مصر: العودة لاستخدام المازوت خلافا لتوجهات مؤتمر المناخ!

بينما تستعد مصر لاستقبال مؤتمر المناخ العالمي في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني القادم، فوجئت شركات إنتاج الكهرباء الحكومية بتعليمات بالعودة إلى التوسع في استخدام المازوت وقودًا بمحطات التوليد، بعد سنوات من الاستغناء عن المازوت والتوجه إلى استخدام الغاز الطبيعي باعتبار أن الغاز أقل إضرارًا بالبيئة، حيث يتسبب استخدام المازوت في تلوث أكبر، وتأثير سلبي على أعمار محطات الإنتاج التي تستخدمه.

وحتى العام المالي 2020/ 2021 ظلت الشركة القابضة للكهرباء التي تتبعها شركات إنتاج ونقل وتوزيع الكهرباء، تتباهى بوصول نسبة استخدام الغاز الطبيعي في شركاتها الإنتاجية إلى 98.2% مقابل نسبة 1.8% لاستخدام المازوت، وأن هذا قد تسبب في تحسن المؤشر البيئي، الذي يقيس عدد أطنان ثاني الكربون الناتجة عن إنتاج كل غيغاوات ساعة من الكهرباء.

فقد انخفض ذلك المؤشر من معدل 489 طنا من ثاني أكسيد الكربون لكل غيغاوات ساعة عام 2016/ 2017، إلى 459 طن في العام التالي ثم إلى 410 طن في العام المالي 2018/ 2019، ثم إلى 384 طنا في العام التالي ثم إلى 368 طن في 2020 / 2021.

وكذلك انخفض معدل استهلاك الوقود بالإنتاج إلى 180 غرام وقود لكل كيلووات ساعة في العام المالي 2020/ 2021، مقابل 214 غرام وقود في عام 2014/ 2015، وهو المعدل الذي ظل يتناقص تدريجيا مدة ست سنوات متتالية منذ تلك السنة.

وبالطبع سيقول البعض إن من أسباب تحسن المؤشر البيئي للكهرباء زيادة إنتاج الكهرباء من الطاقة الجديدة والمتجددة، وهو أمر صحيح ولكن بشكل جزئي، لأن التوزيع النسبي للقدرة الاسمية لمجمل محطات إنتاج الكهرباء في نهاية يونيو/ حزيران 2021، يشير إلى أن المحطات الحرارية أي التي تعمل بالوقود سواء الغاز أو غيره من المشتقات البترولية تشكل نسبة 90.1% من مجمل القدرات.

 10 % نصيب محطات الطاقة المتجددة

بينما كان نصيب محطات الطاقة المتجددة من الرياح والشمس 5.1% فقط، ومحطات الطاقة الكهرومائية 4.8%، أي أن نصيب محطات الطاقة المتجددة من مائية وشمسية ورياحية معا يمثل نسبة 9.9% من الإجمالي.

وكان نقص الغاز الطبيعي الكافي لمحطات توليد الكهرباء سببا رئيسيا، في ظاهرة استمرار انقطاع الكهرباء خلال سنوات 2012 و2013 و2014، حتى اضطرت الحكومة إلى خفض استخدام مصانع الأسمدة والإسمنت للغاز الطبيعي لتوجيهه إلى محطات الكهرباء عام 2014، رغم استخدام المازوت والسولار أيضا حينذاك.

ومع تحسن موقف الغاز الطبيعي الإنتاجي منذ العام المالي 2018/ 2019 بعد أربع سنوات مالية من استيراده، توسعت الحكومة في استخدام الغاز الطبيعي في إنتاج الكهرباء، ليرتفع نصيبه النسبي من وقود إنتاج الكهرباء تدريجيا من 65% عام 2015/ 2016، حتى تخطى نسبة تسعين بالمائة إلى أن وصل إلى 98.2% في العام المالي 2020/ 2021.

وانعكس ذلك على تراجع النصيب النسبي للمازوت في مكونات وقود إنتاج الكهرباء، من 25% في العام المالي 2014/ 2015 ليواصل انخفاضه التدريجي في السنوات التالية، حتى وصل إلى أقل من 2% بالعام المالي 2020/ 2021، أما السولار فكانت أعلى نسبة له في وقود إنتاج الكهرباء 3.4% بالعام المالي 2015/ 2016 لينخفض نصيبه تدريجيا حتى أصبح محدودا للغاية ولا يصل إلى نسبة واحد بالألف.

