ساعة ونصف.. انهيار أحلام المصريين في قطار الصعيد

انشغل قائد القطار عن ركابه بمشاكله الشخصية وأعبائه الأسرية فلم ينتبه إلى إشارات حرامي خطوط السكك الحديدية أن القطار سينقلب بعد سرقة القضبان، ومقتل غفير الطريق الذي لم يلحظ اختفاء القضبان مهموما بعدم قدرته على زواج ابنته الكبرى ثم مقتله على يد لص القضبان الذي كان يخونه مع زوجته فكانت المصيبة بانقلاب قطار الصعيد مخلفا وراءه آلاف من الأحلام المقتولة قهرا أو خطأ.

هذا المشهد هو قمة مأساة فيلم ساعة ونصف إنتاج 2012، من تأليف أحمد عبد الله وإخراج وائل إحسان في أحد أهم أفلامه السينمائية والمأخوذ عن الحادث الشهير الذي وقع في فبراير/شباط 2002 وراح ضحيته أكثر من 350 مصريا في عطلة عيد الأضحى.

أحلام منهارة خارج القطار وداخله

ما بين الهزائم وانهيار أحلام الطبقة الوسطى والفقيرة تدور أحداث الفيلم الذي جمع نماذج متنوعة وممثلة لهذه الطبقة داخل القطار من الركاب وخارجه من المنتظرين لذويهم القادمين عبر القطار الذي يمضي إلى نهايته تحت وطأة ظروف اقتصادية طالت الجميع.

استطاع المؤلف تقديم نماذج مصرية متنوعة في ركاب قطار الصعيد، فهذه طبيبة صعيدية تعاني من تسلط زوجها الذي لم يستكمل تعليمه ويهينها دائما ويندم على تعليمها ويغار منها ويشعر بالدونية أمامها. وهذه الأرملة التي تذهب لتأخذ مستحقات زوجها من مصلحته الحكومية لتحقيق بعض أحلامها من هذا المستحقات، بينما تتطلع ابنتها إلى بعض المستحقات لتنقل بها أطفالها إلى مدرسة آخري.

عزت وصلاح شابان صعيديان سافرا إلى ليبيا ليحققا أحلامهما، وأحلام ذويهما في مستوى معيشة أفضل فيتضح أنه تم النصب عليهما ليعودا خاليا الوفاض، وأحدهما يعاني فشلا كلويا يموت بسببه في القطار، بينما أمه وأبوه ينتظرانه على محطة الوصول وفي عقلهما أحلام ثراء من رحلة ليبيا.

الأم العجوز التي لم يستطع ابنها الإنفاق على علاجها فيتركها في القطار موصيا أي شخص يجدها أن يتركها في دار مسنين، وقد كانت قمة أداء الفنانة الكبيرة كريمة مختار عندما أخبرها عز الفيومي بائع الكتب في القطار بحقيقة رسالة أبنها، وفي مشهد مؤثر تظن الأم أنها أحزنته عندما أخبرته بحاجتها للدواء، لم تشك بابنها مطلقا أنه تركها ولم يتمسك بها.

عز الفيومي الثوري يبيع رسائل حب

عز الفيومي أحد أبطال أحمد عبد الله ووائل إحسان في فيلمهما ساعة ونصف، شخصية حقيقية وكان زميل المؤلف في الجامعة وأحد الثوريين الذي زاملنا في الجامعة.

يساري حالم كان يهز جامعة القاهرة في سنوات الدراسة بتظاهرات قادها وأفكار ثورية مبتكرة مناهضة لحكم مبارك. بعد تخرج عز الفيومي من الجامعة لم يستطع الالتحاق بأي وظيفة تضمن له حياة كريمة.

وقد رحل الثوري النبيل منذ سنوات بعدما عجز كل رفاقه وتلاميذه في الجامعة عن توفير وظيفة له.

أحلام الفيومي كانت أحلام وطن كامل في الحرية والعدل والتنمية، ولكنه مات بعد أن أعجزه المجتمع عن توفير حياة له، وكأن المجتمع يعاقبه على أحلامه للوطن.

أفلام المكان الواحد

قدمت السينما المصرية ثلاثة أفلام جمعت نماذج متعددة من البشر في مكان واحد، وإن اختلفت قصة كل منها حسب الفترة الزمنية التي قدم فيها كل فيلم. كانت البداية مع فيلم بين السماء والأرض للمخرج الكبير صلاح أبو سيف حيث يتجمع أنماط متعددة من النماذج البشرية داخل مصعد أحد العمارات الضخمة بوسط القاهرة.

أنتج الفيلم عام 1959 عن قصة لأديب مصر العالمي نجيب محفوظ، ويتناول الفيلم نماذج لعديد من الخطايا الإنسانية لمجموعة الموجودين في المصعد.

في الأزمة يحاول الجميع أن يتطهر من خطاياه، ولكن محفوظ وأبو سيف يشيران في نهاية العمل إلى أنه بانتهاء الأزمة تعود حياتهم كما كانت من قبل.

الفيلم الثاني وهو فيلم مشابه لفيلم ساعة ونصف وهو (القطار) إنتاج 1986، عن قصة وسيناريو وحوار محمد سعيد مرزوق وإخراج أحمد فؤاد، ويجمع الفيلم نماذج أخرى تماثل الفترة الزمنية التي قدم فيها، وفي الفيلم يقرر سائق القطار قتل مساعده الذي يقيم علاقة غير شرعية مع زوجته، ويقتلان بعضها البعض داخل كابينة قيادة القطار معرضين حياة الركاب للخطر.

لكن خالد بطل حرب أكتوبر الذي عبر وانتصر، واكتشف أن آخرين حصدوا نتائج نصره ومصاب بالإحباط يستفيق وينقذ القطار والركاب بمساعدة القوات المسلحة.

 أما الفيلم الثالث فهو فيلم ساعة نصف.

وفيلم المكان الواحد هو فيلم يبرز براعة المؤلف والمخرج خاصة الإخراج في تحريك الكاميرا والممثلين في موقع واحد أو موقعي تصوير.

فيلم ساعة ونصف يعتبر من الأفلام التي أظهرت براعة مخرجه وائل إحسان الذي بدا حياته السينمائية بفيلم اللمبي مع محمد سعد، وكون ثنائيا معه، لكنه قدم أغلب أعماله مع نجوم الكوميديا على رأسهم: عادل إمام الذي قدم معه فيلم بوبوس، ومسلسل أستاذ ورئيس قسم.

أحمد عبد الله مؤلف الكوميديا الذي غير مساره

أحمد عبدالله الذي قدم للدراما المصرية 43 عملا ما بين المسرح الذي كان بدايته بعد تخرجه من الجامعة، والسينما التي بدأها في  عديد من الأفلام الكوميديا مع كل نجوم التسعينات؛ هؤلاء النجوم كانت بدايتهم من خلال أحمد عبدالله في أول بطولة سينمائية لهم.

كان عبدالله على موعد مع نقلة فنية من خلال لقائه مع المخرج سامح عبدالعزيز، فقدما ثلاثة أفلام مهمة وهم الفرح، كبارية، الليلة الكبيرة ومسلسل الحارة.

أخطاء النهاية المؤلمة

أشار فيلم ساعة ونصف إلى الأخطاء القاتلة التي تؤدي إلى نهايات الرحلات الحزينة، فالأعباء التي يحملها الناس خاصة عند انهيار أحلامهم، وعدم قدرتهم على مواصلة حياتهم بشكل جيد تجعلهم فاقدي الأمل، أما القائد اذا انشغل بهمومه الشخصية أو أحلامه الفردية فإنه يجعل الجميع في منطقة الخطر خاصة عندما يقود السفينة التي تقل الجميع، الذين يسرقون في أماكن الخطر يساهمون في النهايات المأسوية للجميع، وقد لا ينفع ندمهم بعد ذلك في إنقاذ القطار أو السفينة..
الأزمات الاقتصادية تدفع الجميع إلى الإحباط والإهمال الذي يقود المجتمع بأخطاء صغيرة إلى نهايات مأساوية.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان