منظمة شنغهاي والنظام الدولي: جدل الرغبة والواقع

شهدت مدينة سمرقند التاريخية العريقة في جمهورية أوزبكستان، انعقاد القمة السنوية لرؤساء منظمة شنغهاي للتعاون يومي 15 و16 سبتمبر/ أيلول 2022، وقبل انعقاد القمة حدد رئيس أوزبكستان شوكت ميرزوييف أولويات ومهام رئاسة القمة والتي تشمل تعزيز إمكانات وسلطة المنظمة، وضمان السلام والاستقرار في المنطقة، والحد من الفقر، وضمان الأمن الغذائي، ووضع خطة لتطوير التجارة البينية، وإزالة الحواجز التجارية، وتوحيد اللوائح الفنية، ورقمنة الإجراءات الجمركية.
ومع انعقاد القمة في ظل تداعيات الحرب الروسية على أوكرانيا، وما صاحب القمة من زخم إعلامي ثار الحديث المتكرر حول فكرة البديل الشرقي الذي يمكن أن تقدمه المنظمة للنموذج الغربي الذي يقدمه الاتحاد الأوربي في نسخته الاقتصادية أو حلف الناتو في نسخته العسكرية، وهل يمكن للمنظمة أن تعيد هيكلة النظام الدولي وبناء التوازنات الاستراتيجية؟
منظمة شنغهاي للتعاون: النشأة والتطور ومستويات العضوية
تعود البدايات الأولى للمنظمة إلى السادس والعشرين من أبريل 1996، وتأسيس ما عرف بـ “خماسية شنغهاي” والتي ضمت كل من الصين وروسيا وطاجيكستان وكازاخستان وقرغيزستان، وبعد مرور خمس سنوات تم الاتفاق على التأسيس الرسمي في الخامس عشر من يونيو 2001، مع انضمام كازاخستان، ودخل ميثاقها حيز التنفيذ في 19 سبتمبر 2003، وشهدت أول توسع لها عام 2017 بعد القبول بالعضوية الكاملة لكل من الهند وباكستان، وفي سبتمبر 2021 تم قبول ملف إيران الخاص بالعضوية الكاملة، وتمت الموافقة والتصديق على طلبها في قمة سبتمبر 2022، كما تم اعتماد العضوية الكاملة لجمهورية بلاروسيا في نفس العام ليصبح عدد الدول كاملة العضوية 9 دول.
وبجانب العضوية الكاملة، يتم التمييز بين 3 مستويات أخرى من الدول المرتبطة بالمنظمة، الأول: دول بصفة مراقب ترغب بأن تصبح كاملة العضوية وهي: أفغانستان ومنغوليا، والثاني: “شركاء الحوار” شاركوا بالفعل في اجتماعات المنظمة هي أرمينيا وأذربيجان وكمبوديا ونيبال وسريلانكا وتركيا، والثالث: دول تقدمت بطلبات للمشاركة كشركاء حوار وشملت مصر وقطر والسعودية والكويت والإمارات والبحرين.
شنغهاي بين الأمن الإقليمي وعضوية المنظمات الدولية
منذ إنشائها ركزت المنظمة على قضايا الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب الإقليمي، والحركات الانفصالية القومية والتطرف الديني والتنمية الإقليمية، وفي عام 2005 أصبحت عضواً مراقباً في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي أبريل 2010، وقعت إعلانًا مشتركًا للتعاون مع الأمانة العامة للأمم المتحدة، كما أقامت شراكات مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو)، ومنظمة السياحة العالمية، والمنظمة الدولية للهجرة، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لآسيا والمحيط الهادئ ومكتب الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب، وإدارة الشؤون السياسية وبناء السلام التابعة للأمم المتحدة، ومركز الأمم المتحدة للدبلوماسية الوقائية لآسيا الوسطى.
وخلال العقدين الماضيين منذ تأسيسها وحتى الآن، حرصت المنظمة على التمدد وتوسيع نطاق العضوية إلا أنها ظلت إقليمية آسيوية، وعدد من الأعضاء جاء انضمامهم بتوجيه من روسيا الاتحادية التي تسعى لإعادة دمج الجمهوريات التي استقلت عن الاتحاد السوفيتي عام 1991، سواء عبر مظلات اقتصادية، من بينها منظمة شنغهاي، أو أمنية مثل منظمة معاهدة الأمن الجماعي (CSTO) المعروفة أيضاً باسم ميثاق طشقند، ودخلت حيز التنفيذ عام 1994، وضمت روسيا وأرمينيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان وبيلاروسيا، والأخيرة خمسة من أعضائها الست هم أعضاء في شنغهاي.
قمة شنغهاي 2022: أولويات الحركة
أكد البيان الختامي لقمة منظمة شنغهاي للتعاون 2022، على أن الدول الأعضاء أعربت عن استعدادها لتعزيز التعاون في مجالَي الدفاع والأمن، وشدّدت على أهمية عقد تدريبات عسكرية مشتركة لمكافحة الإرهاب ضمن مهمات سلام، من أجل زيادة مستوى التفاعل في مكافحة التشكيلات المسلحة للمنظمات الإرهابية الدولية، وتحسين أساليب مكافحة الإرهاب، ودعت إلى الامتثال لاتفاقية حظر التطوير والإنتاج والتخزين والاستخدام للأسلحة الكيميائية، وإلى تدميرها كأداة فعالة لنزع السلاح وعدم الانتشار، مُشددةً على أهمية تدمير جميع المخزونات المعلنة من الأسلحة الكيميائية في أسرع وقت ممكن.
وأكدت الدول الأعضاء أنّ من المهم تنفيذَ خطة العمل الخاصة ببرنامج إيران النووي، وتعتبر التنفيذ المستدام لخطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني أمراً مهماً. ووفقاً لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 2231، تدعو كل المشاركين إلى الوفاء بصرامة بالتزاماتهم من أجل التنفيذ الشامل والفعال للاتفاقية.
كما عارضت الدول استخدام قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في الأعمال العسكرية، ودعمت إطلاق اتفاقية دولية شاملة تحت رعاية الأمم المتحدة لمكافحة استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لأغراض إجرامية، وأنها ستسعى، وفقاً للقوانين الوطنية للدول وعلى أساس التوافق بينها، إلى تطوير مبادئ ومناهج مشتركة من أجل تشكيل قائمة موحدة للمنظمات الإرهابية والانفصالية والمتطرفة، والتي تنصّ على حظر أنشطتها في أراضي الدول الأعضاء.
شنغهاي وتغيير النظام الدولي: جدالات وتحديات
على هامش فعاليات قمة سمرقند 2022، قال الرئيس الصيني شي جين بينج، إنّ “على القادة العمل معاً على التشجيع على قيام نظام دولي يسير في اتجاه أكثر عدلاً وعقلانية”، مشدداً على أهمية “منع أي محاولة من جانب قوى خارجية لتنظيم ثورات ملونة في الدول الأعضاء في منظمة شنغهاي”، ومضيفاً أنه “يجب أن ندعم جهود بعضنا البعض لحماية الأمن والتنمية”.
وأشاد الرئيس الروسي، بوتين، بالدور المتعاظم لمراكز النفوذ الجديدة الذي يتضح بشكل متزايد، مشددا على أن التعاون بين بلدان منظمة شنغهاي خلافا للدول الغربية يستند إلى مبادئ مجردة من أي أنانية، وأضاف: نحن منفتحون على التعاون مع العالم بأسره، ونأمل أن يدير الآخرون سياستهم استنادا إلى المبادئ نفسها.
ومن جهته، أكّد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، أنّ الأحادية الأمريكية تسعى لإبقاء دول العالم في حالة من التخلف، مشدداً على أنّ منطقتنا ذاقت، خلال الأعوام الماضية، طعم التدخل الأجنبي، مشيراً إلى أنّ أمريكا لم تتعلم من درسها في أفغانستان، بل تسعى لزعزعة الأمن في المنطقة. أمّا إيران فتعتقد أنّ السلم المستدام في أفغانستان يمكن تحقيقه عبر تشكيل حكومة متعددة الأطياف، لافتاً إلى أنّ الاستقرار واستتباب الأمن في القوقاز وأفغانستان مهمان جداً بالنسبة إلى إيران، التي تعارض أي تغيير في ترسيم الحدود في منطقة القوقاز.
والتصريحات التي تناولها الرؤساء الثلاثة فتحت المجال أمام مزيد من الجدل حول مدى قدرة منظمة شنغهاي على تغيير قواعد النظام الدولي وإعادة هيكلة بنيته والقضاء على حالة الأحادية القطبية والهيمنة الأمريكية على هذا النظام منذ 1991 وحتى الآن.
وذهب فريق من المحللين العرب إلى أن قمة سمرقند هي “ترسيخ لهذا التوجه” وأننا أمام نظام دولي جديد بالفعل يقوم على تعدد الأقطاب.
لكن من وجهة نظري أعتقد أن هذا الاستنتاج حتى يثبت يحتاج إلى مزيد من الوقت ومزيد من السياسات والإجراءات الروسية والصينية تحديداً باعتبارهما من يقودان موجة التغيير، كما أن هذا الاستنتاج يأتي في سياق التفكير الرغائبي القائم على الآمال والتمنيات وليس الواقع القائم فعلياً، للعديد من الاعتبارات أولها أن منظمة شنغهاي ما زالت أقرب إلى الكيان التنسيقي التشاوري منها إلى الكيان المؤسسي القائم والمستقر مقارنة بالاتحاد الأوربي أو حلف الناتو، هذا من ناحية.
ومن ناحية ثانية، أن المنظمة حتى الآن ومع تمددها وضم عدد من الأعضاء من غير المؤسسين، تبقى منظمة ذات طابع إقليمي آسيوي، لم تستطع حتى الآن التمدد خارج هذه الدائرة، كما أنها تصطدم بوجود العديد من الكيانات والاتحادات الإقليمية المنافسة لها مثل الآسيان، على سبيل المثال، بجانب العديد من التحالفات التي شكلتها الولايات المتحدة وحلفائها سعياً نحو احتواء روسيا والصين وإيران، وخاصة مع إدراك الولايات المتحدة لسعي هذه الدول إلى تغيير بنية النظام الدولي أو على الأقل تعديله.
ومن ناحية ثالثة، أنه رغم تصريحات “شي جين بينج” و”بوتين” و”رئيسي” عن السعي نحو تغيير أو تعديل النظام الدولي، فإن هذه الدول ما زالت تعمل تحت مظلة وقواعد وآليات وإجراءات ومؤسسات هذا النظام القائم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية 1945 وتحولاته بعد نهاية الحرب الباردة 1991، ويمكن أن تتعرض دولة مثل الصين لأضرار بالغة إذا قررت العمل خارج هذه المنظومة التي حققت في إطارها صعودها السياسي والاقتصادي، وترتبط منظومتها الاقتصادية بالنظام الاقتصادي العالمي القائم، ولا تستطيع الحفاظ على قوتها وصعودها إذا تم استهداف هذا الارتباط من جانب الولايات المتحدة وحلفائها.
من ناحية رابعة، أن الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ فبراير 2022، لم تكشف بعد عن كل تداعياتها، ومن غير المتوقع أن تخرج روسيا منتصرة من هذه الحرب، لأنها بالفعل دخلت في مستنقع يتم استنزافها فيه بشكل يومي، وفقدت حضورها التأثيري القوي على القارة الأوربية عبر بوابة النفط والغاز، وبالتالي لو انتهت هذه الحرب فعلياً بهزيمة روسيا، ستفكر الصين آلاف المرات قبل التفكير في الدخول في صدام سياسي أو اقتصادي مع المنظومة الغربية بقيادة الولايات المتحدة، وخاصة أن الملفات العالقة بينهما كثيرة ومتعددة، ويغلب عليها الآن التنافسية، وبالتالي القابلية للصدام خلال السنوات القليلة القادمة.