لن ينجو أحدنا منفردًا

جامعة الدول العربية

 

 (1) المشروع العربي الغائب

الجامعة العربية أقدم من الاتحاد الأوربي عمرًا، ورغم هذا فهناك هوة شاسعة بين ما حققه الاتحاد الأوربي من نجاح وإنجاز وبين إخفاق جامعة الدول العربية في الاتفاق حول مشروع عربي يوحد الأمة العربية من الخليج إلى المحيط ويجعل لها كيانا قويا مهاب الجانب، وينعش آمال الأجيال الشابة في أن تتوسع حدود أوطانهم لما هو خارج حدود الجغرافيا المقيدة إلى حدود التاريخ المشترك واللغة الموحدة والدين الواحد والثقافة المتقاربة والحضارة الجامعة. رغم كل هذه المشتركات التي لا يتحقق معظمها بين دول الاتحاد الأوربي، نجح الأوربيون وفشل العرب، لماذا؟ سؤال يجب أن يطرح مباشرة وبوضوح على مائدة المباحثات في قمة الجزائر المقبلة، لماذا فشلنا في إيجاد مشروع اقتصادي مشترك (كخطوة أولى) يجمع موارد الأمة العربية المتنوعة والضخمة في سياق واحد، يضاعف ثمارها تعيش به وله الأجيال الشابة التي تعرض نفسها للموت غرقًا في أعماق المتوسط سعيًا وراء حلم بحياة أفضل في الشمال، بعد أن ضاق بهم الحال في أوطانهم.

 (2) تحالفات جديدة

24 فبراير سيظل تاريخا فارقا، ودعت فيه أوربا زمن الوفرة والرفاهية كما قال الرئيس الفرنسي ماكرون. القارة العجوز استيقظت على كابوس اجتياح روسيا لحدود أوكرانيا، فجأة وجد القادة الأوربيون أنفسهم في خضم حرب كانت بعيدة عن البال والخاطر، يقودها قيصر راغب في الثأر وزحزحة حدود الإمبراطوريات وإعادة تشكيلها، وهو ما توقعته أمريكا قبل ذلك التاريخ.

فجأة انقسم العالم إلى عالمين، وبسرعة تم تقديم تحالفات جديدة على الموائد، حتى قبل أن تنضج، بين الصين وروسيا وبين روسيا وإيران. ومؤخرا قدمت الصين اقتراحا لدول مجموعة “بريكس” لتوسيعها إلى “بريكس بلس”، وهناك دول مرشحة للانضمام إلى هذه المجموعة منها ثلاث دول عربية: مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات. تسعى مجموعة “بريكس” لكسر الهيمنة الغربية الأمريكية على الاقتصاد العالمي، وتجد أن المعايير الغربية مزدوجة فكيف لا تشمل مجموعة الدول الصناعية السبع الكبرى G7، دولتين من أكبر اقتصادات العالم وهما الصين والهند؟!

حتى الآن “بريكس” ليس لها أجندة مشتركة كما هو الحال بالنسبة لمجموعة السبع، لكن الصين تقترب من اقتراح أجندة مشتركة وبناء نظامها الخاص بالعولمة، البديل والمعارض للنظام الأمريكي. غير أن انضمام هذه الدول العربية إلى “بريكس بلس” سيكون له تداعياته على تحالفها التقليدي مع الولايات المتحدة والغرب، ومن هنا تأتي أهمية أن يكون اختيار الانضمام قائما على المصالح المشتركة وليس الأهواء، الوضع الدولي لا يحتمل اختيارات خاطئة ولكنه يسمح بتحالفات جديدة وفق قواعد جديدة.

(3) العودة إلى المفاهيم الأولية

القادة العرب سيجتمعون في الجزائر في نوفمبر/ تشرين الأول المقبل، في ظل تعقيدات المشهد في عدد من الدول العربية: العراق، لبنان، سوريا، اليمن وليبيا. كما أن هناك أزمة بين الجزائر والمغرب حول الصحراء، ومخاوف عربية من قوى إقليمية تطمع في توسيع نفوذها على حساب دول عربية، واختلاف الانحيازيات بين الدول العربية، ولا يمكن أن يغفل القادة العرب قضية الشعب الفلسطيني الذي يعاني تحت حكم المحتل الغاصب لأرضه وحقوقه وهو ما يستدعي إعادة تقييم معاهدات السلام الإبراهيمي التي تمت في عجالة ودون دراسة تفصيلية للمكاسب والخسائر التي ستعود على القضية الفلسطينية من جرائها.

هذه المسائل المتعلقة بالبيت العربي سيضاف إليها الوضع العالمي المتأزم وخريطة التحالفات الجديدة والأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن الحرب الأوكرانية وارتفاع أسعار الطاقة والسلع والتضخم وغلاء المعيشة الذي تعاني منه غالبية شعوب الدول العربية والتخوف من أن يتسبب الأمر في غضب شعبي قد يؤدي إلى عدم استقرار مجتمعي مما يزيد الطين بله، وخاصة أن عددا من اقتصاديات الدول العربية كان يعاني بالفعل قبل هذه الأزمة.

يبدو الوضع محبطا، فمن يستطيع حل كل هذه المشاكل المتراكمة على مدى سنوات في قمة محدودة التوقيت؟! لا يمكن توقع ذلك لكن المفترض أن تكون البداية مع سؤال بديهي بسيط وفارق: هل القادة العرب مقتنعون بأن وحدتهم ستزيدهم قوة؟ أم أن هناك دولا تفضل العزف المنفرد بعيدا عن السرب، مفضلة تحالفات إقليمية ودولية غير عربية، معتقدة أنها يمكن أن تنجو بمفردها بما تملك من أدوات، من حقل الألغام الذي زرعه غيرنا في أوطاننا بسوء نية وعن قصد لينفجر عند البدء في أي مشروع مستقبلي واعد.

قبل الذهاب إلى القمة على القادة العرب مراجعة المفاهيم الأساسية التي قامت عليها منظمة الجامعة العربية، والإجابة عن سؤال: لماذا عجزت عن القيام بدورها؟ الأسباب التي تبدو معقدة ومتشابكة يمكن حلها فقط حين نصل إلى المفاهيم الأولى الغائبة، التي وصل إليها الأوربيون بعد حربين عالميتين، ذاقوا فيهما مرارة الخراب وعاشوا وسط رائحة الموت، وهي أن التعاون أفضل من المنافسة، والسلام يحقق أرباحا للجميع في حين أن في الحروب خسارة يتقاسمها المنتصر والمهزوم ولو كان نصيب الخاسر أكبر.

لا أحد يستطيع أن ينجو وحده في محيط عالمي مضطرب، ولذلك علينا نحن العرب، أن نشارك في بناء سفينة نوح، بالحكم الرشيد واقتصاد التنمية المستدامة ومحاربة الفساد وتحرير الأوطان من التبعية، وأن نكون موطنا للعدل وسيادة القانون.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان