العبودية المعاصرة.. واستغلال المافيا للمهاجرين!

يصف تقرير صادر عن وزارة العمل والشؤون الاجتماعية الإيطالية بداية هذا الشهر، بالتعاون مع الرابطة الوطنية للبلديات الإيطالية، أوضاع العمال المهاجرين في الكثير من بلدان إيطاليا بأنها “مؤسفة”، ويشير التقرير إلى أن المهاجرين غير الشرعيين يقعون ضحية الاستغلال في العمالة بالحقول والمزارع الإيطالية، وذكر بأنهم يعملون في نظام يشبه “العبودية المعاصرة”!!
لا شك أن أوربا ليست في أفضل حالاتها، فالحروب، والتضخم، وأزمة الغاز، بل والتغيرات المناخية، كلها عوامل تلقي بظلالها على سكان القارة العجوز، وقد يتأثر بها الجميع ولا سيما هؤلاء المهاجرين الفارين من بؤر التوتر والفقر والكوارث، الذين يبحثون عن ملاذ آمن لهم ولأسرهم، غير أن الواقع صادم وكارثي، فالكثير من المهاجرين غير الشرعيين يعانون من الإهمال والطرد وسوء العيش، ويتم حرمانهم من التمتع بحقوق طالبي اللجوء، وهي حقوق يضمنها لهم قانون الدول الأوربية.
أحياء المهاجرين قذرة وتفتقر إلى الخدمات
في إيطاليا أكثر من 10 آلاف مهاجر يعملون في الزراعة، ويعيشون في أحياء قذرة من الصفيح، تفتقر إلى الخدمات الأساسية كالمياه، والكهرباء، والنظافة. ويعاملون معاملة العبيد، ويحصلون على أجور زهيدة للغاية، ويفتقرون إلى كل الحقوق الإنسانية، رغم أنهم وفق قوانين الأمم المتحدة للجوء من حقهم النظر في أسباب لجوئهم ومعاملتهم وفق القوانين المنظمة لذلك!
استغلال المهاجرين ليس أمرا جديدا، ففي كل الدول الأوربية هناك استغلال فاضح لهم، حتى لو تم تقنين أوضاعهم فهم يعملون في أعمال متدنية ويحصلون على أجور زهيدة، أما أكثر أنواع التعسف فتكون أساسا في دول ما يطلق عليه بوابات الهجرة مثل اليونان وإيطاليا وإسبانيا.
لا أحد ينكر في أوربا تلك الأوضاع البائسة للمهاجرين، وهناك كثير من التقارير والتحقيقات الصحفية تقوم بتسليط الضوء بلا خجل على حقوق هؤلاء الناس التي يتم التلاعب بها، وأكثر أنواع استغلال المهاجرين يكون في قطاع الزراعة خاصة في إيطاليا التي تلعب عصابات المافيا المنظمة دورا كبيرا في تسخيرهم للعمل فيها مقابل الأموال، ووصفت التقارير حالتهم تحت رحمة المافيا بأنهم يعيشون في خطر كبير.
لا شك أن المهاجرين المقيمين على الحدود، هم من أكثر فئات البشر تعرضا للمهانة وسوء العيش، فهم غالبا يعيشون في خيام قديمة، وأعشاش من الصفيح، وأكواخ بدائية أو كارفانات، ونتذكر في فرنسا واليونان وإيطاليا أنه من آن لآخر يتم اقتحام تلك المخيمات وفضها بالقوة بعد أن تتفشى الأمراض، وتسوء الأحوال. وتؤكد التقارير أن الخدمات الأساسية غير موجودة في أحياء الصفيح الفقيرة هذه. فلا توجد مياه صالحة للشرب، كما تفتقر هذه الأحياء إلى الكهرباء، وإلى خدمات النظافة كدورات المياه (الحمامات)، كما أن خدمة جمع النفايات غائبة تماما. وتقوم شاحنة صهريج بمد المهاجرين بالمياه كل ثلاثة أو أربعة أيام.
دور المافيا في معاناة المهاجرين
لكن من المسؤول عن هذا الوضع غير الإنساني؟ للأسف هناك وسطاء من المهاجرين الأفارقة يعيشون في إيطاليا أو إسبانيا منذ سنوات طويلة وهم ينقلون المهاجرين من أماكن إقامتهم إلى المزارع في ظروف صعبة للغاية، فخدمات النقل نادرة، وأحياء الصفيح غالبا ما تكون بعيدة عن أماكن الحقول الزراعية. أما الأجور والمبالغ التي يحصل عليها المهاجرون مقابل عملهم في الحقول فهي زهيدة جدا على الرغم من ساعات العمل الطويلة والشاقة، وقد يدفع مالك الأرض حوالي 7 أو 8 يوروات للوسيط مقابل جمع 300 كيلوغرام من الطماطم فيما يدفع للمهاجر ثلاثة يوروات ونصف. أي أنا الوسيط والمالك هما المستفيدان من سخرة هؤلاء العمال.
استغلال المافيا للمهاجرين في المزارع الإيطالية معروف ويطلقون عليه اسم “كابورالاتو” وهي ممارسة غير قانونية وغير أخلاقية لكنها موجودة، وبموجب هذا النظام يعمل المهاجرون بشكل غير قانوني ساعات طويلة مقابل أجر أقل من الحد الأدنى للدولة، وغالبا ما يتعرضون للعنف. وفي 2006 وجهت بعض المحاكم الإيطالية اتهامات إلى نظام “الكابورالاتو” منها مثلا تهمة الاتجار بالبشر وتجارة الرق. وتعتقد العديد من المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان أن هذا النظام هو شكل من أشكال “العبودية المعاصرة”. ذلك أنهم يحصلون على 3 يوروات ونصف مقابل جمع 300 كيلوغرام من الطماطم أو 5 يوروات للعمل نهارا كاملا.
ليس هذا فقط بل لا حقوق لهؤلاء المهاجرين الذين يعملون في الزراعة، فهم لا يحصلون على المساعدات الاجتماعية، وليس لهم الحق في العلاج، كما يتم إبعادهم عن الكثير من الخدمات التي تسمح باندماجهم في البلاد. وليس لهم الحق في التواصل مع النقابات العمالية أو طلب المساعدة الاجتماعية والاستشارة القانونية.
الدرس الألماني
مثل هؤلاء البشر ليس لهم حيلة فيما وصلوا إليه، لكنه العجز الأوربي الذي لا يستطيع حل مشاكلهم رغم مرور سنوات عديدة، ورغم حاجة أوربا العملية إلى العمالة. ربما يمكن القول هنا إن الدرس الألماني في شأن المهاجرين كان هو الأكثر واقعية عندما سمحت ألمانيا إلى أكثر من مليون مهاجرة بالدخول إلى أراضيها وصلوا فيما بعد إلى 3 ملايين بعد انضمام أسرهم إليهم، ووفق وصف المستشارة الألمانية المهاجرين في بلادها قبل شهور قليلة من ترك منصبها فقد تم تدريبهم ودمجهم في سوق العمل التي تحتاج إليها ألمانيا.
تتفاقم مشاكل العالم على كل الأصعدة، ومع هذا التطور التقني والتكنولوجي الكبير الذي ابتكرته عقول البشر، فقد وقفت عقولهم في مسألة حقوق الإنسان كما هي دون تطور منذ أن خلقهم الله، فالكراهية والعنصرية والعبودية والقتل والإبادة ما زالت كما هي، وبقي الإنسان كما هو دائما أشد أعدائه لنفسه.