 ضرورة إضافة حسابات الصيانة والثلوث

ومبرر الحكومة لعودة التوسع في استخدام المازوت على حساب الغاز الطبيعي مؤخرا، أنها توفر الغاز الطبيعي لتصديره إلى أوربا التي تعاني عجزا في الغاز، بعد توجهها إلى الاستغناء عن الغاز الروسي ردًّا على غزو روسيا لأوكرانيا، لكن أصحاب هذا القرار عليهم أن يعرفوا أن استهلاك إنتاج الكهرباء لكميات كبيرة من المازوت تخطت خمسة ملايين طن سنويا، قد تسبب في استيراد مصر للمازوت للمرة الأولى في العام المالي 2008/ 2009.

واستمر ذلك الاستيراد سنوات مع زيادة كميات المازوت المستخدمة التي بلغت 8.5 ملايين طن في العام المالي 2015/ 2016، وزادت عن ذلك في العام المالي التالي، لكن مع التوسع في استخدام الغاز الطبيعي في إنتاج الكهرباء تراجعت كميات المازوت المستخدمة تدريجيا، لتقل عن 6 ملايين طن عام 2017/ 2018 ثم تنخفض إلى أقل من 2.5 مليون طن في العام التالي، حتى بلغت كميات المازوت 568 ألف طن فقط في العام المالي 2020/ 2021.

ونتيجة لتراجع استخدام المازوت في إنتاج الكهرباء فقد توقف استيراده لانخفاض الطلب عليه، وهو ما يعني أن التوسع في استخدامه مرة أخرى يعني عودة الاستيراد كي يغطي الكميات الضخمة منه التي ستحل محل الغاز الطبيعي، حيث بدأ الاستهلاك اليومي حاليا يصل إلى 25 ألف طن يوميا، ويتوقع زيادته إلى 28 ألف طن يوميا، وهو ما يعني الوصول إلى ما بين 9.1 ملايين طن و10.2 ملايين طن سنويا.

وحتى إذا كان الغاز الطبيعي الذي سيتم تصديره أعلى سعرا من المازوت الذي سيتم استيراده، فيجب أن يدخل في الحسابات أمران، أولهما التأثير السلبي لاستخدام المازوت على كفاءة المحطات بتقصير أعمارها الإنتاجية، والثاني حجم انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي ستنبعث من استخدامه.

وهو ما يتعارض مع ما يعلنه مرفق الكهرباء وحماية المستهلك عن حقوق مستهلك الكهرباء، ومنها حق الأمان وحق الحياة في بيئة سليمة، وكذلك حفاظا على صحة العاملين بشركات إنتاج الكهرباء البالغ عددهم 29 ألف شخص من بين 149 ألف شخص يعملون بالشركة القابضة لإنتاج الكهرباء، إلى جانب سكان المناطق المحيطة بمحطات شركات إنتاج الحكومية الست المنتشرة بأنحاء البلاد.

  ترشيد طبيعي بسبب ارتفاع الأسعار

أما عن ترشيد الاستهلاك فهو يتم تلقائيا بسبب الاستمرار في رفع أسعار الكهرباء منذ العام المالي 2014/ 2015 وحتى الآن، ومن المقرر استمراره حتى عام 2024/ 2025، وها هي بيانات وزارة الكهرباء تشير إلى أن حجم استخدام الكهرباء بمصر في العام المالي 2020/ 2021 أقل مما كان عليه قبل ثلاث سنوات. حيث بلغ 154.5 مليار كيلووات ساعة، مقابل 158.1 مليار كيلووات ساعة في العام المالي 2017/ 2018، رغم زيادة عدد المشتركين بنحو 2.8 مليون مشترك بين عامي المقارنة، ليصل عددهم إلى 39.9 مليون مشترك في يونيو/ حزيران 2021.

كما أن الفائض في إنتاج الكهرباء البالغ 27 غيغاواتا، كفرق بين الطاقة الاسمية البالغة 59 غيغاوات ساعة، والحمل الأقصى البالغ 31.9 غيغاواتا في العام المالي 2020/ 2021 يمثل عبئًا على الشركة القابضة للكهرباء في ظل محدودية كمية تصدير الكهرباء التي بلغت في نفس العام المالي 1.591 ميغاوات ساعة فقط، منها 610 غيغاواتات إلى ليبيا، و492 غيغاواتا إلى الأردن، و489 غيغاواتا إلى السودان.

هذا في حين بلغت قروض الشركة القابضة للكهرباء في نفس العام المالي 292 مليار جنيه، كما بلغت أعباء تمويل القروض من أقساط وفوائد في نفس العام المالي 53 مليار جنيه، ويأتي قرار التحول إلى استخدام المازوت بدلا من الغاز الطبيعي ليزيد من أعبائها، لتمويل شراء تلك الكميات الضخمة من المازوت، وتحمل مصروفات أكبر للصيانة للتغلب على المشاكل الفنية التي يسببها استخدام المازوت بمحطات الإنتاج.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان