من هي أليف شافاك صاحبة “قواعد العشق الأربعون”؟

أليف شافاك عندما حصلت على جائزة في لندن (يونيو الماضي)

يهتم الكثيرون بتتبع التطورات السياسية والاقتصادية التي تمر بها تركيا، بينما يولي آخرون اهتمامًا كبيرًا للتعرف على كل ما له علاقة بالسياحة والتجول بين مدنها وشواطئها، وتذوق أطعمتها، لكن قليلا من الناس من يهتم بالثقافة التركية، ويحاول التعرف على بعض رموزها المبدعين من الكتاب والروائيين الذين لهم بصمات لا يمكن تجاهلها على خريطة الآداب العالمية.

من هؤلاء الكاتبة والروائية أليف شافاك، التي ذاعت شهرتها في دول العالم عقب إصدار روايتها “قواعد العشق الأربعون” التي حققت انتشارا واسعا، بعد أن تُرجِمت إلى أكثر من 47 لغة، وبِيعت منها 750 ألف نسخة.

وهي الرواية التي تتمحور حول مفهوم الحب عند اثنين من أهم وأشهر رموز التصوف في العالم، وهما مولانا جلال الدين الرومي، ومعلمه شمس الدين التبريزي، حيث تتناول الكاتبة في أسلوب سلس شيق يمتاز بالرشاقة والجمال التعريف بطرق الحب، وكيفية الوصول إلى الغاية الكبرى، والهدف الأسمى، ألا وهو الحب الإلهي، من خلال تلك القواعد الأربعين للعشق، التي اعتبرتها شافاك طريق الخلاص والانعتاق من قيود النفس البشرية، والتوجه صوب الحرية، عبر التخلص من أحمال النفس التي تعيق مسيرة الإنسان خلال هذه الرحلة الطويلة.

فكل قاعدة من هذه القواعد الأربعين تمثل دعوة إلى حرية النفس وتحرير الذات، ففي كل مرحلة من مراحل السير في هذا الطريق تختلف العوالم والأزمان والأماكن، ويصبح العشق الإلهي والذوبان فيه هو جوهر الحياة وهدفها السامي، إلا أنها تؤكد في سردها لكل مرحلة من مراحل هذه الرحلة أن الطريق ليس قصيرا ولا سهلا، وإنما هو طريق طويل وشاق على السائرين فيه، ولذا يتساقط البعض ولا يستطيعون المضي قدما لتحقيق هدفهم الأسمى، وقليل هم من يصلون، وهم هؤلاء الذين يصمدون رغم جميع الأهوال والصعاب التي يمرون بها، والعقبات التي تعرقل مسيرتهم، أولئك الذين يملكون إرادة صلبة وعزيمة من فولاذ.

أليف شافاك.. طفولتها وأصل تسميتها

ولدت أليف شافاك في ستراسبورغ عام 1971، والدها هو الفيلسوف نوري بيلغين، ووالدتها الدبلوماسية شافاك عطيمان، وقد قامت أليف في بداية انطلاقها الأدبي بدمج اسمها باسم والدتها ليصبح اسمها الأدبي الذي اشتهرت به، وذاع صيتها من خلاله.

عاشت سنوات طفولتها ومراهقتها بين مدريد وعمان قبل أن تعود إلى تركيا، عمل والدتها دبلوماسيةً أتاح لها فرصة التعرف على عوالم ثقافية مختلفة حيث جابت أرجاء العالم، وزارت الكثير من الدول، الأمر الذي كوّن لديها حصيلة ثقافية غنية عن عادات وتقاليد الشعوب، وموروثاتهم الاجتماعية، وهو ما يظهر دوما في كتاباتها خصوصا الروائية منها.

كتبت أليف شافاك حتى الآن أكثر من 15 كتابا بينها حوالي عشر روايات، وحصلت روايتها الأولى -وهي بعنوان “الصوفي”- على جائزة رومي لأفضل عمل أدبي صوفي في تركيا عام 1998، أما روايتها الثانية فجاءت بعنوان “مرايا المدينة” وهي تروي قصة عائلة إسبانية تحول أفرادها عن دينهم، وفي هذه الرواية سعت أليف إلى الجمع بين أفكار التصوف في كل من الإسلام واليهودية، من خلال خلفية تاريخية لما كان عليه الوضع في القرن السابع عشر.

أما آخر إبداعاتها الأدبية فهو رواية “تلميذ المعماري” التي صدرت عام 2015، وتتناول فيها قصة رئيس المعماريين العثمانيين الأشهر سنان والكثير من الأحداث الاجتماعية والسياسية التي حدثت في هذه الفترة المهمة التي ازدهرت فيها العمارة العثمانية، وأصبح لها طابع متفرد يختلف في مفهومه ورموزه عما عرفه فن العمارة قبل ذلك.

الاهتمام بالتصوف وتتبع رموزه

اهتمام أليف شافاك بالتصوف لم يكن صدفة في حياتها، أو لمجرد التعرف عليه كعالم يمكن استخدامه في سرد الروايات وكتابة المقالات الأدبية، باعتبار أن موضوعاته وما يرتبط به من أفكار وأسرار تنجح دوما في جذب القراء، وإنما جاء اهتمامها بهذا العالم الروحاني وسيلةً مجدية للخروج من سلبية تأثير انفصال والديها الذي أثر في نفسيتها تأثيرا كبيرا، لذا اهتمت منذ دراستها الجامعية بالتصوف وعالمه وما يحمله من أفكار ورؤى، والتعرف على رموزه الذين قادوا مسيرته، وهو ما انعكس على حياتها الخاصة، وبدا واضحا في كتابتها حتى وصفها النقاد بأنها تسعى بكل قوة للدمج بين الحداثة والصوفية بمفهومها التقليدي.

لم تكن رواية “الصوفي” هي العمل الوحيد الذي حصل على جائزة، إذ حصلت روايتها “النظرة العميقة” على جائزة اتحاد الكتاب الأتراك عام 2000، وحققت روايتها “قصر القمل” أعلى نسبة بيع في تركيا، وكانت على قائمة الترشح النهائية لنيل جائزة “الإندبيندنت” لأدب الخيال الأجنبي.

الاهتمام بقضايا المجتمع ومشاكل المرأة التركية

تهتم أليف شافاك في كتاباتها بقضايا المجتمع التركي، ولها العديد من المقالات والمؤلفات التي تتناول هذه القضايا، ومنها الرواية التي حملت عنوان “شرف” وفيها ألقت الضوء على موضوع جرائم الشرف، والعادات الاجتماعية الموروثة حول مفهوم شرف العائلة، والثمن الذي تدفعه النساء في المجتمع التركي بسبب ذلك. وتدور أحداثها في فترة ما بين عامي 1945 و1992، بين تركيا وبريطانيا من خلال عائلة كردية تحاول التخلص في غربتها من المعتقدات والموروثات البالية التي تربطها بتقاليد عفا عليها الزمن، لكن الأحداث التي تحملها فصول الرواية تؤكد أن تلك العائلة لا تزال عالقة في حبال الماضي، الأمر الذي يقلب حياتها رأسا على عقب بسبب الصراع بين الحداثة والموروث الثقافي.

كما تولي اهتماما بالغا بقضايا المرأة الفكرية وتقبات حالتها النفسية، وهو ما نراه واضحا في روايتها التي تحمل عنوان “حليب أسود”. ففي هذه الرواية تتناول أليف شافاك اكتئاب ما بعد الولادة الذي يصيب كثيرا من الأمهات، فإذا كان الحليب ناصع البياض ويعد رمزا للأمومة، فإن السواد الذي يخيم على أفكار النساء خلال هذه المرحلة يوصمها بالسلبية والكآبة، ولذلك اعتبرته المؤلفة حليبا أسود.

وفي هذه الرواية وضعت أليف شافاك خلاصة تجربتها الشخصية بعد إنجابها طفلتها الأولى، كما تناولت جزءا من سيرتها الذاتية التي صاغتها برشاقة مفعمة بالدراما حيث مزجت بين الخيال والواقع.

المصدر : الجزيرة مباشر

إعلان