21 عاماً على أحداث 11 سبتمبر: ما الذي تحقق؟

يوافق اليوم الأحد 11 سبتمبر 2022 الذكرى الحادية والعشرون لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 التي تعرضت لها الولايات المتحدة، من استهداف برجي التجارة العالمية (رمز القوة الاقتصادية الأمريكية) ومبنى وزارة الدفاع الأمريكية (رمز القوة العسكرية الأمريكية) وسقوط مئات الضحايا بين قتيل وجريح، وإعلان الإدارة الأمريكية عن خوض ما أسمته “الحرب الدولية ضد الإرهاب”، وخلال هذه السنوات ومع تعاقب أربعة رؤساء على إدارة الولايات المتحدة (جورج بوش الابن، باراك أوباما، دونالد ترامب، جو بايدن) ظلت ذكرى الحدث حاضرة، ومع كل إدارة من هذه الإدارات تفاوتت المواقف والسياسات، سواء من الحدث أو من كيفية التعاطي معه، وهنا يكون السؤال: ماذا عن عالم ما بعد 11 سبتمبر 2001؟

هل كانت أحداث سبتمبر مفصلية في تاريخ أمريكا والعالم؟

يتم التمييز في إطار التحولات الأساسية في العلاقات الدولية بين مستويين رئيسيين، الأول الأحداث المهمة التي يكون لها تداعيات على ظهور دول أو سقوط دول، ظهور حركات أو اختفاء حركات، ظهور موجات اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية تترك تأثيراتها على قطاعات واسعة، من الدول أو الأقاليم. والثاني: الأحداث الجذرية التي تترك تأثيراتها على بنية وهيكل النظام الدولي، ويكون لها دور في انتقال هذا النظام من نمط إلى آخر، من أحادي إلى ثنائي أو إلى تعددي أو العكس، مثل الحرب العالمية الأولى 1914، والحرب العالمية الثانية 1939، ونهاية الحرب الباردة 1991.

وتصنف أحداث 11 سبتمبر 2001 ضمن المستوى الأول، فهي حدث مهم كانت له العديد من التداعيات وفرض الكثير من التحولات ليس فقط في استراتيجيات الأمن القومي للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن أيضاً في توجهات واستراتيجيات العديد من أطراف العلاقات الدولية، لكنه لم يكن بالحجم الذي يترتب عليه تغيير بنية أو هيكل النظام الدولي الراهن، الذي استمر أحادي القطبية تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية منذ سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1991.

سبتمبر وبداية حرب دولية وحروب جزئية وصراعات مستمرة

بعد أحداث 11 سبتمبر وفي رد فعل مباشر أعلنت الإدارة الأمريكية عن شن الحرب الدولية ضد الإرهاب، وذكرت أن هذه الحرب لن تكون فقط عسكرية بل ستكون كذلك حرب عقول وأفكار، لمواجهة الظاهرة من جذورها، وهو ما يتطلب تغيير مناهج التعليم في عدد من الدول العربية والإسلامية، وتعزيز دور المجتمعات المدنية، وتبني العديد من الخطوات والإجراءات الهادفة لتغيير الأفكار والتصورات لدى قطاعات واسعة من المسلمين تجاه مفهوم “العدو” والآخر” وإعادة تشكيل الصور الذهنية تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وإطلاق مبادة إصلاح الشرق الأوسط الكبير التي أعلن عنها وزير الخارجية الأمريكية آنذاك “كولن بأول” عام 2002 ثم تبنتها مجموعة الدول السبع الكبرى لتصبح مبادرة عالمية عام 2004.

وفي إطار هذه الحرب الشاملة ـ عسكرياً وفكرياً واقتصادياً وأمنياً ـ شنت الولايات المتحدة عدداً من الحروب المباشرة، فقامت بغزو أفغانستان في 7 أكتوبر 2001، أي بعد أقل من شهر من وقوع أحداث سبتمبر، ثم قامت بغزو شامل للعراق في 19 مارس 2003، كما قامت بعشرات العمليات العسكرية غير المباشرة التي تمثلت في هجمات طائرات بدون طيار، والاغتيالات السياسية التي طالت أهم رموز تنظيم القاعدة مثل أسامة بن لادن وأيمن الظواهري، وكذلك أهم رموز تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وشكلت العديد من التحالفات لخوض غمار هذه الحروب وتلك المواجهات.

وتبنت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ 2001 وحتى الآن عدداً من المبادئ التي حكمت استراتيجيات أمنها القومي، مثل: مبدأ بوش القائم على تقسيم العالم إلى محور الخير ومحور الشر والذي يضيق ويتسع وفقاً للرؤية الأمريكية وتوجهاتها الاستراتيجية، ومبدأ الحروب الاستباقية الذي بموجبه تعطي الإدارة الأمريكية نفسها حق التدخل عسكرياً استباقياً في أي دولة أو حركة أو منظمة ليست فقط تلك التي تُهدد الأمن القومي للولايات المتحدة ولكن أيضاً تلك التي تفكر في تهديد هذا الأمن. وكذلك مبدأ التدخل الإجباري، الذي يقوم على أن للولايات المتحدة حق التدخل في أي مكان في العالم يشهد حالة من عدم الاستقرار السياسي أو الاجتماعي أو الأمني أو العسكري، من شأنها تهديد السلم والأمن الدوليين.

ومع تولي أوباما الحكم تبنى مبدأ القيادة من الخلف، حيث الاعتماد على الحلفاء الإقليميين في إدارة الأزمات وتسوية الصراعات الإقليمية، لتجنيب الولايات المتحدة الأضرار المادية والبشرية والخسائر في الصورة الذهنية التي تتعرض لها على خلفية تدخلاتها المباشرة في هذه الأزمات وتلك الصراعات. وجاء ترامب بمبدأ أمريكا أولاً، وتبني سياسات انعزالية وخروج من منظمات دولية ومطالبة الأصدقاء والحلفاء بدفع تعويضات مقابل الحماية الأمنية والسياسية التي توفرها لهم الولايات المتحدة، حتى جاءت إدارة بايدن لتستكمل انسحاباً أمريكياً من أفغانستان بعد غزو واحتلال استمر عشرين عاماً.

ما بعد سبتمبر وما بعد الانسحاب.. ماذا الآن؟

رغم مرور 21 عاماً على أحداث سبتمبر، ورغم ما ترتب عليها من تحولات يمكن القول إن العالم لم يعد أكثر أمناً عما كان عليه قبل سبتمبر، والتفاعلات الصراعية لم تعد أقل حدة عما كانت عليه قبل سبتمبر بل هيمن الصراع على العالم خلال هذه السنوات، بمعدلات أكبر، وشهد موجات تحول واسعة في عدد من دول أوربا الشرقية، وأفريقيا جنوب الصحراء، وصولاً للثورات والانتفاضات والاحتجاجات الشعبية التي شهدتها دول الشرق الأوسط منذ 2011، وأفرزت حروباً أهلية دامية، وترسيخ الانقسامات والأزمات في العديد من الدول مثل: سوريا واليمن وليبيا والسودان ولبنان.

ولم تنجح الولايات المتحدة في تحقيق شعارات إعادة بناء الأمم والشعوب ونشر الديمقراطية والرفاهية وتعزيز حقوق الإنسان في الدول والمجتمعات التي استهدفت نظمها وحركاتها فيما أسمته بحربها الدولية ضد الإرهاب، وحرب العقول والأفكار التي أدارتها سياسياً ودبلوماسياً وتعليمياً وإعلامياً واتصالياً عبر منظومة كاسحة من شبكات التواصل الاجتماعي.

فالنتائج النهائية لإحدى وعشرين عاماً من الحروب المباشرة وغير المباشرة، والأزمات والصراعات الممتدة تقول إن التدمير الممنهج كان حاكماً والتفتيت من الداخل، أصبح أكثر رسوخاً وبدلاً من أن تكون الفوضى التي أرادتها “كوندليزا رايس” “فوضى خلاقة” تحولت إلى دمار شامل، وعدم قدرة على التحكم والسيطرة في تداعيات التحولات ومخرجاتها، وأن من أرادت الولايات المتحدة احتواءهم قبل 21 عاماً ووضعتهم في محور الشر، تمددوا وأصبحوا أكثر تأثيراً عما كانوا عليه قبل سبتمبر 2001، وأعطت الولايات المتحدة بسياساتها لأعدائها ومنافسيها الفرصة للتمدد والانتشار، وأصبحوا لا يهددون فقط هيمنتها على قمة النظام الدولي، ولكن أيضاً أمنها القومي واستقرارها الداخلي، وهو الأمر الذي كان دافعاً ومعززاً لعودة وتنامي التيارات الانعزالية في السياسة الأمريكية، وإعلائها للأمن الداخلي والاستقرار المجتمعي سياسياً واقتصادياً عن أية اعتبارات أخرى حتى لو كانت القيادة الأمريكية للعالم.

 

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان