وتفقّد الصحبة المرافقة له أو لها على الدوام.
فنحن أمام ثلاثة أضلاع، اختيار ما يعرضه الإعلام، وإقامة العلاقات مع المدرسة بالزيارات الدورية، ومراقبة الصحبة، ومع التوجيه الأسري -وهو الضلع الأول- يتحقق النجاح، فإذا اختل التوازن في أحد الأضلاع وقعت المشكلة. كما لا ينبغي إغفال دور المسجد، والإمام المربي والموجه، الذي كان يسأل ويتفقد أحوال الشباب.
وبدلًا من إلقاء اللوم على أي طرف، لا بد من معرفة الرأي الآخر بغير قمع أو تجريح أو تقريع، لاحتواء الخطأ وذلك لإعادة الهيبة إلى الأسرة.
علمًا بأنه لا بد أن يهتم الفرد بإصلاح نفسه والاعتناء بسلوكه، فهو يؤثّر في مَن حوله فردًا أو أسرة. لكن أن يُلقى اللوم على المجتمع فهذا الخطأ بعينه إن كان للمجتمع خيارات مفروضة على الفرد، إلا أن الفرد له القرار في كثير من الأمور التي لو انشغل بها لأصلح أمورًا كثيرة فيه، وحوّله بلا شك إلى الأفضل.