الانتصارات الصغيرة في زمن الهزائم الكبيرة

(1) الثقب الأسود
كان الهلع يطل برأسه من بين حروف كلماتها وهي تسألني: ماذا سيحدث؟ من المؤكد أن العالم مقبل على صراع جديد بين أمريكا والصين حول تايوان بعد زيارة نانسى بيلوسى إلى” تايبيه” التي اعتبرتها بيجين لعبا بالنار، أكملت حديثها قائلة: “لم أعد أنام إلا بالمهدئات، ما هذه الفترة العصيبة التي نعيشها على المستوى الداخلي والخارجي، ما كل هذه الصراعات التي تتفاقم وتنذر بسوء العواقب، هل نحن مقبلون على حرب عالمية ثالثة لكن بأسلوب مختلف عما عهدناه في الحربين الأولى والثانية؟ وكيف يجرؤ الزعماء على التحايل على شعوبهم والجر بهم في حروب بدم بارد؟ ألف “كيف” تراودني كل لحظة وتشعرني بقلة حيلتي وهوان الإنسان وضعفه تجاه مجريات حياته العادية التي يرسمها له الأقوياء رغما عنه، ماذا علينا أن نفعل لنحيا كراما في زمن الخيانة وانعدام الأمانة والمصداقية؟ نعيش أياما تثقل خطواتنا وكأننا نجر أكياسا من الرمال مربوطة في أقدامنا بسلاسل من حديد”.
فكرت لحظات قبل أن أجيبها بصوت لا يخلو من نبرة الأسى: “الكل يفكر في السيطرة على الآخر ويطمع فيما لديه، وليته أولا يفكر في السيطرة على نفسه وشهواتها، الرغبة في التحكم والهيمنة والأطماع تؤدي بنا إلى التهلكة، ربما يكون الحل الوحيد أمامك وأمامي وأمام أمثالنا للخروج من هذا الثقب الأسود أن ننأى بأنفسنا عن هذا التوتر قدر المستطاع لأننا لسنا طرفا فاعلا لكن مفعول به، ونحاول أن نستعيد تقديرنا لأنفسنا وقدرتنا على اتخاذ اختيارات صعبة لكن صحيحة في حياتنا، وأن نتوقف ونتأمل قدراتنا الذاتية وكيف يمكن تحفيزها ليثمر الخير رغم عقم الواقع”.
(2) الحقيقة وجهة نظر
أخبار الصراعات العسكرية والسياسية، والمجاعات والركود الاقتصادي والبطالة تصيب عامة الناس بالهلع، شاشات الأخبار تعرض علينا على مدار الساعة ما تجده يجذب انتباه المشاهد رغم تعرضه لكم هائل من الطاقة السلبية المسرطنة، لأشيء يؤذى الإنسان قدر شعوره بخيبة الأمل في المستقبل، وشعوره بأن الحكمة والعقلانية أوشك رصيدها على النفاد من الأرض، وكل يوم جديد مرشح ليكون نهاية العالم بسبب التهديدات التي تتبادلها القوى العظمى والمخاطر التي تحيق بكل دول العالم نتجة لذلك. الكتابة الصحفية تقتضى متابعة كل جديد، الشاشات تصبح الرفيق الذى يقضي الكاتب بصحبته ساعات طويلة كل يوم: شاشة التلفزيون، الكمبيوتر والموبايل، الكتاب الصحفيون الذين يتصفون بالمصداقية يعيشون تحت ضغط وتوتر طوال الوقت، لشعورهم بالمسؤولية حول نقل أفكارهم ورؤيتهم للأحداث للقراء بأمانة، ما تحدثت عنه الصديقة التي بدأت مقالي بما فضفضت لي به في مكالمة هاتفية، هو نفسه ما يدور في خلد كل كاتب صحفي يضاف إليه سؤال: “هل يمكن أن تكون كتاباته أداة إصلاح وتغيير إلى الأفضل، وهل يمكن على الأقل أن تكون ملاذا آمنا للناس وقت الشدة ؟”. صحيح أن الإعلام بأشكاله المختلفة يؤثر في الرأي العام ويوجهه إلا أنه عادة ما يكون هو موجها كذلك، لتصبح الحقائق مجرد وجهة نظر، فليس هناك حقيقة مجردة بعيدة عن تأثيرات العدسة التي تلتقطها، كل هذا يترك العامة في دوائر الشك وعدم اليقين ومشاعر متضاربة حول الخطأ والصواب والحق والباطل وكل هذه مفسد للحياة والشعور بالأمان.
(3) في الظلام كن شمعتك
العالم يعيش سنة صعبة وربما تمتد تداعياتها إلى العام المقبل والله أعلم، مما سيؤثر تأثيرا مباشرا في شعوب العالم، فمع ارتباك سلاسل الإمدادات والركود الاقتصادي والصراعات الدولية والحرب الروسية الأوكرانية والتحرك العسكري الصيني المتوقع تجاه تايوان، سترتفع أسعار السلع والوقود أكثر مما هي عليه، وستزيد معاناة الكيانات الاقتصادية الصغيرة وستتراجع عائدات الأنشطة الاقتصادية المتصلة بالترفيه والسفر والتنقل إذن كيف يمكن التعامل مع هذه الضغوط بأفضل صورة ممكنه؟
أعتقد أن البداية تكون دوما من الداخل، نفسك هي ملاذك الأول الآمن، وقبولها وحسن تقديرها يجعلها شمعتك المضيئة في ظلام اليأس، كل فترة مهما كانت صعبة لها نهاية، هذا ما يجب أن نؤمن به جميعا حتى نمر بالفترات الصعبة على خير ودون أن نتكبد معاناة تفوق قدرتنا النفسية على التحمل.
لابد أن نعود أنفسنا على تحقيق انتصارات ولو صغيرة جدا في حياتنا بالتعلم المستمر، وعلينا خفض سقف التوقعات وتوجيه مواردنا المالية المحدودة إلى ما هو ضروري ليكفينا، وإعادة ترتيب الأولويات، فضروريات الحياة ليست قائمة طويلة كما تروج له الشركات المنتجة للسلع على اختلاف أنواعها، وتسعى لإقناعنا بأن ما تنتجه ضروري وامتلاكه يجعل حياتك أفضل وأسعد، للإعلانات وتكرارها تأثير كبير في الناس فهي تثبت في عقولهم الباطنة أفكارا زائفة عن السعادة والاحتياج والتميز، معظم ما يروج له المعلنون لست بحاجة إليه، لأن سعادتك كنز ذاتك، وأنت الوحيد القادر على العثور عليه بداخلك. العلاقات الأسرية والعائلية والصداقات الإيجابية لها تأثير كبير في شعورك بالأمان في الأوقات الصعبة، احرص عليها ونمّ العلاقات الإنسانية التي ترفع طاقتك الإيجابية وابتعد قدر الإمكان عن العلاقات المسمومة التي تظلم روحك. أما القول الفصل في الشعور بالاستقرار والأمان وسط هذا التسونامي العالمي فهو: “كن مع الله يكن الله معك”.